• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 1 أغسطس 2023

    { قراءةٌ في المجموعة القصصيّة " لن يموتَ الياسمين " للكاتبة سعاد محمد الناصر } ..بقلم/ أ.د. أحلام الحسن

     

     


     في رحلةٍ جذبت أفكاري المثقلة المتعبة كلها معها، وفي قطار الكاتبة سعاد محمد الناصر حملت كل متاعي أقلامي ، دفاتري ، مشاعري ، فهذه كلّ أمتعتي الخفيفة الحمل ، الثقيلة الوقع، وفي جولاتي في أزقة مجموعة " لن يموت الياسمين القصصية " أحسست بأن هذه العنونة لم تأتي من فراغ ، وتأكدت من هذا الإحساس الذي راودني منذ رؤيتي للعنوان ، ولم يكن مستغربًا فأنا أمام كاتبةٍ وشاعرةٍ قديرةٍ من الدرجة اﻷولى ذات خيالٍ خصبٍ وبنظرةٍ واقعيةٍ حضاريةٍ في معالجة قضايا المجتمع والإنسان والوطن، نعم لقد كانت العنونة ذات تأويلٍ يحمل في طياته

    آلآم الوطن الجريح، آلآم تخلّي الأخوة والأشقاء عنه في أحلك الأزمنة والأوقات التي مرت على بلاد الرافدين،نعم لم تبقى غير الجراح النازفة تضمّد بعضها بعضًا وبكفّ ٍ تقطر دمًا تمسح دمًا !

    وتحمل معها الأمل الساطع، الذي سيحدد المسار ويتضح الطريق بعد العتمة القاتلة، نعم فكلّ ما لذلك الوطن سواعد أغلبها عجفاء وبرغم قسوة الحياة استطاعت أن تنتصر بعد فتوى المرجعية بالجهاد الكفائي وبجنود جيش العراق الباسل نعم لن يموت الياسمين .

    وعلى صفحات أحلى كذبة استوقفتني عبارات الكاتبة :

    ( في لحظة تراه يغير مبادئه، أصدقاءه، عواطفه صريح لحد يجرح الآخرين بصراحته، لديه فلسفة خاصة بحياته، يستهجن كل ما حوله، هو الصح والآخرون هم الخطأ، يريد أن يصلح العالم كله. أحب بطريقته الخاصة أحب ندى وهي لا زالت في المرحلة الإعدادية )

    يا لفداحة هذا الحب المغمور في عشق ذاته ، وفي نرجسيته الصاخبة ، حبٌّ يأخذ ولا يعطي ، يعشق كلمات الوله والذوبان في شخصه لا غير، ودون أن يعطي بعضًا منه ! لا يضع للمشاعر حسابًا ،مسكينة تلك التي أحبته وببراعةٍ تصوّر الكاتبة ذلك ( لديه فلسفةٌ خاصةٌ يستهجن كلّ من حوله )

    نعم فعملية تهجين المعاني والمشاعر والآراء وفق فلسفةٍ عبثيةٍ تحوّل كل الحقائق إلى حروفٍ مقطعةٍ مبتورة الآخر تفقد معها كل معاني اللغة، وهكذا هي النفوس المريضة المماطلة المتلاعبة بالألفاظ المطاطة .

     وبنظرةٍ في زوايا قصة أحلام ضالّة شدّتني هذه الفقرة لما تحمله من إسلوبٍ قصصيٍ جميلٍ استطاعت به الكتابة لفت انتباه المتلقي، قشعريرة بردٍ ناعمة وهواء عبقٌ برائحة الزهور ، وحبيب فارس أحلام تأمل محبوبته العيش الرغيد معه، وبدندنةٍ شعريةٍ يهدي محبوبته أعطر الكلمات ، أترك المجال للمتلقي ليستمتع بها كما استمتعتُ بها :

    ( في صباحٍ مُفعمٍ بالحياة ويوم كانوني فيه قشعريرة برد استنشقُ الهواء بتلذذ وللمكان عبقٌ سحري خاص في قلبي ونفسي وكأنها روضة مصغّرة للحياة بتباين ما حوت وارتباط وجود محتوياتها مع بعض إنه المكان الذي أجد فيه نفسي )

    تكللت قصتنا بالزواج عشنا لحظات سعيدة اختلسناها من القدر فقد أدمنتُ حبها ولكثرة ما قرأتُ من الشعر لا أقول أنى أصبحتُ شاعرًا ولكن أدندنُ ببعض الكلمات لحبيبتي.

    أدمنتكِ

    أدمنتُ رسمكِ على قلبي

    أطيلُ التحديقَ في عينيكِ

    وأتوغلُ في أعماقكِ

    التي تسكنني

    وأبحرُ في تضاريسكِ

    التي تُشَكلُّ

    قصةَ إدماني

    حبكِ علَّمَني

    ففلسفة الحرف

    تُسحرني نظراتكِ!

