عُرفت نوال السعداوي بكتاباتها المناهضة لثقافة المجتمع الذكوري, في نظرته للمرأة ومعاملته لها , التي تراها معاملة تتصف بالفوقية و التعالي , في علاقة الرجل للمرأة .
تمثل نوال السعداوي نموذجا من النساء اللواتي
عانين من القهر الاجتماعي في طفولتهن , كما تذكر
في كتاباتها .
أثر ذلك على حياتها, فتوشحت كتاباتها عن المجتمع
الشرقي بوشاح سوداوي , تتهم فيها الرجل باحتكاره للمركزية . يسلب
المرأة حقوقها و يمارس عليها سلطته , حتى تظل هامشا , لا تنازعه في المطالبة بمكانها
داخل المركز .
تقول نوال السعداوي , بأن المرأة
ليست ملاكا طاهرا , و ليست شيطانا ماكرا ,أو لغزا غامضا .المرأة إنسان كامل الأهلية
مثل الرجل , و يحق لها أن تكون مسؤولة عن حريتها . رواية امرأة عند نقطة الصفر , تصور فيها السعداوي
المجتمع الذكوري المريض بعقدة التملك . تراه
يجعل من المرأة أداة طيّعة في يد الرجل, يحرمها من أبسط حقوقها .
العنوان
يلخص درجة الاحباط التي وصلت إليها بطلة الرواية , لما لقيته من اضطهاد داخل مجتمعها
.
القصة التي تضمنتها الرواية واقعية
,سمعتها الكاتبة من إحدى السجينات خلال
فترة عملها , كطبيبة نفسية بأحد السجون المصرية في سبعينيات القرن العشرين. محكوم عليها بالإعدام .
أضفت السعداوي على القصة كثيرا من مخيلتها , التي تعالقت مع واقعها الذي عاشته
, و الذي عرفت فيه مختلف صور القمع و العنف و التهميش , وهذا ما كانت تصرح به في كثير من المناسبات .
فردوس بطلة الرواية , قبل أن يصدر حكم الإعدام
عليها , أعدمها المجتمع منذ كانت طفلة صغيرة . فردوس ضحية مجتمع ذكوري . جعلها كتلة من الأحقاد ' كنت أبصق على ورق الجريدة . من يراني أبصق على الوجه يظن أنني أعرف الوجه
بالذات , لكن لم أكن أعرفه ' ص 19
تعرضت فردوس للاغتصاب و هي طفلة صغيرة
, من طرف عديد من الذكور ,عمها و ابن الجيران
و غيرهما . تحكي عن مجتمعها الذي يتحدث عن الشرف و هو فاقد للشرف .تحكي عن تجربة الختان التي أُخضعت لها .
تركت تلك الحوادث في نفسها شرخا عميقا.
بعد موت والديها يأخذها عمها معه إلى القاهرة
.يلحقها بالتعليم , و تتحصل فيما بعد على شهادة الثانوية .
كانت زوجة عمها الشيخ الأزهري, ترفض إقامتها
معهم في البيت . أرغمها عمها على الزواج من قريب زوجته الستيني العليل . أذاقها كل
أنواع القهر .كان بخيلا أنانيا , يضربها ضربا مبرحا و يحرمها من الأكل .
لم تجد غير الشارع ملاذا تهرب إليه . ظنا منها
أنه الملاذ الآمن .لكنها تصطدم بذئاب و ثعالب و كلاب ووحوش بشرية ضارية ,أشد شراشة من الذين عرفتهم . وجدت الشارع على اتساعه لا يختلف عن العالم المحدود الذي كانت
تعيش فيه .
أي انتقام يراودها ؟ , فيطفيء النار التي تشتعل
بداخلها ' و لأن كل رجل عرفته ,أردت أن أرفع
يدي في الهواء عاليا , ثم أهوي بها على وجهه
' ص 18. كان أبوها في الشتاء ينام في غرفة دافئة , و يتركها تنام في الصقيع ,كان يأكل حتى يشبع
, و يترك لها الفتات . كان حين تموت إحدى بناته يأكل عشاءه و ينام , و حين يموت الولد
يضرب أمها كثيرا , ثم ينام بعد أن يتعشى .
فردوس لم تذق طعم عطف الأب و لا حنان الأم .لم تنس مافعله عمها حين استباح حرمتها وتعدى على شرفها
.و القهر الذي تلقته من زوجها لا يبرح مخيلتها , حين كان ينام على السرير و يتركها
تنام على الأرض, وكان يعنفها حين تطلب الأكل .يأكل هو و يتركها جائعة .
