كتب: عادل وليم
ولد ( عريان )عام 1899..ميت محسن....ميت غمرلأسرة أرستقراطية حصل على البكوية عام (١٩٥١) الذى انتقل مع أسرته من عزبتها التى نشأت بها في( ميت محسن) إلى القاهرة ليتلقى تعليمه الثانوى في المدرسة التوفيقية، قبل أن يلتحق بكلية الطب – جامعة فؤاد الأول.
عايش (عريان) بعد ذلك مظاهرات الطلبة التى خرجت هادرة بعدما قبض الإنجليز على سعد زغلول هاتفين: (تحيا مصر حرة)
جاب مع مسيرات الطلبة الحاشدة الملتهبة بنار الوطنية شارع قصر العينى قاصدة كلية التجارة العليا في شارع المبتديان بالقرب من سكة حديد حلوان، الذى أغلقته «سواري» و«بيادة» البوليس (المجندين) بأكمله في وجه الطلبة، ملوحين بالعصى الغليظة. وقعت اشتباكات أسفرت عن اقتياد ما لا يقل عن ١٥٠ طالبا بينهم «عريان» إلى قسم شرطة السيدة زينب.
كان عريان طالبا في مدرسة الطب.. رأي بعينيه كفاح المصريين ضد الإنجليز
رأي كيف يستهينون بأرواحهم في سبيل تحرير البلد من الاستعمار.. تحول المصريون جميعهم إلي أبطال.. الفدائيون كلما ألقوا بقنبلة علي وزير من وزراء الاستعمارادخلوا السعادة في قلوب الناس حتي لو لم يصب هذا الوزير.. المواطنون يرفضون أن يرشدوا عن الفدائيين رغم الاغراءات المادية.. العمليات الفدائية كانت سببا في كسر شوكة الإنجليز وأخضعتهم للتفاوض وأجبرتهم في سنة 1922 علي انهاء الحماية علي مصر وإعلانها دولة مستقلة ذات سيادة.. كانت وطنية المصريين في قمتها (وعريان يوسف سعد) يكمل عامه العشرين
اقتاد البوليس الطلاب إلي قسم السيدة زينب.. كانوا أكثر من 500 طالب.. ضاق بهم القسم ورفضوا نصائح المأمور بالانصراف ردوا عليه بالهتاف لسعد والاستقلال وسقوط الحماية.. جاء مدد من الجنود لاصطحاب الطلاب إلي مبني المحافظة.. في الطريق كانت زغاريد النساء تخترق هتاف الطلبة وكأنها أصوات ملائكة نزلت من السماء لتشارك شباب مصر في المطالبة بحق بلاده بالحرية.. في مبني المحافظة دخل 150 طالبا التقط منهم أحد الضباط 40 طالبا كان من بينهم عريان يوسف سعد ووضعوهم في التخشيبة.. ضاقت التخشيبة بهم فذهبوا بهم إلي القلعة.. ناموا في العراء فالمسجد كان معظم سقفه منزوعا.. 24 ساعة دون أكل وشرب حتي أغمي علي واحد منهم وكاد يموت.. 10 أيام اعتقال بنفس الملابس وأهالي الطلبة لا يعرفون عنهم شيئا.. فالأخبار انقطعت تماما بين القاهرة والمحافظات فقد تم قطع السكك الحديدية وكانت وسيلة الانتقال الوحيدة
و أعلن موظفو الحكومة والمحامون الاضراب.. أضرب الموظفون في ميت غمر لكن الوحيد الذي لم يضرب هو سكرتير النيابة.. هنا اتفق عريان يوسف سعد مع زميلين له علي تأليف جمعية سرية كجمعية اليد السوداء.. الجمعية التي كان هدفها اغتيال ضباط الاحتلال الإنجليزي والمتعاونين معهم من المصريين لإرهاب سكرتير النيابة وإجباره علي الانضمام إلي المصريين.. تربص الثلاثة له في الظلام وكان مع أحدهم مسدس قديم الطراز من نوع كان معروفا بـ«الجيل الأسود» وضعه في صدره وقالوا له «إننا لا نحب أن يكون أول دم يراق في ميت غمر دم مصر وهذا إنذار لك إن لم تتضامن مع زملائك قدمك علي رأسك».. انتشر خبر الواقعة وشاع في البلد أن لمنظمة «اليد السوداء» فرعا في ميت غمر.. سعي الثلاثة للاتصال بالمنظمة خوفا من أن يعرف أهالي البلد أنهم لا ينتمون إلي المنظمة وأن سلاحهم مجرد طبنجة يعلوها الصدأ فيسخرون من المنظمة ويقللون من شأنها
