الشتاء فى الماضي شاهدناه ونحن صغارا ، يترك علامات مؤثرة فى الحجر والبشر ، شاهدنا المطر الشديد يحطم أسقف بعض المنازل المبنية بالطوب اللبن والمسقوفة بالغاب الذى يطلق عليه السدة وطبقة من الأتربة ، والمنزل قد يكون دورين والسلالم من الطوب اللبن والأتربة بديلا عن الاسمنت ، أما الطرق فى شتى الشوارع ترابية ، ومع الشتاء تصير طينا بسمك يصل الى نصف المتر من الطين تغوص أقدامنا فيه ، وربما نقع فى الطين فيكونا لوننا أسود طينى من أقدامنا إلى رأسنا ، رغم ذلك كنا سعداء أرواحنا تدب فيها الحياة والحركة والنضارة ، وآه عندما نسمع أن بيتا أصيب من المطر ، كل القرية تهرع إليه كل منا يساعد بما يقدر ، كنا نملك الصفاء والنقاء لا نعرف البغضاء والحقد والكراهية ، رغم وخذات المطر وشدة برودة الجو ، كنا روح واحدة وجسد واحد ، هذه الروح كنا نواجه ، بها شدة البرودة فتغلب عليها بروحنا العالية ، وأقصى ما كنا نفعله طمعا فى الدفء التجمع حول ما يسمى بالراكية ، حيث تجتمع الأسرة فى حجرة أو صالة المنزل حول راكية من النار أوقدت أعواد من الحطب وقطع من الخشب ، كلنا نلمتس الدفء منها ، وكنا نسعد عندما يتم خبز العيش فى الفرن البلدى الموجود فى كل منزل المبنى بالطوب اللبن وبه قطعة حديد تسمى عرسه ، وكان وقودة أقراص الجلة المجففة من روث البهائم والقش ، وعندما تنتهى النساء من الخبز كنا نجلس أمام الفرن البلدى نلمتس الدفء ، أو نصعد فوق الفرن ننام ونجلس فوقه ، أما الآن وسائل الرفاهية منتشرة فى كل مكان ووسائل الراحة متعددة من رصف لكثير من الشوارع وعمارات شاهقة ومنازل مصبوبة بالصبة الحديثة من حديد واسمنت زلط ورمل ، ووسائل تدفئة حديثة بالكهرباء و غطاء وفير سميك من البطاطين الصوفية ، وملابس ثقيلة تمنع البرد والمطر عن الجسد ، رغم كل ذلك وأكثر مازلنا فى سقيع وبرودة وأمراض شديدة عاتية لم نعرف لها اسما من قبل ، بالأضافة إلى ذلك أرواحنا تبلدت وانحلت وتفككت ، لم تعد تلك الروح العالية سابقا موجودة ، ربما يصيب الجار والقريب مكروه كبير ولا نهتم به ، الكل لا يهتم الا بنفسه فقط ولا يعبأ بالآخرين ، ليس هذا فقط إذا استطاع الجار والقريب أن بستولى على حقوق جاره من مال وأرض وغير ذلك ، يفعل ذلك ببرود وتلون شديد وكأنه لم يفعل شيئا ، وانتهت رابطة الروح التى تجمع الكل ، كل يجرى وراء المادة والمال لا يهتم من أين كسبه من حلال أو حرام ، وانتفت صفة الاحترام والتقدير للكبير ، وطغى الصغير على الكبير بقلة أدبه ،
لذلك
تمكنت البرودة من أجسادنا وأرواحنا ، ولم نعد نواجه البرد القارس بالروح وننتصر
عليه ، كما كنا نفعل فى الماضى ونحن صغارا رغم عدم وجود إمكانيات نهائيا ، وانتشرت
فينا الآن الأوجاع التى لم تكن من قبل ، فهل من عودة إلى روح الماضى من ترابط
ومحبة و إخاء وإيثار الغير على أنفسنا كى يرفع الله ما حل بنا من غلاء وكرب
0 comments:
إرسال تعليق