العود ... لدى شاعرنا الرائع (الأمير) هو وتر لايخاطب الأسماع ، وانما هو صمت كسكتةِ الموتى يتجمع
عند دائرة الحدث الفاجع .
فمن ضحكة السكران يبتشر ُ ، الى منكسف
ٍ كما الثكلى وينكدر ُ ، يدرك شاعرنا ان محور
الحياة في شرف الكلمة وإستقامة المشاعر ، مايجعله يرى كل ذلك بأصدق َ مما نراه نحن ، ففي الوقت الذي غامت باصرتنا ولم
تعد تميز بين الألوان التي تكاد تومض من ألوان الطيف الشمسي المشرقة ، فإن شاعرنا كان
قادراً على معرفة اسرار تلك الألوان ليصقلها الى درجة اللمعان في أعيننا من خلال وتره
الفريد الذي لم يكن اداة مجادلةٍ او مجاملةٍ
وإنما هو حلم ٌ لايتعدى الدعوة الى المساواة بين ابناء قومه .
إن وتر شاعرنا ... هو العمق الذي يؤلف بين دم الحياة في شعره ، وبين فكرة الموت التي
صاغها في شهيده .
والموت هنا ممتزج بأبهى صوره ، ممتد في
صبر ٍ عند عسر ، وفي حلم ٍ عند سرَحان ، وفي مداعبة ٍ لوسنان ، وفي ضحكةِ والدٍ هي
صوت ُ شعب ٍ بأسره امام قدَرٍ مازال صداه يتردد في زوايا البيت يُبكيه .
والدمعة عند شاعرنا هي الأخرى لها معنى
أشبه بحب ٍ قلقٍ عند مواقد ِ الغجر ، اذ تتراشق هذه الدموع ٌ على الحيطان لترسم ظل
َ أشباح ٍ من الصور حين يعجز شاعرنا عن البوح
بما يمليه وجدان في أعماق وجدانه ، هناك يضطر ( الأمير ) الى رسم ِ شجرة ِ زيتونٍ نامية
ٍ عند حائط أصفر ، وصبغ ِ زجاج ٍ بألوان تغطيها ستائر ُ نافذة ٍ عتيقة ٌ ، فهو يردد
ما بأشجانه من ألحان ِ نايه ِ القصبي ليربط بين فكرة الموت والأمل ، ذلكما اللذان يتقابلان وجهاً لوجه ، ويظهران تعابير وصور
تمازجت كثيراً عند رفيق ٍ يدغدغه ، وخِلّ ثان ٍ يبكيه ، حيث نياط القلب تستعر في جوفه
حين يفتح الكوة ليرى كُسيرة الخبز تحت نور القمر .
ولأن سرايا الحشد المقدس هو الإيمان الحقيقي
في قوة الموت التي تنتصر على الحياة انتصاراً كاسحا ً ، لذلك فان شاعرنا يعلم بأن الفخر
يأتي عند نقاء الشهادة من اجل تحرير الإنسانية من قناع يقبع خلفه إيمان زائف .
إن إيقاع الدم هنا هو الشيء الوحيد الذي لنا الحاجة
فيه لتعلّم ِ سر الحياة ، فهو القادر الوحيد على معرفة الورع الذي أدارَ له الحاكم
ُ ظهرَه ، وهو القادر الوحيد على التعبير عن صوت ِ براءة ٍ في كرامة ٍ ، صوت ٍ واعٍ
، حالمٍ ، صوت ٍ يموت في مضماره كل ُ مزيف ، و يندد بدودة الفساد التي تقضم لبّ ّ الثمرةِ
الناضجة ، صوت ٍ يملأ الدمَ بالسم ّ لينغّص على المخمورين لياليَهم الحمراء ، ويقطع
فيهم يدَ الجناة ِ المتعلقة َ بسلاسل ِ الشيطان
.
قصيدة ( أنا العود ) / الشاعر لؤي عبدالأمير
أنا العودُ ... أنا الوَتَرُ
رفيقي مَنْ يُدَغدِغُني
فأضحكَ ضِحْكةَ السَّكرانِ ... أبتشرُ
ومُنْكَسِفٌ كما الثكلى وأنكَدِرُ
وأصمُتُ سكتةَ الموتى
ويأتي خِلِّيَ الثاني
ويبكي قبل أفناني
هو الوِجْدانُ في أعماقِ وِجْداني
يرى الأطفالَ أيتاماً
وفي فمهمْ بقايا خُبزِ مزبلةٍ
يُلاعبُ بعضُهم بعضاً
من الإصباحِ لِلَّيْلِ
ويرجِعُ بعضُهم للبيتِ لا أمٌّ تناغيهِ
صَداها في زوايا الْبَيْتِ يُبكيهِ
وقد كانت دموعَ العينِ تَرويهِ
على الحيطانِ أشباحٌ من الصُّوَرِ
أبوهُ الضاحِكُ البسَّامُ للقَدَرِ
شهيدٌ في سرايا الحشدِ ذو الفخْرِ
أنِ اصبرْ يا بُنيَّ اليسرُ بالعُسْرِ
فلا تَغمِسْ كُسَيرَالخبزِ بالشَّرِّ
ورابط واتركِ السَّرحانَ بالأحلامِ للدَّهرِ
أنا العودُ انا الوَتَرُ
ويأتي كلُّ وَسْنانٍ يداعِبُني
وفي جوفي نياطُ القلبِ تَستَعرُ
ولا يدري
بأنَّ الحاكمَ المَحكومَ بالطَّمَعِ
أدارَ الظَّهرَ للورَعِ
وأصغى الأذنَ للجَشَعِ
أنا العودُ أنا الوَتَرُ
خليلي الحُزنُ والسَّهَرُ
أرددُ ما بأشجاني ... بألحاني
وألعَنُ حاكماً شانِ
ينامُ الليلَ مخموراً بأحلامٍ لشيطانِ
تناجي النجمَ أجفاني
بلادُ العُربِ عنواني
0 comments:
إرسال تعليق