تشكل المياه أحد أهم مقومات
استمرارية الحياة والمورد الأكثر تأثيراً في حياة السكان في جميع مناطق سورية. إلا
أنه ومنذ بداية عام 2011 بدأت تبرز قضية المياه كإحدى أهم التحديات المرتبطة
بالمعاناة الإنسانية للسكان المدنيين. إن الأمن المائي أخطر من أي أمن آخر، والحلول
موجودة. فهل ندرك خطورة المسألة؟ أنها مياه. أنها مستقبل كل شيء، الصناعة
والزراعة، والغذاء، والسياحة، بل.. والأنسان.
وذلك بعد أن استخدمت أطراف الصراع
المياه كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية. كما أصبح هذا المورد
متلازماً إلى حد كبير مع تغيرات السيطرة العسكرية ومناطق النفوذ لهذه الأطراف، مما
أثر بشكل حاد على توافر المياه في غالبية المدن والأرياف السورية نتيجة لتدهور
البنية التحتية للمياه وفقدان وتضرر أكثر من نصف القدرة على الإنتاج الكلي للمياه.
وقد حمل هذا الوضع الجديد العديد من
التداعيات السلبية على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للسكان داخل المدن والأرياف.
لان الموارد المائية في المنطقة الفلسطينية الإسرائيلية، تتمثل في نهر وادي الأردن
وروافده، وفي المياه الجوفية الجبلية والمياه الجوفية الساحلية، ولكن الفوارق
تتمثل في أن إسرائيل تستأثر بحوالي 80% من المياه الجوفية الجبلية المخزنة في
معظمها تحت أراضي الضفة الغربية.
أن الفوارق القائمة بين الفلسطينيين
والإسرائيليين في مجال استخدام المياه شاسعة وعميقة، وأن التعاون الحتمي بين
الطرفين حتى في أتعس أوقات الصراع يواجه العديد من العراقيل، وأن هذه المشكلة التي
لها حلول تقنية (مثل تحلية مياه البحر وغيرها) تعترضها عقبات بسبب تعثر مسار عملية
السلام. وباختصار، فإن "الحل يكمن في إنهاء الاحتلال"،
إن إسرائيل تستهلك سنويا انطلاقا من
أراضيها حوالي 400 مليون متر مكعب من المياه الجوفية الجبلية، وتضيف لذلك حوالي 75
مليون متر مكعب سنويا لصالح المستوطنين اليهود تستخرجها من الأراضي المحتلة. وتبعا
لذلك لا يزيد ما يتبقى للفلسطينيين من حصة المياه الجوفية عن 150 مليون متر مكعب
سنويا.
وما ينتج عن ذلك بالنسبة للاستهلاك
الفردي يوضح جليا الفرق الشاسع في الاستهلاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين بمختلف
فئاتهم. إذ يقدر الاستهلاك اليومي لمواطن فلسطيني في الضفة الغربية بما بين
هذا في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة
الاستهلاك اليومي للإسرائيلي المقيم داخل حدود دولة إسرائيل قبل عام 1967 أكثر من 400
لتر، وهي الكمية التي يمكن أن تصل بالنسبة لمستوطن يهودي في الأراضي الفلسطينية
المحتلة إلى نحو
وقد تزداد هذه الفوارق تعقيدا نتيجة
لعدة عوامل أوردتها الدراسة منها تراجع نسبة تساقط الأمطار مما يحول دون تجدد نسبة
وجودة المياه الجوفية. وفي هذا السياق، تتوقع عدة دراسات أن يكون لتغيرات المناخية
تأثير كبير على الموارد المائية بالمنطقة.
كما يشكل تفاقم ظاهرة تسرب مياه
الصرف وتلويثها للمياه الجوفية مشكلة إضافية لكن الدراسة تذهب إلى أنها "لا
زالت في مرحلة يمكن التحكم فيها لو تم اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة مياه الصرف"،
حسبما جاء في دراسة قام بها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في الأراضي الفلسطينية
المحتلة.
ويتمثل العامل الثالث المؤثر في
تنامي استهلاك المياه بالمنطقة، في الزيادة السكانية الهائلة التي عرفتها إسرائيل،
يضاف إلى ذلك الاستهلاك المفرط لقطاع الزراعة الإسرائيلي لحوالي 65% من احتياطي
البلد المائي على الرغم من أن القطاع الزراعي لا يمثل سوى 3% من إجمالي الناتج
الداخلي مقارنة مع 33% بالنسبة للفلسطينيين.
