أتعبني البحث،بين بطون الكتب العتيقة،
والمخطوطات
المستلة من الرقم الطينية المعلنة من أوروك وما تلاها من أزمنة ودهور حكت عن كل ماصادفها في
دورب حيواتها التي ما هانت وما ضعفت يوماً،أزمنة
حية
ماتركت فعلاً واشارة مهمة الا ودونتها بكل دقة وصدق، التأريخ السومري عفيف صادق
سخي، خال من الاكاذيب والاوهام،لايكترث لغير الافعال التي تكونت أمام العيون ورضيت
العقول على إشهارها، رأيت هوامش غريبة أثارت دهشتي وفضولي
ورمت
بيَّ الى وسط براكين من حمم الاستغراب والحيرة، كلما توغلت عميقاً محموماً في غابات الاسئلة السخية القسوة،
طالعتني مئات الممرات المهجورة المليئة بالمخيف من وحوش الاسئلة الشبيهة بتنانين
تطلق حبالاً عائمة من مخاوف الاجابات التي
لامعاني محددة لها،غابات أوروك ساحرة الافعال والقيم لاتجيد
سوى
صناعة الاسئلة المنطلقة بين الارجاء
مثل
حمائم بيض لاتقف عند أبواب المعابد
المهملة المعنية بتراتيل يضنونها مقدسة
لايلتفت
اليها سوى السراق والباحثين عن تقرب لعروش اللالهة الخاوية التي لاتعرف الا حياكة
المؤمرات الساعية لايقاف أوروك عن
تقدمها الكاشف عن مكون الوجود وأسراره
العظمى
المخفية في صناديق الحكمة والمعارف/ أوروك
سؤال لايتحمل أجابات الاحتمال/ لا تقرأ الأسئلة العقيمة/أتركها تنتج أسئلة حية بعد
موتها/ السؤال ولادة أكتشاف/ لايحق للالهة شطب السؤال أو الاعتراض/ أوروك بكلها
تسأل/ وبكلها تفعل من أجل تمجيد أزمنتها/ أوروك رأت كل شيء
فانشدت
الحناجر وغنت ابتهالات ابديتها/
الدخول
بارتياح الى عمق أوروك،يعطي النفس دون أن يدري سعادة غامرة، مدينة
خالية
من الحمق والرعونة،بعيدة عن الاستكانة والاستسلام،تمشي بيسر لايخلو
من
الهيبة والرضا، منحتني الأسئلة فرصة أن أقف مغموراً بالفرح عند أهم بوابات أوروك خمارة سيدوري، شحنة العواطف
المانحة للمدينة القها ،كل أزقة وشوارع أوروك توصل الى الانتشاء والرفعة،حانة سيدوري القوية القرب
من بوابات المعابد الموصدة على اسرارها المقيتة،بوابة الحانةنقوش مأخوذة بدقة من
رسومات توضح تواريخ حكايات عاشتها المدينة، حتى صارت مقدسة غير قابلة للمحو،الباب
العالي المقام مشرع على مصراعية،لا أحد يقول لاحد،لا ..ولايرفض له طلباً ولايجوز
الرد عليه
بعنجهية
قاسية، اللوحة المستقرة وراء مجلس الساقيات تشير الى أن( حانات أوروك ملك مرتاديها
،جاءوا ليعيشوا سعاداتهم فلايحق لأحدٍتدمير
تلك السعادات) رجل ضخم الجثة حليق الشعر بملابس فضفاضة خالية من البهرجة ،
يحتسي الجعة على مهل وهو يتأمل الجلاس
بعينين مضيئتين ما طالهما الخدر بعد، وهما لا تكفان عن الابتهاج،يتحرك
حركات ملكية واضحة الدقة،كلما أقتربت منه صاحبة الحانة ملبية طلباته،وقف
مودياًالتحاياً حانياً رأسه حتى يلتصق بمصب ثدييها المرتجتين مثل عنقودي عنب ناضجين،تعالت الضحكات حين أخذ الرجل
الضخم صاحبة الحانة بين يديه مقبلاً جبينهاالمضيء مثل قمر والتي أشرق وجهها