اشتغلت فردوس مومسا ,يأتيها الذكور من مختلف
الطبقات الاجتماعية , الحاكم و الوزير و الأمير و الصحفي . المثقف و الجاهل لا فرق بينهما حين يكونان بين أحضان فردوس المومس
.يمارسون الرذيلة بالليل, و بالنهار يلتحفون لحاف التقوى و الشرف و الوطنية .
لما أرادت فردوس تلبية نداء القلب , اكتشفت أن
الحبّ أكبر كذبة يتبناها الرجال للضحك على أذقان النساء . عرفت أن النساء كلهن مخدوعات باسم الحبّ .
تعرفت على ابراهيم , زميلها الموظف الذي كان يدافع عن الفقيرات و المحرومات
, اللواتي ظلمهن المجتمع .
قررت أن تكون شريفة ,عملت باحدى الشركات سكرتيرة . أحبت ابراهيم الذي أشعرها أنه يبادلها
نفس المشاعر, لكنها اكتشفت أنه لا يختلف عن بقية الذكور ' رأيت الناس يهرولون في الشوارع
إلى كذبهم و نفاقهم , ولمحت الصحف مرفوعة في الأكشاك بالعناوين الكاذبة و أعلام الزيف
' ص 69
فردوس تقول بما تراه حقيقة صادقة , الإجرام يحتاج
إلى ذكور . الجميع مجرمون , بما فيهم الأب و الأعمام و الأخوال ,و الأزواج و القوادون
, المحامون و الأطباء , والصحفيون و الموظفون
و جميع االرجال من جميع المهن . أدركت أن الرجل
لا يعترف بقيمة المرأة , إذا لم تحدد قيمتها بنفسها .
تحت لذة الشعور بالانفصال عن الكون والتحرر من التبعية , تستمع لصوت احتجاح
بداخلها , يدعوها أن تحدث شيئا ما ,أن تغير واقعها . فردوس تقتل آخر رجل يعترض
طريق حريتها . اختارت الموت على أن تظل رهينة
المجتمع الذكوري الظالم .
امرأة عند نقطة الصفررواية نقدية . .
توجه فيها السعداوي
نقدها للمجتمع العربي , و للرجل الشرقي , و للمؤسسة الدينية , التي مثلها الإمام الأزهري عمّ فردوس .
الذي كان يرتدي عباءة الدين . لكن القول
شيء و الفعل شيء آخر . ظلم ابنه أخيه , و استغلها يتزويجها لشيخ هرم , وأخذ مهرها ليسدد
ديونه .
تصور الضرر الذي
يلحق بالمرأة بسبب العادات و التقاليد . فالمجتمع مسيّج بمجموعة من التقاليد
, تدفع بالأسر إلى تزويج بناتهن في سن مبكرة , و لا يهم من يكون الزوج .و لايهم رأي
البنت . المهم التخلص منها .
تنتقد سلبية المرأة , برضوخها للرجل و امتثالها لسلطته , حين تقول فردوس
' لم تكن أمي في الشتاء تدفئني , كانت تدفئ
أبي , و بالصيف أراها جالسة عند قدميه و في يدها بوز تغسل , ساقيه بالماء البارد '
ص 22. و كأنها تتهم المرأة بأنها هي التي
صنعت المجتمع الذكوري .
تجعل المرأة هي الحلقة الضعيفة
في المجتمع الذكوري , المغلوب على أمرها , يمارس الرجل قوته وجبروته عليها . ويظهر
رفضها بوضوح الخضوع لأية مؤسسة ,أو أي نوع من الانتماء .
أعطت
السعداوي صورة سلبية عن الرجل في المجتمع الشرقي .جعلت المثقف و الجاهل, و الملتزم
و العلماني في درجة واحدة . فهم جميعا بالنسبة
لها ذكور و ليسوا رجالا .
شخصت في روايتها امرأة عند نقطة
الصفر , الواقع الاجتماعي من منظورها الخاص ,انطلاقا من معطيات ذاتية , بدت فيها ناقمة
عن المجتمع.
تناولت ظاهرة العنف ضد المرأة
, و تعرضها لمختلف أنواع الظلم , كالضرب و الاعتداء الجنسي . صورت المرأة ضحية تمثل
الطرف الأضعف في المجتمع , و الرجل جلادا ,
المتسبب الرئيس في المآسي التي تحدث
لها .
للاشارة تجربة حياة فردوس تتقاطع مع تجربة حياة نوال السعداوي
..
وبذلك نقلت صورة صادقة عن الواقع كما عاشته هي و بطلتها , فتميزت روايتها بالصدق الفني , تعبر
عن تجربة شعورية حقيقية ..
0 comments:
إرسال تعليق