• اخر الاخبار

    الجمعة، 28 مايو 2021

    الزبال العاشق..قصة قصيرة بقلم : حافظ الشاعر

     



    كان منهمكا فى فرز القمامة الآتية من المدينة محملة على عربات الكارو التى تجرها الحمير ..يجمع بها ما يباع من ناحية ،والمتبقى يحمله فى مقطف من الخوص فوق التلال المنتشرة فى قلب الصحراء ،ومن خلفه قطيع من الخنازير ..يمد فمه الطويل يلتقط ما يصل إليه من بقايا القمامة وبعض الفئران تركض فى الهواء ،وغرف الصفيح ،والمدخنة تنفث دخانها فى الهواء ،وتنتشر على الأرض ظللا.

    ونادى صاحب المقلب : يا حمدان ؛فنهض مسرعا واقفا أمامه وأعطاه ورقة صغيرة قائلا: هذه الورقة مرسلة إليك من خديجة فهى تنتظرك اليوم فى الحوش القديم ؛فأخذها منه حمدان بلهفة وترك المقلب مهرولا .والجمع يسأله ..إلى أين أنت ذاهب ؟! فجمع حمدان كل ما تبقى من قوة سالكا طريق الصحراء الطويل ..فلم يدر بخلده بعد هذه العقود الطويلة وبعد أن علا الشيب رأسه وانحنى ظهره – فقد ظل فى هذا المكان لمدة عقود حتى بلغ العقد السادس من عمره – وظل يحلم بلقائها طوال هذه العقود الطويلة ..استمر فى السير ولم يفكر فى شىء سوى لحظة اللقاء ..وأخذ يفكر ما لونها الآن ..هل تزوجت أم لا ..هل ما زال الحب الذى جمعنا لم يفتر بعد هذه السنوات ؟!

    أخذ يفكر فى كل هذا غير آبه بحرارة الشمس ،ولا حتى سوف يصل أم لا ..تعثرت قدماه ؛فيكبوا على الأرض ثم ينهض تدفعه قوة المقابلة .

    ودارت بمخيلته عندما كانا طفلين صغيرين يجوبان شوارع المدينة بلباسهما الرثة ..ووجهيهما المذرية التى اتشحت بغبار الزيت وغبار الأتربة ..فكان كل مساء يصعد إلى أعلى التل فيرى وميض يسبق النور ..اخذ هذا الوميض يتسع كل يوم وطوال هذه العقود ..إلا أن عينيه لم تدرك نهايته وتذكر مكان الفناء

    أين هو الآن وأين الشوارع والحواري اللاتى أفنيا صباهما فى جمع قمامتهم ..عندما كانا الاثنين يجران عربة يجمعان فيها القمامة ،ويبحثان وسط أكوامها عن بقايا طعام وفاكهة ويضعونها فى كيس من القماش ،وبعض لعب الأطفال المكسرة ليلعبان بها كل مساء ..بعد أكلهما لبقايا الطعام.

    فنشأ بينهما عاطفة الحرمان وحرارة البؤس حتى شعرا أنهما من ذلك الفصيل الملفوظ فى حياة المدينة .ولم ينس اليوم الذى أخذه فيه أبوه إلى قريته فى أقاصي الصعيد ..فظل يبكى ألما وحسرة أن مسيرته لم تكتمل .

    واستمر حمدان فى السير وقرص الشمس اقترب ناحية الغروب وأخذت الأنوار تظهر رويدا رويدا ويقترب منها أكثر حتى وصل إلى أول المدينة .

    واقترب حلمه وساعة لقائه بمحبوبته وبدأ قلبه ينبض سريعا حتى وصل أول الطريق السريع والدموع تنهمر من عينيه .

    على الجانب الآخر وقفت خديجة تنتظره والقلبان ينبضان فرحا ،وأثناء عبوره الطريق لملاقاتها صدمته شاحنة هوجاء ؛فإرتطم جسده النحيل بالأسفلت واخذ حلمه وامله إلى السماء ؛فارتمت خديجة عليه باكية وأخذته فى حضنها بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة.

     

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الزبال العاشق..قصة قصيرة بقلم : حافظ الشاعر Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top