بابتسامة أشاعت الدفء بين جميع الجلاس الذين أشعلت الخمرة رؤوسهم فراحوا يناقشون
الصعب من الاسئلة بهدوء راق لايوصل الى الملل أبداً،عالم خالص التقديس مبني على
أعمدة من الافكار ،مكسوة جدرانه بوجوه إناث ينثرن الزهور دون توقف، بصوت متراخ
شديد
التأثير،رفع الضخم دورق جعته منادياً
/لا
أريد لعشقي أوروك أن تستيقظ من ثمالات عذوبتها..عميقاً..عميقا ندخل بيت (نينكاسي) الربة التي لايجيد سواها الفرح/
السيدة
الفارعة الطول بملابسها المأخوذة من كل
الالوان،سحبت كرسياً من الابنوس بحركة متأنية خالية من المبالغة لتجلس أمام الرجل
الضخم،والذي تلاشت هيبته أمام حضورها الواضح الطغيان، بصمت تبادلا الانخاب،فضجت
القاعة بالتصفيق والهتافات المبجلة للحياة ونشوتها،/ الرقيم المخروم الذي اتابع من
خلاله العالم النقي الخالي من المكر
،منحني قدرات النبش عبر سؤال ظل لزمن لاصق بين تلافيف حنجرتي،التي أحست بعطش مباغت
متمنية لو انها حصلت على كأس من ذاك الخمر الاوروكي الذي تصنعه السيدة سيدوري
باشرافها،المانح للود والالفة والسرور،أصابتني خيبة السؤال بخمول أوقفني حائراً لا
اعرف مالذي افعل
وكيف،لم
أعتد من قبل مثل هذه العوالم
الواضحة
التقديس ،لهذا منحت خيبتي فرصة أن تظل مراقبة دون التفكير بالانتماء).
باعتداد
واضح وضع الضخم يدية على صدره
منادياً
بصوت رخيم خال من الضعف والتردد/ ما كانت اوروك لتبقى لولا تلك السيدة التي شيدت
حانة مجدها/سيدروي
سليلة
زراع الرز وصناع القيثارات وعاصري النبيذ الذين لولاهم لأصاب أوروك العمى ولبقيت
أراضٍ جدباء تسكنها الوحوش وهوام الارض/سيدوري أول رشفة حب ذاقها فؤادي أحبها حتى
وأن أخفت علي حقيقة ما حدث/.ضجت القاعة بالتصفيق،وتعالت الزغاريد الاوروكية الاقرب
الى سقسة العصافير المراقبة مايحدث مرفرفة بأجنحتها المسترخية ،إضيئت دروب الدنيا لتقدم فروض الطاعة والاحترام للسيدة التي
لولاها ما كان لاوروك وجود وعظمة،دون سيدروي وما فعلت بالرجل الضخم الذي روضته
بعناد شيطاني، لكانت المدينة غابة مليئة بالمخاوف ولمات الملك كمداً وحسرة،الملك
ماكان ليبني لولاالسيدة التي جاءت له بحيلة شديدة الدهاء، بصديق مخلص صار له أخاً
ناصراً، لم يشأ الرجل الضخم المليء بالانتشاء،مقاطعة ارتياحها الظاهر مثل بدر
،أستدعى فتوته التائهة وسط الغابات متأملاً أجنحته المطاردة للايائل والغزلان
،عالم لايود مفارقته لهذا ظل محمولاً في أعماقه يستدعيه ساعة يشعر بأن مطر المتاعب بدء ينهمر فوق رأسه
اللذيذ الخدر،قال— ما كنت لأكون لولاها،منسي خافت الذكر لايعرف من يكون،،الاناث
السر الاعظم في معرفة كوامن النفوس،،علمتني الدرس وفتحت أمامي دروباً ما كنت اعرف
كيفية ولوجها.
مثل ماء
نهر انزاحت روحه الجلية الفهم لترتمي بين يديها الناحلتين العارفتين بمكامن اثارته
التي لايقدر على مبارحتها،
همست
مداعبة اعماقه المائرة بلجج من الاسئلة القاحلة الاجابات—ليتك تنسى ما كنت عليه..سيدوري
علمتك الرجولة وحكمتها فاحتفظ بما تعلمت!!