«لقد جاء وقتك».. قالها لنفسه ثم مضي يتدبر الأمر مع المنظمة.. قال لنفسه أيضا إنه سينفذ العملية ويسلم نفسه حتي يعلم العالم أن المعتدي ليس من المسلمين.. قال لصاحبه: أنا ميت علي كل حال إن لم أمت اليوم فأنا ميت حين تدركني الشيخوخة لكن الوطن حي لن يموت.. لا يحق لنا أن نترك الوطن يخلد في القيود لكي نحتفظ بأرواحنا إلي حين.. اتفق مع صاحبه أن يأتيه بمسدسين وقنبلتين لتنفيذ العملية واختار ميدان سليمان باشا مكانا لها وكافيه رمسيس نقطة انطلاق.. جلس في المقهي يراقب الميدان حتي حانت الساعة وجاءت سيارة رئيس الوزراء يوسف وهبه ووراءها جنديان علي موتوسيكلين من شارع قصر النيل.. وقف في وجهها.. أخذ قنبلة من جيبه ورمي بها تجاه السيارة..كان السائق يقظا استدار بالسيارة فانفجرت القنبلة بجانب العجلة الخلفية.. وأمسك بالقنبلة الثانية ورمي بها لتنفجر فوق السيارة.. أمسك الجنديان بعريان يوسف سعد وذهبوا به إلي رئيس الوزراء في مكتبه ودار حوار بينهما قتل فيه عريان يوسف سعد بكلامه رئيس الوزراء يوسف وهبه عندما قال: أنا قبطي أردت أن أغسل بدمي ودمك ما وصمت به الأقباط بقبولك تأليف الوزارة.
أمر بعدها رئيس الوزراء يو سف وهبه رجاله بأن يأخذوه من أمامه.. أخذوه وذهبوا به إلي قسم عابدين وهناك جري معه التحقيق.. اعترف عريان بما قام به وأنكر أن يكون أحد قد ساعده في العملية وأنه اشتري القنبلتين من رجل أجنبي لا يعرف ملامحه ولا اسمه.. طوال التحقيقات تمسك عريان باعترافاته وتعاطف معه الجميع النائب العام والسجان والباشسجان.. أحبوا فيه شجاعته ووطنيته.. لم يضايقوه وعملوا علي راحته حتي جاء يوم المحاكمة في يناير 1920 أمام المحكمة العسكرية البريطانية
واستطاع المحامي وبصعوبة أن يعدل اعتراف عريان من تعمد القتل إلي ارهاب رئيس الوزراء لتخفيف الحكم
انتهت المحاكمة وتم ترحيل عريان إلي السجن مرة أخري وفي طريقه التف آلاف الشباب حول السيارة يهتفون يحيا الوطن.. تحيا البطولة.. تحيا التضحية.. بعد 4 أيام صدر الحكم 10 سنوات أشغالاً شاقة لكنه لم يقضها كاملة فقد أفرج عنه بعد 4 سنوات ضمن من شملهم العفو في وزارة سعد زغلول.
بعد خروجه من السجن لم يتمكن عريان سعد من العودة إلي الجامعة لاستئناف تعليمه بسبب نشاطه السياسي وعين بمجلس الشيوخ الذي ظل يعمل به حتي الخمسينيات عندما افتتحت جامعة الدول العربية أول مكتب لمقاطعة إسرائيل في دمشق فانتقل للعمل هناك حتي سنة 1957 وعاد إلي القاهرة ثم دخل في مشروع تجاري لإنتاج الورق.
0 comments:
إرسال تعليق