كان ذلك هو موضوع المحاضرة التى ألقيتها فى إحدى الندوات منذ أيام ولأهمية الموضوع ولأن الكتابة من وجهة نظرى هى التوثيق الحقيقى للإبداع الفكرى ، قررت كتابة مقال عن التحضر وهو عبارة عن تلخيص للمحاضرة ، وفى البداية لابد أن نعرف المعنى اللغوى لكلمة التحضر ، وكما ذكر فى لسان العرب فهى مأخوذة من لفظ يقصد به التواجد والحضور الدائم والإستقرار والإقامة فى المدن أو القرى وهذا خلاف للبداوة التى تركن دائما للحركة والتنقل بحسب توفر مكان الرزق ، أما عن المعنى الإصطلاحى للتحضر فقد تحدث عنه بن خلدون ويرى أن المجتمع المتحضر يقوم على الروابط الإجتماعية النفعية ، حيث يحرص على تبادل المصالح المادية وعدم التمسك بالظواهر المجتمعية التقليدية ويرى أيضا أن من أهم سمات ذلك المجتمع حرصه على الرفاهية فى حياته مثل بناء البيوت الفاخرة و شراء السلع التى تسمى مكملة فى عصرنا الحديث ، وعلى المستوى الأخلاقى يرى بن خلدون أنها تكون أقل حشمة من غيرها .
وهنا نقول أن لكل مجتمع ثوابت يحددها الشرع والعرف ولابد ونحن نسعى إلى التحضر ومواكبة العصر أن نحافظ على ثوابت المجتمع ، فهناك كثر يهلكون فى ذلك الأمر لعدم تحقيق التوازن ويفهمون التحضر على أنه إنفلات من الجذور واللهث خلف مجتمعات أخرى أكثر تقدما وليس تحضرا فتكون النتيجة تحويلهم إلى مسوخ لا هوية لهم ، ومن أهم آفات فكرة التحضر والتقدم أيضا لدى كثيرين أنها تقوم على معاداة الدين ومنهم من ينظر له على أنه رجعية وذلك ما فتح الباب أمام ظاهرة الإلحاد الذى انتشر فى الآونة الأخيرة خاصة بين أوساط الشباب ، والغريب أن الدول الأكثر تقدما وتحضرا لا تتنصل من الدين كما يظن هؤلاء أو كما يصدر لهم وأوضح الأمثلة ، الولايات المتحدة الأمريكية التى تكتب على عملتها (الدولار) عبارة دينية تقول ( نحن نؤمن بالرب) ويظهر ذلك مدى تمسكهم بفكرة الدين على عكس ما يفهم البعض من المشوشين.
وأخيرا أقول أن التحضر من وجهة نظرى هو الرقى فى التعامل وإعلاء القيم الإنسانية السامية وليس محاولة الإنفلات من الثوابت والقيم كما يظن البعض ممن يصفون أنفسهم بالمتحررين وهم فى حقيقة الأمر عبيدا لشهواتهم التى تحركهم دون إرادة منهم.
0 comments:
إرسال تعليق