الكاتبة الجزائرية الموهوبة ملاك حساين ذات الخامسة عشر ربيعًا، التي حصلت مؤخرًا على جائزة أدبية مهمة، نظمتها جمعية إبداع الثقافية في جمهورية مصر العربية، وشارك فيها متسابقون من مختلف الدول العربية، هي كاتبة واعدة، وواضح من النصوص التي قرأتها لها أنها كاتبة ذات ثقافة عالية، مهتمة بتطوير ذاتها، تشارك في دورات متخصصة في الكتابة الإبداعية، ولها مستقبل زاهر بإذن الله تعالى.
إحدى قصصها الفائزة هي بعنوان (الغول اللطيف).
كيف يكون الغول لطيفًا؟!
أبدعت الكاتبة في اختراع عنوان يحوي عنصر (المفارقة)! فنحن تعودنا من صغرنا أن الغول هو كائن مخيف، وأمام هذه الصورة التي رسمتها لنا القصص القديمة، نجد أن عنوان هذه القصة يوحي بالعكس، وهو ما يشكّل (صدمة) للقارئ من البداية، وحافزًا له لمواصلة القراءة.
القصة حول فتى اسمه (روبرت)، قررت أسرته الانتقال من المدينة إلى القرية، حيث يقطن الجد والجدة، وهناك تعرّف على أصدقاء جدد ليلعب معهم وليكتشف المكان الجديد.
(عقدة) القصة بدأت عندما لاحظ البطل أثر أقدام على الأرض، والغريب أن إحدى القدمين كانت صغيرة والأخرى كبيرة، فلمن تكون هذه الآثار؟! قال أحد الأصدقاء أن هناك أسطورة تقول أن أثر القدمين بهذه المواصفات هو لغول يعيش في أحد الكهوف الموجودة في الجبل الكبير، وهنا يقوم الأصدقاء برحلة بحث مثيرة، إلى أن يجدوا الغول، والغريب أنّ الغول لم يكن مخيفًا كما تخيلوه، بل كان لطيفًا، وسألوه عن أثر قدميه في الحي، فقال أنه أتى لكي يرى الزائر الجديد للقرية وهو بطل القصة روبرت. وانتهت القصة بعودة الأولاد فرحين إلى بيوتهم.
ملاحظاتي على القصة هي:
1. أتصور أن بيئة القصة هي بيئة بلد الكاتبة وهي الجزائر، وأنا كقارئ أود أن أتعرف على هذا البلد العربي الكبير، ولو من خلال وصف بيئة القرية هناك بجملة أو جملتين، أو وصف الأزياء أو الأطعمة، أو أي من الأمور الثقافية التي تشكل خلفية للقصة.
أضف إلى أن اسم البطل (روبرت) لا ينتمي – كما أعتقد- إلى هذه البيئة.
2. فكرة الولد الذي يترك المدينة ويذهب إلى القرية أو العكس، والتعرف إلى أصدقاء جدد، هي قصص متكررة، ويوجد منها الكثير، لذلك افتقدت القصة عنصر (الأصالة) وهي أن تكون الفكرة لم يسبقك إليها أحد، وهي موهبة تتطلب الكثير من القراءة والكثير المِران.
3. عنصر الخيال كان لافتًا جدًا، واستخدامه جعل القصة مليئة بالتشويق، فالغول الذي يتحدث مع الأولاد هو عنصر جميل يظل في الذاكرة لمدة طويلة لطرافته وغرابته.
4. اللغة التي كُتبت بها القصة لغة راقية جدًا وجميلة، وهو ينم عن ثقافة وتمكن لغوي لدى الكاتبة، وواضح أنها ليست مستجدة على كتابة الأدب، وإنما لها تجربة في هذا المجال.
5. الكاتبة استطاعت أن تجعلني أتعاطف مع شخصيات القصة، من الأولاد إلى الغول اللطيف. هذه القدرة على إثارة مشاعر القرّاء، والقدرة على إدخالهم في جو القصة هو أمر رائع.
6. كتابة القصة تحتاج إلى الاختصار بشكل كبير و(التكثيف)، وكثير من الجمل كان بالإمكان حذفها من دون تغيير المعنى، وهناك تفاصيل كان بالإمكان عدم ذكرها من دون أن تُغير الكثير في القصة، مثلًا أن يسأل البطلُ أمّه هل يستطيع الخروج فتأذن له.. يمكن الاكتفاء بالقول أنه خرج وكفى، أو الانتقال مباشرة إلى المشهد الخارجي.
7. فكرة أثر الأقدام على الأرض وكون واحدة كبيرة والأخرى صغيرة، هي فكرة رائعة وتصلح ك(عقدة) للقصة ويظل القارئ متشوق لمعرفة الحل.
8. ذكر حلوى (الخيزران) جميل ويعرّفنا كقراء على المأكولات الشعبية، لكن كوننا لا نعرف شيئًا عن هذه الحلوى، فإن وصفها بشكل مختصر ولو بجملة واحدة، مثل ذكر شكلها ولونها ومكونها الرئيسي، يضيف الكثير للقصة.
9. ظهور مسألة (الغول) وطريقة البحث عنه أمر مشوق جدًا، لكن تمّ حل هذه العقدة بشكل بسيط وغير مشوّق. العقدة أحيانًا تكون رائعة لكن حلّها يكون سهلًا ويفقد الموقف زخمه.
10. شخصية الغول لافتة جدًا، لكن حبذا لو تمّ وصف شكله بشكل يمكن تصوره، حجمه، أنفه أذنه، فمه، هذا التصوير كان بإمكانه أن يجعلنا نتصوره على هيئة نشعر فعلًا أنه لطيف.
11. كون الغول لطيفًا، هي فكرة رائعة لكن لم يتم توضيحها لإقناع القارئ، فما هو السبب الذي جعل الغول لطيفًا؟ هل هو موقف تعرض له أم أن بعض الغيلان فعلًا لطفاء، أم ماذا؟ خصوصًا أن هذه الفكرة يقوم عليها العنوان.
12. النهاية كانت سعيدة، لكنها لم تكن (مفاجئة)، وهذا العنصر غاية في الأهمية لأي نهاية ناجحة.
أخيرًا، الكاتبة لديها أهم شيء وهو القلم الجميل، واللغة الرائعة، والخيال الجانح، وبقي عليها توظيف الأدوات الفنية بشكل أكبر.
أتمنى لها التوفيق وأن نراها كاتبة كبيرة.
0 comments:
إرسال تعليق