أتدرون ما هي أسباب تقدم من تقدم من الدول، وتخلف من تخلف منها؟!...الأسباب كثيرة جدا...ولكن يأتي على رأسها سيادة أو غياب دولة القانون...والشفافية هي التي تجسد وتضمن جود وسيادة دولة القانون.
دولة القانون، تعني المحاسبة والمسائلة للجميع ودون أدنى استثناء. فالجميع أمام القانون سواء، ولا أحد فوق القانون (انته عارف انته بتكلم مين...فاكرين؟!). ليس هناك كبير يدهس القانون بقدميه، وصغير يصطلي ويكتوي بناره...!!
ولكن حتى تكون هناك محاسبة وتطبيق للقانون لابد من الشفافية transparency....والشفافية تعني الوضوح، وضوح المسؤوليات والبيانات والمعلومات، بحيث يكون المسؤول معرى ومكشوف تماما...فلا يكون هناك باب للتلاعب أو لدهس القانون.
في أوروبا، وفي الدول التي حققت التقدم، هناك شفافية مطلقة في كل شيء...المسؤول معروف للجميع مصادر دخله وأوجه إنفاقه...المال العام ليس مستباحا...او كما نقول بالبلدي "قتة محلولة"
واضرب هنا مثال عام 1999، خلال وجودي في البعثة ببريطانيا، قامت الدنيا ولم تقعد لأن رئيس الوزراء (توني بلير) وأسرته سافروا على الخطوط البريطانية لقضاء إجازة الويك اند (أي نهاية الأسبوع أي الجمعة والسبت) ولم يدفعوا تذاكر الطيران؟!
هذه إجازة خاصة وفسحة، فلماذا تتحمل خزانة الدولة تكلفتها؟! والتزم رئيس وزراء بريطانيا العظمي ودفع واعتذر للشعب البريطاني....إنها دولة القانون والشفافية.
أما في الدول المتخلفة والمنكوبة، لا أحد يعرف ماذا ينفق وكيف ينفق وماهي أبواب الإنفاق...وإذا ما تحدث مواطن في أمر كهذا، فهو خائن وعميل...هل تخوننا...دي مش عزبة يا سيد؟!
كما اقول دائما: وكما أن للتخلف أسباب...فإن للتقدم أيضا أسباب...والمقدمات الصحيحة تقود إلى نتائج صحيحة...والعكس.
قضية مثارة حاليا على المستوى الوطني، وهي قضية التبرعات للمؤسسات الطبية...جدل كبير وصخب شديد...واتهامات يتم توزيعها هنا وهناك...والسبب فيما نحن فيه هو "غياب الشفافية"....مفيش وضوح.
نحن لانشكك في أحد...ولا نملك هذا...بل نحن ندعم استمرار تبرع الناس لتلك الكيانات...ولكن قطعا...عندما تغيب الشفافية...يفتح الباب على مصراعيه للقيل والقال..ولا تلومن أحدا...بل حاسب نفسك.
فغياب الشفافية - حتما وكما تعلمنا - يفتح بابا للفساد...عندما تغيب الشفافية (وبالتالي المحاسبة) يأمن الفاسد العقاب...الأمور زي الفل في الظلام...لن يحاسبه أحد...وبالتالي يغرق في الفساد وفي إهدار المال العام...ياريت حد يصححني!!
لقد من الله علينا بنعمة التكنولوجيا، استخدمها الآخرون في البناء والرقي، واستخدمناها نحن في الرغي والوجاهة والمنظرة...لما لا نستخدم التقنية لتعزيز الشفافية.
مستشفى 57 مثلا...والذي اتمنى له التقدم...لما لا يضع ساعة كالساعة السكانية بحيث تعرض لحظة بلحظة التبرعات، وتعرض على موقعها بوضوح أبواب صرف تلك المبالغ...عندها ستهدأ النفوس وسيتواصل العطاء.
ما يقال بالنسبة لمستشفى 57 يقال بالنسبة لباقي مؤسسات الدولة دون استثناء (باستثناء المؤسسة العسكرية بالطبع، لأننا لايمكن أن نكشف لعدونا اشترينا كام دبابة وكام صاروخ!!) هناك طرق أخرى لمتابعة تلك المؤسسات الحساسة وهي معروفة...أما باقي مؤسسات الدولة من أعلاها إلى أدناها، لابد وأن تدار وينفق عليها بشفافية تامة.
خلاصة القول...لا تحدثني عن دولة قانون في ظل الظلام وغياب الشفافية، فلا نعرف أموالنا كيف تنفق وعلى ماذا تنفق.
حتى بالنسبة للتعيينات والاستبعاد من أي وظيفة، لابد من أن يعلن - وعلى موقع الجهة المعنية - لماذا عين فلان ولماذا استبعد علان...لا سرية في هذه الأمور هي الباب الخلفي للمحسوبية والمحاباة والتمييز البغيض....حد عنده رأي تاني؟!
هل الشفافية ممكن تطبيقها في مصر؟! قطعا... نعم...وبالأمر...وشبابنا متسلح وجاهز.
تلتزم كل جهة ومؤسسة خلال فترة زمنية معينة - كما فعلنا في قناة السويس - بتطبيق قواعد الحوكمة والشفافية، ومن يتخلف عن الركب او عن الموعد يروح يقعد في بيته...شكرا...كتر خير أهله.
أعلم علم اليقين أن إمبراطوريات الفساد (والمنتفعين ومن لا يعيشون إلا في الظلام) التي تتغلغل في كافة مؤسساتنا، ستكون المعارض والرافض الأول للشفافية. ..
فالشفافية تعني شيء واحد وهو "نهاية طيور الظلام وسارقي الوطن"...علينا أن ندرك هذا ونستعد له...بالضرب بيد من حديد مهما كلفنا...عندها سيعلم الذين ظلموا هذا الوطن أي منقلب سينقلبون...دمتم بألف خير.
0 comments:
إرسال تعليق