كما "هدهد" النبى "سليمان" ، الذى عاد إليه بنبأ "بلقيس" وقومها فى مملكة "سبأ" القديمة ، عاد "هدهد العصر" إلى "حزب الله" فى لبنان ، وهو يحمل معه صورا صافية مفصلة عالية الدقة لكل شئ فى ميناء "حيفا" "الإسرائيلى" ، وأصدر الإعلام الحربى للحزب مشاهد الحلقة الأولى من مسلسل "الهدهد" ، والإشارة "الهدهدية" هنا منصرفة إلى طائرة مسيرة من صنع إيرانى ، تحمل اسم "الهدهد 3" ، طارت عبر 27 كيلومترا من حدود "لبنان" الجنوبية ، والتقطت صورا من فوق "كريات شمونة" و"نهاريا" و"صفد كرمينيل" و"العفولة" و"كريوت" وصولا إلى "حيفا" على شاطئ البحر المتوسط ، وفى الإصدار "الفيديوى" الأول ، بدت "إسرائيل" عارية تحت نور الشمس ، وانكشفت الأسرار كلها فى شريط "هذا ما رجع به الهدهد" ، من مصافى البترول وحاويات المواد الكيماوية فى محيط ميناء "حيفا" ، إضافة للقواعد العسكرية ومنظومات الدفاع الجوى و"القبة الحديدية" ومنصة "مقلاع داود" وشبكات الرادار ومصانع الأسلحة والصواريخ والسفن والغواصات ، ومصانع ومخازن شركة "رافائيل" للصناعة العسكرية ، كذا حقول تجارب تصنع وتجمع فيها مكونات أنظمة الدفاع الجوى ، وكل المراكز التجارية والسكنية ومنشآت مطار "حيفا" ومهبط الطائرات فيه ، وكذلك فى منطقة "كريوت" المجاورة ، التى يعيش فيها أكثر من 200 ألف "إسرائيلى" ، يضافون لأكثر من نصف مليون يهودى "إسرائيلى" فى "حيفا" وضواحيها الأقرب .
وربما لا تكون من قيمة
كبيرة ولا صغيرة لادعاءات المهونين والمستهينين بقدرات "حزب الله" ، من
نوع ادعاء أن صور "حيفا" يمكن الحصول عليها عبر تطبيق "جوجل
إيرث" ، فلم يسبق لأحد أن حصل على مثل هذه الصور الحساسة ، فوق ما هو معروف
من تواطؤ بديهى لتطبيقات "جوجل" وأخواتها مع كيان الاحتلال
"الإسرائيلى" ، وحجبها الكامل لمنشآت "إسرائيل" الأكثر أهمية
، ثم أن الصور التى حصلت عليها طائرة "الهدهد" ، وعادت بها بأمان إلى
قواعدها السرية فى "لبنان" ، ليست الوحيدة الفريدة من نوعها عند الحزب ،
ويوجد لدى "حزب الله" ما هو أكثر وأخطر ، ربما تكون أجرت مسحا كاملا لكل
حجر وبشر فى فلسطين المحتلة ، ربما وصولا إلى المفاعلات النووية فى
"ديمونا" وغيرها ، فطائرة "الهدهد" يصل مداها إلى سبعين
كيلومترا ، بينما يملك الحزب طائرات مسيرة ذكية أخرى استطلاعية وقتالية ، بينها "مرصاد"
التى يبلغ مداها بحسب أجيالها مابين 50 و 150 كيلومترا ، ومسيرة "أيوب"
التى يصل مداها إلى ما بين 1700 و 2400 كيلومترا ، و"أبابيل"
و"حسان" ، التى يزيد مداها على 150 كيلومترا ، فوق عدد رهيب بمئات
الآلاف من القذائف والصواريخ دقيقة التوجيه ، بعضها من صناعة إيرانية ، وأخرى من
الصناعة والتطوير الذاتى لحزب الله ، وبناء على تقديرات "مركز الدراسات
الدولية والاستراتيجية" الأمريكى ، فإن "حزب الله" هو "الجهة
غير الحكومية الأكثر تسليحا فى العالم" ، وبحسب تقرير حديث لمجلة "فورين