إنه في الوقت الذي يتأسس فيه الدعم
المفرط الذي تقدمه إسرائيل إلى قطاعها الزراعي على دوافع استراتيجية وسياسية
ودينية، فإن الدعم الذي تقدمه السلطة الفلسطينية إلى القطاع الزراعي يمثل مسالة
حيوية واقتصادية بالدرجة الأولى للفلسطينيين.
أنه "على الرغم من أن عملية
الاحتلال تحكمها قوانين ومعاهدات دولية مثل معاهدة لاهاي لعام 1907 ومعاهدات جنيف،
فإن هذه المعاهدات لا تتخذ أبعادها السياسية إلا بقدر ما تعترف به إسرائيل من قوة
تنفيذ وحيز التطبيق".
أن "السلطات الإسرائيلية أخضعت
مسالة المياه لقوانين عسكرية". وهو ما تم توضيحه عبر استعراض الدراسة لمختلف
القوانين والمراسيم التي تحدد كيفية استغلال المياه، مثل المرسوم رقم 2 الصادر في 7
يونيو 1967 والذي ينص على أن "كل الموارد المائية الموجودة في الأراضي التي
تم احتلالها حديثا هي ملك لدولة إسرائيل"، أو الأمر رقم 158 الصادر في غرة
أكتوبر 1967 والذي ينص على أن "كل الآبار وكل المصادر أو المشاريع المائية هي
تحت الإشراف المباشر للحاكم العسكري الإسرائيلي".
وإذا كانت التضييقيات الناجمة عن
الاحتلال مثل الإغلاق ومنع تنقل الأفراد والمواد الغذائية كثيرا ما يتم التشهير في
المحافل الدولية باعتبارها انتهاكا للقانون الإنساني الدولي، يُلاحظ أن العراقيل
المفروضة من طرف دولة الاحتلال على استغلال المياه قلما تم التعرض لها من منظور
القانون الإنساني الدولي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهذا على عكس ما حدث في
نزاعات أخرى.
أن "المياه تستخدم كسلاح" وعلى
أن "الحل يجب أن يوجد على المستوى السياسي، أي في إنهاء الاحتلال لأن الحلول
التقنية والعملية موجودة مثل إقامة محطات تحلية مياه البحر، ومحطات معالجة مياه
الصرف"، أما التوصيات التي أوردوها في ختام دراستهم، فاتسمت بالعمومية. ضرورة
تعزيز تمويل المشاريع المائية وضرورة نقل التكنولوجيا المساعدة في هذا المجال. إن تنوع القوى العسكرية وتوزعها على امتداد
الأرض السورية والسيولة المستمرة للمشهد العسكري يحمل معه العديد من التحديات
الحالية والمستقبلية للأمن المائي.
في ظل تبادل السيطرة بين هذه القوى، والقدرة على
التحكم بالموارد المائية في المناطق الخاضعة لها، ومدى إدراكها لأهمية المورد
المائي كعامل للاستقرار وتوطيد السلطة وفقاً لأجندتها الحالية والمستقبلية، ومدى
قدرتها كذلك على إدارة وتنمية هذا المورد في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة للحفاظ
على الأمن المائي.
عمد تنظيم الدولة منذ ظهوره على
الساحة السورية إلى الاستخدام الاستراتيجي للموارد الطبيعية كجزء أساسي من
استراتيجيته التوسعية واستئصال كل من يرفض أفكاره المتطرفة في سعيه لإقامة “دولة
الخلافة". وبدى هذا واضحاً في حجم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدها
التنظيم في سبيل السيطرة على مرافق المياه واستخدامها كسلاح لتعزيز أهدافه
السياسية والعسكرية والاقتصادية، فسعى جاهداً للسيطرة على السدود وخزانات المياه
الضخمة ذات الأهمية الاستراتيجية في حوضي الفرات ودجلة.
وكان من أهمها سد الفرات وتشرين
والبعث، لأنه وجد في ذلك منفذاً له لتعظيم نفوذه وإلحاق الضرر بمناطق أكبر دون
الحاجة إلى الاحتلال العسكري المباشر. ويبين الشكل مناطق سيطرة تنظيم الدولة حتى تاريخ 15 تموز
لعام 2016.
إن خطورة المياه للسنوات القادمة
تستدعي تحركا وطنيا مسؤولاً لاستخدام كل التكنولوجيات المتاحة لتوليد وحفظ المياه،
وتشمل، مرة ثانية وثالثة، تحلية المياه وتنقيه المياه المستعملة، والسدود والحفائر
والخزانات والآبار، وتوليد المياه من الهواء والاستمطار، وإعادة تصميم المرافق
والأنظمة والمعدات المائية وحسن الإدارة.
