• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 4 يونيو 2024

    الضحية و الجلاّد ..قراءة في رواية 'امرأة عند نقطة الصفر ' ..للكاتبة نوال السعداوي للكاتبة الجزائرية / خديجة مسروق

     

     


    عُرفت نوال السعداوي بكتاباتها المناهضة لثقافة المجتمع الذكوري, في نظرته للمرأة ومعاملته لها , التي تراها معاملة تتصف بالفوقية و التعالي ,  في علاقة  الرجل للمرأة .

    تمثل نوال السعداوي نموذجا من النساء اللواتي عانين من القهر الاجتماعي في طفولتهن , كما تذكر  في كتاباتها .

    أثر ذلك على حياتها, فتوشحت كتاباتها عن المجتمع الشرقي بوشاح سوداوي , تتهم فيها الرجل باحتكاره للمركزية  .  يسلب المرأة حقوقها و يمارس  عليها سلطته  , حتى تظل هامشا , لا تنازعه في المطالبة بمكانها داخل المركز .

     تقول  نوال السعداوي , بأن المرأة ليست ملاكا طاهرا , و ليست شيطانا ماكرا ,أو لغزا غامضا .المرأة إنسان كامل الأهلية مثل الرجل , و يحق لها أن تكون مسؤولة عن حريتها .   رواية امرأة عند نقطة الصفر , تصور فيها السعداوي المجتمع الذكوري المريض بعقدة التملك .  تراه يجعل من المرأة أداة طيّعة في يد الرجل, يحرمها من  أبسط حقوقها .

       العنوان يلخص درجة الاحباط التي وصلت إليها بطلة الرواية , لما لقيته من اضطهاد داخل مجتمعها .

    القصة التي تضمنتها الرواية   واقعية  ,سمعتها الكاتبة  من إحدى السجينات خلال فترة عملها  , كطبيبة نفسية  بأحد السجون المصرية  في سبعينيات القرن العشرين. محكوم  عليها بالإعدام .

     أضفت  السعداوي على القصة كثيرا  من مخيلتها , التي تعالقت مع واقعها الذي عاشته , و الذي عرفت فيه مختلف صور القمع و العنف و التهميش , وهذا ما كانت تصرح  به في كثير من المناسبات  .

    فردوس بطلة الرواية , قبل أن يصدر حكم الإعدام عليها , أعدمها المجتمع منذ كانت طفلة صغيرة . فردوس  ضحية مجتمع ذكوري . جعلها  كتلة من الأحقاد ' كنت أبصق على ورق الجريدة  . من يراني أبصق على الوجه يظن أنني أعرف الوجه بالذات , لكن لم أكن أعرفه ' ص  19

     تعرضت فردوس للاغتصاب و هي طفلة صغيرة  , من طرف  عديد من الذكور ,عمها  و ابن الجيران  و غيرهما . تحكي عن مجتمعها الذي يتحدث عن الشرف و هو فاقد للشرف .تحكي  عن تجربة الختان التي  أُخضعت لها .  تركت تلك الحوادث في نفسها شرخا عميقا.

    بعد موت والديها يأخذها عمها معه إلى القاهرة .يلحقها بالتعليم , و تتحصل فيما بعد على شهادة الثانوية .

    كانت زوجة عمها الشيخ الأزهري, ترفض إقامتها معهم في البيت . أرغمها عمها على الزواج من قريب زوجته الستيني العليل . أذاقها كل أنواع القهر .كان بخيلا أنانيا , يضربها ضربا مبرحا و يحرمها من الأكل .

    لم تجد غير الشارع ملاذا تهرب إليه . ظنا منها أنه الملاذ الآمن .لكنها تصطدم بذئاب و ثعالب و كلاب ووحوش بشرية  ضارية ,أشد شراشة من الذين عرفتهم . وجدت الشارع  على اتساعه لا يختلف عن العالم المحدود الذي كانت تعيش فيه   .

    أي انتقام يراودها ؟ , فيطفيء النار التي تشتعل بداخلها '  و لأن كل رجل عرفته ,أردت أن أرفع يدي في الهواء عاليا  , ثم أهوي بها على وجهه '  ص 18. كان أبوها في الشتاء  ينام في غرفة دافئة  , و يتركها تنام في الصقيع ,كان يأكل حتى يشبع , و يترك لها الفتات . كان حين تموت إحدى بناته يأكل عشاءه و ينام , و حين يموت الولد يضرب أمها كثيرا , ثم ينام بعد أن يتعشى .

    فردوس لم تذق طعم  عطف الأب و لا حنان الأم .لم  تنس مافعله عمها حين استباح حرمتها وتعدى على شرفها .و القهر الذي تلقته من زوجها لا يبرح مخيلتها , حين كان ينام على السرير و يتركها تنام على الأرض, وكان يعنفها حين تطلب الأكل .يأكل هو   و يتركها جائعة .