بوليسى" الأمريكية ، يحصل حزب الله على أسلحته من إيران وسوريا وروسيا ،
وتنقل "فورين بوليسى" عن "مايكل أورين" سفير إسرائيل السابق
فى واشنطن ، أن "حزب الله" يشكل تهديدا استراتيجيا لدولة إسرائيل"
، ويضيف "أورين" أنه "قرأ تقديرات مروعة لما يمكن أن يفعله حزب
الله بإسرائيل خلال ثلاثة أيام ، نتحدث هنا عن تدمير بنيتنا التحتية الأساسية
ومصافى البترول والقواعد الجوية وموقع ديمونا النووى" ، وفى تقديرات عسكرية
"إسرائيلية" ، فإن بوسع "حزب الله" إطلاق 2500 صاروخ وطائرة
مسيرة يوميا فى أيام الحرب الأولى إذا نشبت ، بعدها قد يهبط المعدل اليومى إلى
الألف صاروخ ، وفى المعارك المحكومة بأسقف الاشتباك عبر التسعة شهور الماضية ، بدا
أن صواريخ "حزب الله" ـ مثل بركان" وغيره ـ تصيب أهدافها بدقة ،
فيما لم تستطع "القبة الحديدية الإسرائيلية" رصد ولا اعتراض طائرات
الحزب المسيرة الانقضاضية ، إما لأنها صغيرة وتطير لأهدافها على ارتفاع منخفض جدا
، أو لأنها بلا بصمة حرارية ولا صوتية ، على طريقة طائرات "الهدهد" ،
وفى جولة "الهدهد" الأخيرة ، لم يستطع الدفاع الجوى
"الإسرائيلى" التصدى لها أو حتى معرفة وجودها من أصله ، ووصفت القصة
بأنها "حادثة خطيرة جدا" ، بينما استطاع الدفاع الجوى لحزب الله إسقاط
أغلى طائرات العدو المسيرة وأعقدها تكنولوجيا ، على طريقة ما جرى لطائرات
"هيرميس" بأجيالها المتتالية ، وبينها إسقاط ثلاث طائرات "هيرميس
900" الأحدث جيلا ، وهو ما يعنى ببساطة ، أن "حزب الله" يتقدم فى
صراع التجسس والاستطلاع الجوى التكنولوجى ، وأن بوسعه تسديد ضربات موجعة ، استنادا
إلى بنك أهداف هائل الحجم والتنوع داخل كيان العدو ، وبرغم أن الصدام بالنار بين
"حزب الله" و"إسرائيل" يجرى حتى الآن على مساحة اشتباك محسوبة
ومحدودة النطاق نسبيا ، وأغلبها من جهة العدو فارغة السكان والمستوطنين ، بعد
اضطرارهم للنزوح والابتعاد هربا من خطر "حزب الله" ، بالرغم من ذلك
الوضع المرئى ، فقد طالت صواريخ ومسيرات حزب الله مواقع وقواعد
"إسرائيلية" عسكرية حساسة فى "ميرون" وغيرها ، ثم أنها أثارت
فزع "الإسرائيليين" بآثارها التدميرية الكبيرة ، وبحسب تقديرات "الإسرائيليين"
، فقد دمر "حزب الله" ما يزيد على الألف منشأة وبيت فى شمال
"إسرائيل" ، وأحرق ما تزيد مساحته على ثمانين ألف "دونم" فى
الشمال الإسرائيلى و"الجولان" المحتل ، وهو ما يضع كيان الاحتلال
"الإسرائيلى" فى مأزق غير مسبوق ، لا تجدى معه عمليات اغتيال لجنود
وقادة عسكريين من "حزب الله" ، فاغتيال القادة لا يطفئ جذوة المقاومة ،
بل يزيدها اشتعالا ، وينمى حس الاستشهاد وطلب شرفه عند المقاومين والجمهور ، ولم
يحدث أبدا ، أن أخفى "حزب الله" اسم قائد أو مقاتل أو مدنى جرى اغتياله
"إسرائيليا" ، وقد بلغ عددهم مئات ، أقام لهم "حزب الله"
جنازات حاشدة طافت قراهم الجنوبية وفى "بيروت" ، وهو ما يضاعف غيظ