ما الذي يمنع أن يجرى التخطيط لمحطة
تحلية مياه استطاعة 300 مليون متر مكعب سنوياً وعلى 5 مراحل وبكلفة كلية لا تتعدى 1000
مليون دينار. ان تمويل مثل هذه المحطات ليس بالأمر الصعب، خاصة وأنها تعزز
استقلالية الأمن المائي، وتصون السياسة الأردنية من غدر وابتزازات نتنياهو،
والمؤسسة الصهيونية بكاملها، والتي بينت الأيام الماضية تلك النوايا الخبيثة التي
يضمرها الكيان الصهيوني ضد الأردن.
كشفت الأزمات، القائمة أو المحتملة،
التي تخص السدود، في كل من بوط بالسودان والنهضة بأثيوبيا ووادي المخازن بالمغرب
والرونة ومأرب باليمن والموصل بالعراق وإليسو وأتاتورك بتركيا، عن جملة من
التفاعلات في الإقليم، يأتي في مقدمتها تزايد النزوح الديموغرافي للمتضررين من
السيول، ونقص الاحتياطي المائي بسبب تراجع معدلات سقوط الأمطار على نحو يتطلب
زيادة عدد السدود، وتضرر القطاع الزراعي نتيجة غرق مدن بكاملها، واستدعاء الحكومات
المركزية والأجهزة المحلية لدور مؤسسات وهيئات المجتمع المدني في الإغاثة
الإنسانية، وفعالية الجوار الجغرافي في دعم المناطق المنكوبة من "غضب الطبيعة"،
وتعنت الموقف الأثيوبي فيما يخص مدى وتوقيت ملء سد النهضة على نحو يزيد التوتر مع
مصر، وتزايد التمدد التركي في دول الأزمات العربية على نحو ما انعكس في سياستها
لتوظيف سلاح المياه في كل من سوريا والعراق.
إن هناك مشكلات مائية وبيئية أثارتها السدود في الإقليم من زوايا مختلفة،
أبرزها إحداث خسائر بشرية ومادية مختلفة، وتضرر قطاعات متعددة وخاصة الزراعي منها،
وتزايد المخاطر الناتجة عن الانهيار المفاجئ للسدود مما يستلزم دعم قوى المجتمع
المدني ودول الجوار الجغرافي والمنظمات الإغاثية الإنسانية، والتأثيرات البيئية
التي قد تطرأ بعد بناء سد النهضة وتشغيله. كما تستخدم بعض الدول ورقة السدود
لتهديد جيرانها باللجوء إلى قطع مياه النهر المشترك،
بما يؤثر على حصص المياه القليلة إلى الدول
الأخرى، وهو ما ينطبق على السياسة التركية تجاه أكراد سوريا والعراق. أطماع
إسرائيل في مياه نهر النيل: تحاول إسرائيل
منذ قيامها الحصول على المياه من نهر النيل تحت شعارات مختلفة كشعار "الاستصلاح
والتسوية السياسية" والذي من خلاله حاولت الحصول على وعد شفوي من الرئيس
الراحل محمد أنور السادات بمنحها نسبة من مياه نهر النيل. ومازالت إسرائيل حتى
اليوم تبذل المحاولات المختلفة لإقناع مصر بفكرة تحويل نسبة 1% من مياه نهر النيل
لإرواء صحراء النقب عبر شعار "المياه مقابل السلام".
إلا أن مصر رفضت ومازالت ترفض كل
محاولات إسرائيل مبررة رفضها المعلن
باستحالة التنفيذ لحاجة مصر المتزايدة من المياه. ومع استمرار الرفض المصري، تستمر
إسرائيل بالضغط على مصر عبر تحريض الدول الأفريقية المشتركة معها في مياه نهر
النيل على إقامة المشاريع المائية والتي ستؤدي إلى تخفيض حصة مصر من المياه.
إن إصرار إثيوبيا في عدم تبادل المعلومات وعدم
التزامها بالاتفاق الملزم، يثبت لدي الكثير من المراقبين والخبراء، أن مشروع سد
النهضة بالنسبة للحكومة الإثيوبية ليس تنمويا ولكنه مشروع سياسي يستخدم سلاح
المياه لتغيير موازين اللعبة السياسية في المنطقة. وتخطط دولة إثيوبيا إلي بناء
ثلاث سدود كبري بخلاف سد النهضة إذا لم يكن هناك ردع دولي لإثيوبيا لاحترام حق
المصريين والسودانيين في الحياة فإن قوانين الرياضيات سوف تمارس فعلها، فلكل فعل
رد فعل يساويه في القوة ويضاده في الاتجاه
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق