من فضلك لا تتعجل في الإجابة...الموضوع مش سهل والله...أكيد كتير مننا هايقولوا طبعا الضمير والأخلاق قبل القانون...وإنما الامم الاخلاق....الخ...مش كده ولا أيه؟!
طيب ممكن نقول السؤال بصيغة تانية؟! أيهما يصنع الآخر...القانون أم الأخلاق والضمير؟!
الحقيقة بعد مزيد من الاطلاع والدراسة، وتحليل لتجارب العالم الناجحة واللي تقدموا واللي تخافوا. ..وصلت إلى أن القانون هو الذي يصنع (وبحفظ) ما نسميه بالضمير أو منظومة الأخلاق والقيم.
ناخد مثال من تاريخنا الإسلامي، ومثال معاصر من "كوكب اليابان".
الشريعة الإسلامية "قانون"...ولهذا، عندما نترجم مسمى مادة الشريعة عندنا في كليات الحقوق للغة الإنجليزية تسمى Islamic law أو القانون الإسلامي.
فرسول الله، أرسله الله بهذه الشريعة أو هذا القانون على كفار قريش...كيف كانت سلوكياتهم وقيمهم قبل الإسلام؟ وكيف أصبحت سلوكياتهم وقيمهم بعد الاسلام؟!
إذا القانون الإسلامي، القائم على الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة، هو الذي غير من منظومة القيم والأخلاق والسلوكيات. ..تحول عمر بن الخطاب (الذي وأد وقتل ابنته قبل الإسلام) من شخص غليظ القلب إلى إنسان رقيق القلب شيمته البكاء...وما أدراك ما الفاروق عمر بعد إسلامه...صح ولا أيه؟!
تحول أهل الجزيرة من أجلاف جبارين، يفعلون كل الموبقات إلى سادة أمم، في القيم والسلوك وفي تجارتهم ومعاملتهم، لأن القانون الإسلامي هو الذي رسخ وزرع هذه المنظومة الجديدة...
إذا القانون هنا (القانون الاسلامي) هو الذي زرع وصنع وخلق منظومة القيم والأخلاق وضمير المسلم...وعلى أساس هذا القانون (وتطبيقه بحزم) دانت الدنيا للإسلام وعمرت بالمسلمين.
طيب علشان نقرب الموضوع أكثر...أيهما أكثر عمقا في الحضارة...العرب أم اليابانيون؟!
الاجابة سهلة...بالطبع نحن العرب الأعرق والأقدم...
السؤال: اليابان الآن يطلقون عليها "كوكب اليابان" حيث التقدم والرفاهية والدقة المتناهية في كل شيء، وطبعا الإبداع والابتكار والاخلاص في العمل والعيش الكريم....لماذا تقدمت اليابان وتخلف العرب؟ هل سبب تقدم اليابان هو الدين أم الضمير أم الأخلاق....أم القانون الذي صنع منظومة القيم والأخلاق؟
الحقيقة..أن القانون الصارم..وتطبيق هذا القانون لفترة طويلة، والاعتياد على الانصياع له "يخلق ما نسميه بالضمير ومنظومة القيم والأخلاق".
فاليابانيون لا يؤمنوا بدين سماوي أساسا...ولكن الذي صنع منظومة القيم هناك (كالإخلاص في العمل والدقة والأمانة والنظافة....الخ) هو القانون....القانون ولا شيء غيره.
في اليابان لا يوجد دعاة ومشايخ وفقهاء يصارع بعضهم بعضا.....لا لا...هناك قانون ورجال يطبقونه بحزم على الكبير قبل الصغير...أما في بلادنا الإسلامية، نصف الشعوب دعاة، وأغلب كلامنا عن القيم والمواعظ، ولكن على أرض الواقع...حدث ولا حرج....إذا أين تكمن المشكلة؟!
نخلص من كلامنا أعلاه، إلى أن الكلام الكثير عن موت الضمير والأخلاق في المجتمع والبلطجة والفساد والغش والتدليس وعدم العدالة...الخ..كل هذا سببه غياب "دولة القانون".
عندما غاب القانون أو غيب عمدا، ولم يعد له تطبيق على الصغار والضعاف، صار هناك مبرر ومساحة للفساد والتسلق والغش، وشعور بعض الفئات بأنهم فوق القانون بل هم القانون نفسه.
ولهذا انظر حولك...تقريبا كل شيء مهلهل...الرصف مثلا يتم اليوم، وينهار في اليوم التالي...سيقول الناس غياب الضمير...لا لا..طيب لماذا مات الضمير؟ بسبب غياب القانون والرقابة والمحاسبة...قس على ذلك باقي مصائبنا...
الكل يبرر لنفسه الخطأ...هذا الذي يسير عكس الاتجاه، أو يكتب على سيارته بدلا من رقم السيارة اسم هيئة معينة...مؤكد أنه يعاني من نقص (شفاه الله) ...ولكن السبب الرئيسي في غيه، هو أنه أمن العقاب بعد أن غيب ودهس القانون....سلوكيات مرضية كهذه لايمكن أن تحدث في "كوكب اليابان".
إذا...القانون (سواء كان إسلامي أو وضعي) هو الذي يصنع أو يخلق ما نسميه بمنظومة القيم والأخلاق أو الضمير...وبالتالي خلاصنا وصلاحنا وتقدمنا في تطبيق القانون بكل حسم وحزم...نعاقب المقصر ونكافيء المجد...
بمرور الوقت ومع الالتزام بالقانون سيتشكل الوعي ومنظومة قيم واخلاق، ومن يخرج عليها سيستهجنه المجتمع نفسه...سيكون غريب وشاذ...وهذا هو ما حدث في كوكب اليابان وفي غيره من الكواكب كماليزيا وسنغافورة وطبعا المانيا....الخ.
هناك درس مهم أخر وضروري...وهو أنه لتطبيق القانون، سواء كان سماوي أو وضعي؛ لابد من ملهم أو قدوة أو مثل أعلى...سواء كان نبي مرسل، أو نموذج لديه حلم وقدرة على تحقيق الحلم...مثل الميجي صانع حضارة اليابان، ولي كينج صانع نهضة سنغافورة، ومحاتير محمد صانع نهضة ماليزيا، وبينج الذي أسس لنهضة التنين الصيني...كل هؤلاء كانوا ملهمين...بالقانون والحزم مع الحلم غيروا من أوطانهم...وخلقوا ما نسميه منظومة الأخلاق والسلوك.
اذا...بالقانون والقدوة والنموذج، سيستقيم الميزان وستعود مصر وشعبها إلى سابق مجدها وعزها، وسنرى انسان مصري يجسد الأخلاق في سلوكه وإنتاجه ومعاملاته...إنه القانون ودولة القانون التي نحلم بها وان شاء الله تتحقق بأيدي الشرفاء والعاشقين لترابها...حفظ الله مصر.
*كاتب المقال
عميد كلية الحقوق بالمنصورة
محافظ الشرقية الأسبق
0 comments:
إرسال تعليق