العدوالذى يتخفى بخسائره البشرية ، ويدفع قادته إلى رفع وتيرة التهديدات بحرب دمار
واسعة شاملة على لبنان ، يتجنب "حزب الله" المبادرة إليها ، وإن أعلن
مرارا عزمه على دخولها إذا بادر إليها العدو ، وهو ما ينذر بسيناريو كابوسى فى
"إسرائيل" ، التى قد تملك فرصا لتدمير همجى فى لبنان ، لكنها لا تملك
فرصا لتجنب دمار أخطر فى "إسرائيل" ، وهو ما دفع كاتبا صهيونيا يهوديا
فى مكانة "توماس فريدمان" إلى تحذير إسرائيل من دمار وجودها ، فى مقال
أخير بصحيفة "نيويورك تايمز" ، وطالب الرئيس الأمريكى "جو
بايدن" بتكثيف الضغط على حكومة "بنيامين نتنياهو" وصحبه المجرمين ،
ودفعهم إلى الوقف الكامل للحرب على "غزة" ، والخروج منها والاكتفاء
بعودة المحتجزين "الإسرائيليين" فى المقابل ، وترك "غزة" لحكم
قادة "حماس" ، وهذه هى الطريقة الوحيدة برأى "فريدمان" لإنقاذ
"إسرائيل" ، ولإقناع "حزب الله" بوقف النار والحرائق على جبهة
الشمال "الإسرائيلى" .
وقد تستمع
"إسرائيل" لنصائح محبيها أو تصم الآذان ، وهى تعرف النتائج فى كل حال ،
وتبدو حكومتها مندفعة إلى خطر لم تتحسب له ، تماما كما جرى بعد هجوم السابع من
أكتوبر المزلزل ، واندفاعها الأعمى وانزلاقها إلى متاهات "غزة" والغرق
فى رمالها ، والعجز عن تحقيق أى هدف عسكرى لحرب الإبادة ضد المدنيين الأبرياء
العزل ، واذلال جيش الاحتلال على أيدى المقاومين فى "حماس" وأخواتها ،
وهم فى جملتهم أقل قوة بمراحل من قوة "حزب الله" ، الذى سبق لمقاتليه
المحترفين أن حاربوا الجيش "الإسرائيلى" فى حرب 2006 ، وحرموه من تحقيق
أى هدف لحملته العسكرية وقتها ، ثم زادت قوة "حزب الله" أضعافا بعد حرب
2006 ، وصار الرقم الأصعب على جبهة "إسرائيل" الشمالية والشرقية ، وزاد
عدد قواته إلى نحو المئة والخمسين ألفا ، واكتسب خبرات قتالية متطورة فى حروب
سوريا ، وصار يجمع بين تكوين الجيوش النظامية وجماعات حروب العصابات ، ودخلت إلى
ترسانته الحربية أنواع جديدة من الأسلحة ، قليلها معلوم وأكثرها مخفى ، فوق قدرات
استطلاع وتحديث علمى ، ونخبة قوات عالية المهارات وشبكات خنادق وأنفاق فائقة
الغموض والتجهيزات ، كلها تنتظر أى غزو "إسرائيلى" جديد لجنوب لبنان ،
ربما ترد عليه بتوغل برى عاصف فى شمال فلسطين المحتلة ، وقد لا تتضرر قوات
"حزب الله" كثيرا من توغل إسرائيلى مقابل حتى حدود نهر
"الليطانى" ، ولدى قواته مرونة سحرية فى حروب الفر والكر ، ومقدرة مثبتة
على إهلاك الدبابات والمدرعات
"الإسرائيلية" ، وإيقاع أعداد مهولة من القوات "الإسرائيلية"
فى فخاخ القتل ، فحزب الله ـ رغم أى خلاف ـ هو مؤسس المقاومة العربية المعاصرة من
نوع مختلف ، التى طورت ملامحها بدءا بثقافة الاستشهاد ، ثم طورت التكنولوجيا
المتحدية لتفوق العدو التكنولوجى ، وعلى نحو ما شهدناه ونشهده فى حرب
"غزة" ، وما قد نشهده أكثر وضوحا وفعالية ، إن خاطر العدو ، وقرر غزو
لبنان مجددا .
Kandel2002@hotmail.com
0 comments:
إرسال تعليق