أعزائي القراء؛ إذا كنتم على قيد الحياة فأحدثكم عن حالة انهيار كبيرة ليسـت في وسط صناعة
أو تجارة ما أو حتى مشروع ما، وإنما انهيار المواطن المصري نفسه. كـلـمــا عانى شعبنا ومات هذا المواطن من أعباء الحياة الكبيرة كلما تأكدنا من فشل الحكومات والأنظمة السياسية.
في ظِلِّ نفوسٍ بائسةٍ، وضحكاتٍ تُخفي وراءها عمق الأنين، وأنــاس يسيــرون على أقدام الخوف والوجل، وفي ظل نظام يجني على شعبه، وبرلمان أسكَرَه النظام خوفًا وطمعًا، وحكومة لا تفكر سوى في زلزلة المواطنين ليلا ونهارا، وفي ظــل فـسـاد يطــول وفشل في الإدارة واضحٍ كوضوح الشمس، وصمت ألمَّ بكلِّ صفوةِ بلادنا، فالسـيـاسـيـون يـنافقـون، والإعلاميون يصفقون ويرقصون على أوجاع الشعب، والفنانون إلا ما رحم ربي يتاجرون بنا، في ظــل كـل هـذا وأكثر لا أجـدُ إلا مُستقـبلا غامض الملامح، ليس له من وجه في جبين الزمن.
لم تعد لنا رؤية في هذا الوطن البائس، تبًّا لهذا النظام الذي لا يشعر بالناس! ولا بظروف معيشتهم! إنَّ الحياةَ في مصر أصبحت بين طبقتين: طبقة لا تعاني مهما اختفى الدعــم عنها، وطـبـقة أخرى تزيد معاناتُها وتموت كلما رُفِعَ الدعمُ عنها..
لم أجد أسْرَعَ تطبيقًا من قراراتِ رَفعِ الدعمِ عن المواطنين في مصر، فكلنا نعلمُ "أنَّ يوم الحـكـومة بسنة" كما يقال عندنا، ولكنَّ قرارات رفع الدعم وَعَدَ بها الرئيس وفي المقابل قال: إننا سننعم بحياة ليس لها مثيل في غضون شهور، وبالفعل وَفَّى بوعده في نصفه الأول فقط في إزالةِ الدعم، ومـعـه إزالة كل أسباب الراحة، هذا إن كان الشعب مرتاحا من الأصل في وجود الدعم، إنَّ غالبيةَ الشعبِ يعاني ويموت جوعا وفقرا وقلةَ حيلةٍ، ولا يـفـكــر النظام إلا بِرَفْعِ الدعم، وليس لهم من حجة سوى أنَّهم لا يستطيعون الإنفاق على المؤسسات العريضة في البلد!!
والله إنه تعليلٌ للفشل في الإدارة والرغبة في إذلالنا، مَن قال إنَّ مصر ليس بها من الموارد ما يكفي العالم دخلا، ولكنَّنا نحن الجهلاء! لستُ خبيرًا بهذا الشأنِ وربَّما أكون أحدَ هـؤلاء الـجـهـلاء، ولـكـن ما أعلمه هو أنَّ مَنْ يحكم بلادنا لا بُدَّ أنْ يكونَ على قَدْرِ المسئوليةِ، لا بدَّ أنْ يُحدِثَ نوعًا منَ التوازنِ، ماذا فعل هذا الرئيس في مقابل رفعه الدعم؟! لم يفعل شيئا سوى الـوعــود والتلمـيـحـات بأشياء لا تُحدث أي توازن، وفي النهاية يموت المواطن المصري!!
إنَّ حكومات العالم تنظرُ إلى شعوبها بنَوعٍ من الإجــلالِ والـتـعـظـيـمِ، وقدر من الحب، والمسئولية والضمير. أما في بلادنا فلا يُنْظَرُ إلينا إلا بنوع من الاستهانة، والذل والحقد، وعدم المسئولية، وكالعادة بنظرية المؤامرة!!
لقد أصبحنا في ورطةٍ ليس لها مثيل؛ فـنحن لا نـسـتطـيع تحمُّـلَ أعـباء ثورة ثانية على هذا النظام الفاشل، ولا نستطيع أنْ يكونَ بيننا مَنْ يُصحِّح أخطاءه، فالكل صامتٌ وحسب، فماذا نفعل للخروج من هذه الأزمة؟!
وفي ظل هذا الصمت اللعين نجد بعضا ممَّن نحـسـبـهـم عـلماء لنا يُبـررون أفعالَ الهمجيةِ والفشل بكلام يُقلل مِن قدرهم لدينا، أتمـنى أن يلـتـزموا الصمت، فـمـنـذ متى ونحن نجد العلماء الحقيقيين الذين يجاهرون بما يرضي ضمائرهم أمام الله؟! لقد ماتوا جميعا ولم يبق الآن إلا الصامـتـون المـتغـافلون أو المصفقون للباطل وهم كُثر!!