— الايام
العتيقة لاتريد مغادرتي!!
— عجزك
يفضح ولائك لاوروك التي غنت بذكرك ممجدة افعالك،،مالذي منحتك غابات الهيام غير
وحدة شرسة ولهاث لاينتهي مع وحوش لاتعرف عنك سوى دلالات توحشك،، أطالبك بالابقاء
على إنسانك؟!!/ ويل نفسي ..ما كنت أدري أن صاحبي وخلي يتركني أواجه آفة الموت مجرداً
من كل سلاح يمكن أن أدافع به عن نفسي.. صاحبي أبقاني نائماً وراح يهيم باكياً في الفيافي والقفار لايعرف مالذي يفعل،،
أشد
مايمكن أن يواجه ملكاً مثل صاحبي إحساسه بالعجز،ملك يمسك بقرون عجزه يغدو جثة
هامده،،وأنتِ سيدوري صاحبة الحضن الذي علمني الدفء وزرع في أعماقي نزوة الاشتهاء
القول الذي ماسمعت غيرة وماعرفت ،تخليتي عني لاقف وحدي متأملاً الفعل الرهيب
،تمنيت لو أني قاتلت كل وحوش الإرض دون أن أقف مخذولاً أمام وحش الموت،،لافائدةمن
وجودي هناك مادامت أحاسيسي تعلمني بالموت كلما أمسكت بلحظة فرح/.الرقيم المثلوم
الحواف المليء بالوجوه المحاطة بالتمائم والرموز تأملته بدقة، سحب مني قلق الفتور،
مانحاً جسدي المتثاقل ومضات نشاط أمهلني برهة وقت لأرقب الرجل الضخم الذي نهض
متثاقلاً لاعناً بصوت مقهور الالهة التي تعلن تراتيل القبح والرذيلة، ود لو أن
صاحبه أخذ بنصيحته بتحطيم ملاذات الكهنة ومعابدهم
الكهنة الغرباء الذين سرقوا من أحضانه بعد رحلته المضنية الطويلة عشبة
الخلود، تاركين خطواته تتعثر خيباتها عند أسوار أوروك /السؤال أمامك لمِ أهملته
ومضيت تبحث وسط فراغ عن ديمومة حياة، غرورك الاعمى قادك الى حيث الاشيء،،سيدروي
علمتني مع أول رشفة نبيذ، أن السعي وراء الوهم لغو!!
علمتني
أن أوروك فعل أبدي لاخاتمة له،،فلم هجرت أفعالك؟!!
الحانة
العائمة فوق بحر من الثمالة المستبشرة
بالود،أصيبت فجأة داء الصمت ما أن أشار الرجل الضخم الذي تعثرت خطواته قبل أن يصل
الى الباب فتلاقفته
الأيادي
بحنو جعل صاحبة الحانة تندفع صوبه مفرفحة
مثل طير ذبيح ليرتمي بين أحضانها باسترخاء أثار شجونها فانهمرت في بكاء مر
لفت رواد الحانة اليها، يتهاوى الرجل الذي لم يعد ضخماً ببطء لاعناً الموت الذي
يلاحقه أينما حلت خطاه،دار بعينيه الوجلتين باحثاً بهدوء عن الوجه الذي يود رؤيته
قبل رحلته القادمة الى المجهول، لكنه أصطدم بجدران من الوجوه التي تلوح له
مودعة،،بغير ما رغبة بالرحيل ركب عربته الملكية التي تقودها خيول هرمة ومضى.
(سيدوري
وحدها العارفة بسر الرحيل،
وحدها
التي أخفت الحقيقة التي أجادت صناعتها بدقة ومهارة،،ماكان أنكيدو سوى
ولد ماغادر
طفولته وهو يرتمي كل يوم بين
أحضانها
باكياً.
،(هذه
أخر الاشارات التي وجدتها في الرقيم الذي اختفى نصفه تاركاً العقول تتخيل مالذي
صنعته خيبات المدينة في قلب أنكيدو).
0 comments:
إرسال تعليق