يضطر كثير منّا للسكوت اذا واجه حديثاّ تملأه التفاهات والفراغات المتوالية كأنها عقارب السّاعة حين تعود لمكانها بعد دورةٍ كاملة ، او اذا انعدمت الجدوى من الرد على تلك الاحاديث بشيء مقنع حتماً ؛ فالسكوت هو المفضل .
هناك اسئلة بحاجة لإجابة ، أو يجب الاجابة عنها لكنها تبقى تنتظر ، و غالباً تجد السكوت ، أو يقال للسائل : لمَ سألت عنها ؟
الآباء والمعلمون هم اكثر من يتعرض لأسئلة شتى بحكم الواقع وطبيعة المجتمع ، ولاحقاً رجال الدين ورجال السياسة ؛ كونهم قدوة للبعض ، وقادة لآخرين ، ولهم آراء مسموعة ومحترمة طالما صنعت رأياً عاماً بين الشعب وحرّكت العواطف والمشاعر ، وأحياناً تسببت في اسالة الدماء من أجل قضية ؛ سواء كانت تلك القضية باطلة ام صالحة ، وكاذبة ام صادقة إلاّ أنها في النهاية صنعت حراكاً لم يكن لولاها .
ومع ذلك نجد تلك القيادات والزعامات تؤثِر الصمت والسكوت الطويل ازاء مواقف حساسة وخطرة وغاية في الأهمية بالنسبة للوطن والمواطن . يصف الناس ذلك الصمت احياناً بالخذلان ، وأحياناً اخرى بالخيانة والانانية وانعدام كل المبادئ والقيم والاخلاق .
ورغم عدم اعتراف البعض بالقيم الاخلاقية ، ويعدّونها أحد ادوات الذل في الصراع من اجل مقومات حياتية كريمة ؛ لكن ذلك لا يتجاوز الوهم ، والوهن ، والتضليل في سبيل دحر قيم متعارف عليها ، وتعاملات يومية نبيلة هي جوهر الاخلاق .
فتحية الصباح ، والنظر باحترام لبقية البشر ، وعدم الغش في التعامل المادي والانساني ؛ هذه بعض من صفاتٍ اخلاقية لازمة وملازمة لمن يسعى لنشر المحبة والسلام والعدل ، ضمن اقصر درب يسلكه الانسان السليم كونه أحد صنّاع الحياة وبناتها .
وانبل قيم الاخلاق هو عدم السكوت على الظلم وانصاف كل من يسعى لمعرفة الحقيقة بأية طريقة ووسيلة تحفظ كرامة البشر كونه مخلوق فوق جمادات الطبيعة ، وأعلى بكل شيء من كل المخلوقات الاخرى . الانسان باحث محب للمعرفة ، ومن يجد في نفسه القدرة لإضاءة الدروب والبصائر ؛ فعليه يقع الوزر الأكبر مهما تكلّف بذلك ، ومهما عانى ما عانى لأنه يسلك طريق المصلحين وعمال الخير وسعاة السعادة .
من التاريخ تعلمنا ان الانبياء والرسل والصالحين – لمن اعتقد بذلك وآمن – لم يبخلوا على اقوامهم بشيء من نور المعرفة ، واساس دعواتهم كانت اصلاحية نورانية لنشر الحقيقة ، لم يعرفوا السكوت ابداً ، ولا للصمت التجأوا امام الحق ، وحليفهم كان الانتصار وإنْ بعد حين .
حتى فلاسفة الحياة بعمومهم كانت فلسفتهم معبرة عن روح تحمل السعادة وتسعى للعدل ، وإن طال اجل الفهم وادراك معاني تلك اللغة لكنها انتصرت بنشر الحقيقة ، ولنقل بغلق صفحة ظلامية من صفحات التاريخ والحياة .
السؤال المهم جداً هو : لماذا هناك من يتعمد الصمت ولا يبالي ، وهناك من يفرح حين يعم الصمت وكأنه سكون تام ؟
هنا الاجابة متروكة للجميع ما عدا اشارة واحدة نقف عندها ، وهي تساؤل آخر يتضمن ايضاحاً مجزوءً وهو :
هل مازال البعض متيقناً أنً الجهل هو الغالب ، وأن الحقائق تتمتع بالغموض ، وتتوارى خلف ظِلال الضَّلالة ؟
البعض صنع من الصمت تياراً متلاطم من الخديعة ، انطلق يجرجر الكائن البسيط – الانسان المغلوب على أمره ، وفقط مسموح له أن ينطق بكلمة واحدة من ثلاثة حروف : نعم !
شعارٌ كبير كان هناك : نفّذ ثمَّ ناقش ، وتبعه شعار آخر : نفّذ ولا تناقش ، وتطور أخيراً ليكون التنفيذ قبل أن يعلم به من يُنفذ .. وربما صَنَعت مافيات الخوف شعارات أخرى لم تصل إشعاراتها للأجهزة المتطورة عبر الأثير والموجات الكهرو- إستغفالية !
صَمَتَ دهراً ، ونطقَ كفراً شعار يتردد بين الفينة والفينة ، وهناك من يتّبع الكفر بكل حذافيره .. ولكن لماذا يُتّبع الكفر ويكون هو رأس المال في تجارة مجهولة المصير ؟ هل تغيّر فنُّ الكلام وحواره ، وأصبح خواراً تغلفه فلسفة تدّعي أنها سيدة العالم ؟
فلا صمتُ الحكماء ينفع ، ولا سكوتُ الخائفين ، وبين الافكار و اختلافها ، ودورانها في الرؤوس هناك قدرة تتجاوز مديات الامس واليوم وغداً ..
0 comments:
إرسال تعليق