    فأجولُ في تقاطيعِ وجهكِ

    التي تُخفي سراً

    = أدمنت رسمكِ على قلبي

    أطيل التحديق في عينيكِ

    وأتوغل في أعماقكِ

     التي تسكنني

    إنّ لمثل هذه الكلمات الصادقة وقعٌ في قلب الأنثى لن تستطيع نسيانها، إسلوبٌ عذبٌ لدى الكاتبة مزجت فيه القصة بالشعر مع الإلتزام بالفكرة المحورية، وخلق عملية إشباعٍ لها بالأفكار الجانبية التي تزيدها تدفقًا ،

    وكله يحسب للكاتبة لما لها من قدرة شعريةٍ استغلتها لإضافة جمالياتٍ على مجموعاتها القصصية، حيث أكدت فيها على ما تتمتع به من ذكاءٍ وبديهةٍ تشعرها برغبة القارئ ، وقد حققت الهدف المنشود في نجاح مجموعتها القصصية هذه، ولا أستبعد أنّ هذا هو ديدن الكاتبة في بقية مجموعاتها القصصية.

    لن يموت الياسمين

    عنوانٌ عريضٌ للمجموعة، وعنوانٌ اختارته الكاتبة للقصة الخاتمة وكأنها تقصد بأن يكون هو الواجهة وهو الخاتمة لآخر قصص المجموعة ! فما هو السرّ في هذا الاختيار الذي جعلتنا بدءًا نعود !؟

    بدأت الكاتبة قصتها الأخيرة بهذا النّصّ الذي تخايل متراقصًا على ألوان قوس قزح المتباينة في درجات ألوانها المبهرة للعيان :

    ( آلت الشمس الى الغروب وأحمّر وجه السماء وبرقٌ متواصلٌ وزوابعُ رعديّة وسيارة تتبعها سربٌ من السيارات في موكبٍ مهيب ورجل يمسك التابوت بعناية وحرص والدموع نزلت في أودية وجنتيه على كنزٍ فقدهُ وكأن نوراً يسطعُ من الجسد المسجّى روحٌ مكللةٌ بالمجد، مكللةٌ بالغار روحٌ تسمو لبارئها.

    أربعة رجالٍ ظهروا لنا كالكلاب السائبة التي تخرج من أكوام القمامة من عفونة التأريخ لتكشر عن أنيابها الوحشية يقودهم منهج بربري وأيادٍ ماهرة تروضهم

    بأنهم سيصلون الى الجنة أيادٍ مسخت عقولهم، وفي المقابل مقاتلون أشداء تمرسوا على قنصهم من بعيد بمهارة يقودهم حسين آمر الفصيل بجسده المدجج بالغضب والسلاح تدفعه عقيدته الى حماية المرقدين العسكريين لا يهاب رصاص العدو ولطالما أذهل الجميع بقوته وبسالته.

    كنت أتمنى أن أبقى وحدي في ساحات القتال وأحميك وأكون بديلاً عنك وتبقى مع أمك وأبعد عنك شبح الموت لقد حصلنا عليك بشق الأنفس ، تذكّر يا حسين حين قصصتُ عليك مشهد ولادتك كنت أول قطاف زهرة شباب والدتك رعتك بكلّ ما عانته  من سنوات الجدب والحرمان في قلبها حنانٌ ولهفةٌ لم ترزق سواك ليس لأنها عاقر لا سمح الله وإنما وضعت الكثير حتى ضاع عليها احصاؤهم كانت اجهاضات متعددة أنهكتها لم يكن ذنبها إنها مشيئة الله ، يحترق قلبي لتلك الذكريات من الطفولة كنت وليداً مباركاً أتذكر ضحكاتك المميزة التي كانت تضفي علينا السرور والفرح .)

    من خلال النّصّ أعلاه تتلاشى غيوم التعجب من تكرار الكاتبة للعنوان ، نعم إنها المحنة التي مر بها العراق العظيم ، ( أربعة رجالٍ كالكلاب السائبة وكما وصفتهم الكاتبة يقودهم منهجٌ بربريٌ وأيادٍ ماهرةٌ تروضهم )، يقابلهم مقاتلون آثروا الآخرة على الدنيا، ولن يرضوا بضياع العراق العظيم، مهما كلفهم ذلك من تضحياتٍ ،

    ( يقودهم حسين آمر الفصيل بجسده المدجج بالغضب والسلاح تدفعه عقيدته الى حماية المرقدين العسكريين )

    نعم هنالك مهمةٌ أخرى وواجبٌ شرعيٌّ يحتم عليهم حماية الدين والعقيدة من تلك الهمجية الملغمة بألغام الحقد والمسيّرة بإمرة عبّاد المال والدنيا والفتنة ، وإن تمزقت أواصل الأمة الإسلامية .

    لقد حملت الكاتبة مهمة الواجب العقائدي والوطني والإنساني عبر كتاباتها ومؤلفاتها المعبّرة عن كل ذلك ، وأدّت الرسالة اﻷدبية بكلّ تفانٍ وإخلاص فغاصت في عمق القضايا الوطنية والإنسانية بكلّ مهارةٍ وجدارة، تستحق عليها التقدير والاعتزاز بما قدمه قلمها الباذخ للإنسان وللأدب العربي .

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: { قراءةٌ في المجموعة القصصيّة " لن يموتَ الياسمين " للكاتبة سعاد محمد الناصر } ..بقلم/ أ.د. أحلام الحسن Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top