أليس ما نحن فيه قمة الاستهانة بالشعب؟! عندما تأتي الحـكـومة وتضع خطة لـرفــع الدعم، وهكذا تسير الأمور دائما، تجد الإعلام كـلـه يتحدث عن تهالُكٍ في وزارة ما، وعــن أنَّ الدعمَ كبيرٌ ولا يحقق العدالة، ولا يصل لمستحقيه ولا يستطيعون أن ينفقوا منه على متطلـبـات هذه الوزارة وفي اليوم التالي تجد جميع مؤسسات الإعلام تكرر الكلام، وتحاول تبرير الموقف، وأن هذه الوزارة أو المؤسسة بحاجة إلى الكثير من الأموال لتنهض، وبالتالي لا بد من رفع الدعم، وتظل هذه النغمة تتراقصُ حتى ترنَّ في أذنِ الشعبِ ويغني بها هو الآخر، ويظل كعادته رافعًا صوته بالدعاء عليهم، أو تجده ســاخـرًا منهـم أو ساخطا غاضبا.. ثم تأتي المـفـاجأة دائما في اختيار التوقيت فقط! فـبعدما عـانى الـناس من زيـادات يوم الخميس حيث إنَّ كلَّ قرارات الزيادةِ السابقة كانت تأتي يوم الخميس، أصـبحنا نخشى من الأعياد الآن لأنهم يضيعون فرحة العيد بالقرارات الصادمة!
إنَّ هذا النظامَ العاجــزَ بَالَغَ في استهانته بشعـب مصر لدرجةٍ لا تُوصف، حتى تـصـريـحـات وزير البترول الغريبة خير دليل على ذلك؛ فإنَّك تشعر من كلامه أنَّهُ نادمٌ أشد الندم على أنَّ الحكومات السابقة لم تفعل تلك اللعبةَ مع الشعبِ وترفع عنه الدعم!
يا مَنْ تُحبُّون تطبيقَ العدالةِ الاجتماعية كما تدَّعون، ليس إلغاء الـدعـم نـوعًا بأيِّ شكلٍ مِنَ الأشكالِ مِنْ أنواعِ تطبيقِ العدالةِ، وكان مِن المفترض التفكير في كيفـيـة تـوصـيـل الدعم لمستحقيه، وليس إلغاء الدعم تماما، هذا إنْ كان لديكم نية من الأصل في الإصلاح الاقتصادي، فالذي نعـيـشه الآن هو الإفساد الاقتصادي والاجتماعي والطبقي، هو الـذل الاقتصادي بهـؤلاء الناس البسطاء الذين يعانون ولا يشعر بهم رئيس ولا وزير ولا أحد المشهورين!! فكـيـف يشعـرون بنا وهم لا يعانون ما نعانيه؟! هل خــرجَ أحدهم يوما ما ليستقل المواصلات في طريق مزدحم يكاد يصلي ركعتين شكرا لله على أنَّه وجد مكانا بسيارة مزدحمة؟! هل تأتي عليهم أوقـات يـشـعـرون بالضيق؛ لأنـهـم لا يستطيعون تـوفـيـر ما تحتاجه منازلهم من أساسيات؟! هل صُدِمَ أحـدهـم يوما عندما علم أنَّ ثمنَ علاجِ عزيزٍ له لن يستطيع توفيره؟! أو أنَّ بقاءه في مستشفى وتوفير رعاية كاملة يحتاج ثمنًا باهظًا فوق طاقته؟!
إنَّ مفهوم الدولة يتضاءل في مصر ويـكـاد يختفـي ليظهـر مفهوم جديد يطلُّ برأسِهِ علينا.. فبعد أنْ كانت الحكومة ترعى مصالح الناس لأنَّ هذه مسئوليتها، وبعـد أن كـانت تخجل عـندما تُقصِّرُ في تقديم الخدمة بل ويحاسبها الـشـعـب.. أصـبحـت الآن تقـدم الخدمات مقابل الضرائب التي لا حصر لها على المواطنين.. والله أصبحنا لا نستطيع حـصـر ضرائبكم الفاشلة على مـرتـبـاتـنـا التي لا تـزيد كما تزيد مرتباتكم، ولا على المأكولات والمنتجات بكل أشكالها وألوانها، وعلى الكهرباء والغاز والمياه والعلاج وكروت الشحن وغير ذلك مما لا يحصر بالفعل..
أصبحتم تتنفَّـسـون من الضرائب، ونحن نكـاد أن نختنق هذا إنْ لم نكن قد أصبحنا في عِداد الموتى بالفعل.. فتبًّا لكم ولنظامكم الفاشل وكل سياستكم التي لا ترقى لمفهوم أية دولة محترمة تشرف أبناءها!!
** أحبُّ الاستماع إلى آرائكم قرائي الأعزاء على البريد الإلكتروني الخاص بي
وعلى صفحتي على الفيس بوك بنفس العنوان :
a_ha3im@yahoo.com
0 comments:
إرسال تعليق