كتب: مصطفى علي عمار
-عمار علي حسن بين الحين والحين يبهرك بمؤلف جديد له.. لكن عندما
تقرأ كتابه الجديد بصيرة حاضرة- طه حسين من ست زوايا تشعر وكأنك تقرأ أطروحة
دكتوراة موازية لأطروحة تجديد ذكرى أبو العلاء المعري لطه حسين، وكما استخدم طه
حسين في دراسته لها أسلوب منهجي جديد فعل د. عمار علي حسن في هذا الكتاب، ببصيرة
واعية وإتقان لكل ما أبدعه طه حسين وكل ما كُتب عنه وقيل، أعد عمار علي حسن وكتب
كتابه هذا.. وجاء تصدير الكتاب بقلم دكتور علي بن تميم رئيس مركز أبو ظبي للغة
العربية الصادر عنها الكتاب معرفا فيه السلسلة التي يصدر عنها الكتاب (البصائر
للبحوث والدراسات)
ثم استهل د. عمار كتابه بمقدمة عذبة حتى الصفحة 25 بدأها ببداية
معرفته بعميد الأدب العربي منذ كان طالبا بالفرقة الأولى له بمدرسته الثانوية حيث
كان مقررا عليه قصة الأيام لطه حسين الجزء الثالث
ومن الواضح أنه تأثر بالدكتور طه حسين وبأدبه من أول يوم عرف فيه طه
حسين الذي تربطهما صلة مسقط الرأس فكلاهما من محافظة المنيا بصعيد مصر.. حتى أنه
ذكر في مقدمة الكتاب أيضا أنه كان يجوب حول تمثال طه حسين المتواجد في مدينة
المنيا والقريب من مدرسته.. وكأن عمار علي حسن الطالب الثانوي وقتها على موعد مع
القدر ليحمل راية ابن بلده د. طه حسين من بعده ويكون الحصن الحصين له مستقبلا في
الصد لأي هجوم حاقد من غير أدلة والذي وضح جليا في هذا الكتاب إلمام د عمار
ومذاكرته واستيعاب فكره وحفظه بكل ما يتعلق بعميد الأدب العربي في كل جوانب حياته
ومن المفارقات كما ذكرها د. عمار في كتابه هذا أن وفاة طه حسين كانت
في نفس العام الذي التحق فيه د. عمار بالمدرسة الابتدائية وكأن القدر يقول له رحل
طه وجئت أنت يا عمار لتكمل مسيرته..
عمار متعلق بحب طه وكأن بينهم رباط روحي منذ كان طالبا مبهورا به
وبأدبه وسيرته التي يبدوا أنه كان يحفظها حفظا أول باول
وظهر حب عمار لطه حسين الجم حينما ذكر في كتابه أيضا أنه من أول يوم
له في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية يذهب إلى كلية الآداب ليرى مكان طه حسين
فيها ومكان وقفته التي كان يقف فيها لتدريس طلابه...
وفي ص17 من الكتاب وضح لنا د. عمار أنه سيتعامل في الكتاب مع فكر طه
حسين وأدبه ومؤلفاته على أنه شيء حاضر ومستمر وفي هذا الكتاب الذي وصلت صفحاته 506
صفحة من القطع فوق المتوسط
أرسى د. عمار منهجا جديدا لدراسة طه حسين بأسلوب علمي موضوعي معتمدا
على الاستدلال والإثبات والحجة بالأدلة أعتمد فيه على ست زوايا والتي تعتبر أركان
هذا المؤلف العملاق وهي: (المنهج والنص والذات والصورة والموقف والأفق)... ليبدا
د. عمار بعدها بالغوص في كل زاوية من هذه الزوايا بأسلوب علمي أدبي بحت بعيدا عن
الذاتية وحبه لطه حسين ببحث شامل في كافة جوانبها مستعينا بكل ما كتب عنه في ذلك
موضحا في زواياه عبقرية طه حسين ومدى إجحاف من هاجموه فلم يعتمدوا على أسلوب علمي
موضوعي وأشار د. عمار أن هذه الكتب من العبث ومضيعة الوقت قراءتها مؤكدا على الشرح
والتحليل والتدقيق كما كان يتعامل طه حسين حتى بالشك الذي اتهموه به رغم أنه كان
منهج له ليصل إلى الحقيقة بكل شواهدها وأدلتها... وكما ذكر بالاستدلال د. عمار حتى
الشك منهج علمي سليم ..