    اشتغلت فردوس مومسا ,يأتيها الذكور من مختلف الطبقات الاجتماعية , الحاكم و الوزير و الأمير و الصحفي . المثقف و الجاهل  لا فرق بينهما حين يكونان بين أحضان فردوس المومس .يمارسون الرذيلة بالليل, و بالنهار يلتحفون لحاف التقوى و الشرف و الوطنية .

    لما أرادت فردوس تلبية نداء القلب , اكتشفت أن الحبّ أكبر كذبة يتبناها الرجال للضحك على أذقان النساء . عرفت أن النساء  كلهن مخدوعات باسم الحبّ .

    تعرفت على ابراهيم  , زميلها الموظف الذي كان يدافع عن الفقيرات و المحرومات , اللواتي ظلمهن المجتمع .

    قررت أن تكون شريفة ,عملت باحدى الشركات  سكرتيرة . أحبت ابراهيم الذي أشعرها أنه يبادلها نفس المشاعر, لكنها اكتشفت أنه لا يختلف عن بقية الذكور ' رأيت الناس يهرولون في الشوارع إلى كذبهم و نفاقهم , ولمحت الصحف مرفوعة في الأكشاك بالعناوين الكاذبة و أعلام الزيف ' ص 69

    فردوس تقول بما تراه حقيقة صادقة , الإجرام يحتاج إلى ذكور .  الجميع  مجرمون , بما فيهم  الأب و الأعمام و الأخوال ,و الأزواج و القوادون , المحامون و الأطباء , والصحفيون  و الموظفون و جميع االرجال من جميع المهن .  أدركت أن الرجل لا يعترف بقيمة المرأة , إذا لم تحدد قيمتها بنفسها .

     تحت لذة الشعور بالانفصال عن الكون والتحرر من التبعية , تستمع لصوت  احتجاح  بداخلها , يدعوها أن تحدث شيئا ما ,أن تغير واقعها . فردوس تقتل آخر رجل يعترض طريق حريتها . اختارت الموت على أن  تظل رهينة المجتمع الذكوري الظالم  .

    امرأة عند نقطة الصفررواية  نقدية . .

     توجه  فيها  السعداوي   نقدها للمجتمع العربي , و للرجل الشرقي , و  للمؤسسة الدينية , التي مثلها الإمام الأزهري عمّ  فردوس .  الذي كان يرتدي  عباءة الدين . لكن القول شيء و الفعل شيء آخر . ظلم ابنه أخيه , و استغلها يتزويجها لشيخ هرم , وأخذ مهرها ليسدد ديونه .

      تصور   الضرر الذي  يلحق بالمرأة بسبب العادات و التقاليد . فالمجتمع مسيّج بمجموعة من التقاليد , تدفع بالأسر إلى تزويج بناتهن في سن مبكرة , و لا يهم من يكون الزوج .و لايهم رأي البنت . المهم التخلص منها .

     تنتقد  سلبية المرأة  , برضوخها للرجل و امتثالها لسلطته , حين تقول فردوس ' لم تكن أمي  في الشتاء تدفئني , كانت تدفئ أبي , و بالصيف أراها جالسة عند قدميه و في يدها بوز تغسل , ساقيه بالماء البارد ' ص 22. و كأنها   تتهم المرأة بأنها هي التي صنعت المجتمع الذكوري .

     تجعل   المرأة هي الحلقة الضعيفة في المجتمع الذكوري , المغلوب على أمرها , يمارس الرجل قوته وجبروته عليها . ويظهر رفضها بوضوح الخضوع لأية مؤسسة ,أو أي نوع من الانتماء .

    أعطت  السعداوي صورة سلبية عن الرجل في المجتمع الشرقي .جعلت المثقف و الجاهل, و الملتزم و العلماني في درجة واحدة . فهم  جميعا بالنسبة لها ذكور و ليسوا رجالا .

     شخصت  في روايتها امرأة عند نقطة الصفر , الواقع الاجتماعي من منظورها الخاص ,انطلاقا من معطيات ذاتية , بدت فيها ناقمة عن المجتمع.

     تناولت ظاهرة  العنف ضد المرأة , و تعرضها لمختلف أنواع الظلم , كالضرب و الاعتداء الجنسي . صورت المرأة ضحية تمثل الطرف الأضعف في المجتمع , و الرجل جلادا ,  المتسبب الرئيس  في المآسي التي تحدث لها .

     للاشارة  تجربة حياة فردوس  تتقاطع مع تجربة حياة  نوال السعداوي  ..

     وبذلك نقلت    صورة  صادقة عن الواقع كما عاشته  هي و بطلتها , فتميزت روايتها بالصدق الفني , تعبر عن تجربة شعورية حقيقية  ..   

     

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الضحية و الجلاّد ..قراءة في رواية 'امرأة عند نقطة الصفر ' ..للكاتبة نوال السعداوي للكاتبة الجزائرية / خديجة مسروق Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top