وينظر هذا الكتاب إلى طه حسين من مختلف الجوانب، إذ لا يكتفي بإحضار
مشروعه الفكري والأدبي ووضعه تحت مشرط الفحص والدرس والتحليل، بل يقترب من عميد
الأدب العربي كإنسان وفاعل اجتماعي، مارس أدواراً عديدة في الحياة، وأدى حاصل جمع
نصه وشخصه إلى إنتاج ظاهرة، علا شأنها، ووصل خبرها إلى الشرق والغرب، ولا يزال
الاهتمام بها جاريا وساريا
فلم يترك د. عمار جانبا من جوانب حياة طه حسين العلمية والأدبية
والأخلاقية وحتى الأسرية منذ مولده حتى وفاته إلا تطرق لها.. استعان فيه ب 66
مرجعا وكتابا كما هو موضح في الفهرس جمعهم في زواياه الست
ومن خلال هذه الزوايا الست، يكون قد وضع إطاراً نظرياًـ وحفر مساراً
منهجياً متماسكاً، يمكن تطبيقه في أي دراسة عن مفكر أو أديب بارز.
ففي الزاوية الأولى(المنهج)
بين د. عمار أن طه حسين اتبع منهجا يقوم على الصرامة العلمية ويثبت
لنا أن منهج طه حسين قام على عدة خصائص هي الحوارية والتعدد والشك والتثبيت
والإفاضة والإحاطة وتعدد زوايا الرؤية والاهتمام والتميز في الدرس بين العلم
والدين بما جعل لمنهجه أثرا يختلف عليه الناس..
وفي الزاوية الثانية(النص) درس د. عمار لغة طه حسين وأسلوبه ويرى أن
نص طه حسين بكر إذ كان لا يراجعه ونص مميز يدل على صاحبه بلا عناء ولا عتب وإيقاعي
تحضر فيه الموسيقى. وهو نص تكراري متنوع حافل بالتناص ويسعى إلى أداء وظيفة أو
ينهض بالمهنة أو الرسالة التي حملها على عاتقه عميد الأدب العربي.
وفي الزاوية الثالثة (الذات) تناول فيها طه حسين أنموذجا متكامل
كمثقف فهو الباحث الاجتماعي والصحفي والأديب والناقد والسياسي والمؤرخ والمفكر
وهناك من يراه فيلسوفا وصاحب الوجوه المتعددة فهو الأزهري والمدني والريفي وابن
الحضارة الشرقية والواعي بالحضارة الغربية.
وكان طه حسين كما يراه المؤلف يمكنه القول عن نفسه: أنا الكاتب الحر
ابن عصره المنذور لمهمة عظيمة المتمرد المعتد بنفسه رابط الجأش المجادل والعنيف
والباحث المختلف والذي اعترف بأخطائه. وهذا استخلاص من سيرته المتناثرة وإن لم
يدونها بعد.
وفي الزاوية الرابعة(الصورة) يدلنا على صور عميد الأدب العربي فهو
قاهر الظلام والتلميذ النجيب والأستاذ البارع المجد المحايد الأسطورة المواطن
البسيط والعالمي وهنا يحاول د عمار إثبات كل صورة العملاقة ويرد على كل الاتهامات
التي وجهت له لأغراض سياسية أو ضغائن وأحقاد.
وفي الزاوية الخامسة(الموقف) يحلل لنا الكاتب كل مواقف العميد في
توليه وزارة المعارف وعمادة كلية الآداب وإنشاءه وتوليه إدارة جامعة الإسكندرية
وتجربته في المعهد العالي للدراسات العربية فلقد جمع بين التفكير والتنظير
والتعبير فصار مفكرا متميزا وموقفه من العدالة الاجتماعية والحريات والديمقراطية
ومناصرة حقوق المرأة والسلطة والأحزاب السياسية والعلاقة بين القديم والجديد وببن
الشرق والغرب في الفكر والأدب
وفي الزاوية السادسة (الأفق) تحدث د. عمار عما تحقق من مشروع طه حسين
وما لايزال ينتظر ومصيره هو نصا ومنهجا وموقفا.
ثم تأتي خاتمة الكتاب: التي عدد فيها د. عمار ثلاث نقاط مأخوذة على
مشروع عميد الأدب العربي وقدم لها شروحا وافية عن أسبابها مؤكدا أنها لا تنتقص من
مشروع طه حسين العملاق الذي لازلنا ننهل من عطاياه حتى الآن وهي: عدم إعطائه
التصوف موضعه في الثقافة الإسلامية وإغفاله دور الموروث في بناء مشروع ثقافي وعدم
وضع منتجنا الثقافي الحديث والمعاصر في مقارنة مع الغرب على غرار ما حدث مع تراث
العرب الأقدمين.
وبعد قراءتي للكتاب واطلاعي عليه أستطيع أن أقول إن كتاب (بصيرة
حاضرة) إضافة ثرية للمكتبة العربية والعالمية وأن د. عمار قد وضع في هذا الكتاب
منهجا جديدا للباحثين في دراسة أي مفكر وأديب في قابل الأيام.
و أن د. عمار أراد أن يرسل رسالة عبر كتابه (بصيرة حاضرة) لكل العالم
بأن طه حسين لم ينل لقب عميد الأدب العربي إلا عن جدارة واستحقاق وأنه بحق سيد
النثر العربي الحديث.
بل والإنسان القائد
الاجتماعي الأول في زمانه
0 comments:
إرسال تعليق