الحقيقة
أنّ كثيرا من المفكرين العرب يتهربون من طرح قضايانا ومناقشتها وهي قضايا حيويّة
لا يتم النهوض إلا بها وسبب نفورهم من طرحها ومناقشتها هو خوفهم من سخط أصحاب
القرار عليهم وربما سخط الجماهير.
وأنا
أقول : إذا كان حاجز الخوف هو المانع لابد من تحطيمه فهي قضايا هامة ومهمّة تتناول
واقعنا بكل أبعاده الاجتماعية والثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والعلميّة...
فلا
يجوز تركها دون البتِّ بها كي نبدأ مرحلة النهضة المنشودة التي بها نثبت وجودنا
ونسهم في بناء المدنية الحديثة كي نلحق بركبهم ونضع بصماتنا ونحن أوائل في صدر
الحضارة الإنسانية ومنارة لأمم الأرض والتاريخ هو الحكم والفيصل لمن يدعي غير
ذلك،ولكن أسباب التخلف التي رانت على أمتنا ما يستطيع أحد تجاهلها أو نكرانها، فهي
السبب الذي جعلنا نغرد خارج ركب الحضارة الإنسانية ومهما يكن حضارتنا تركت أجل
الأثر وتركت بصمة لا يمكن إنكارها، فعلينا العمل الجاد لإعادة الألق لوهج حضارتنا
العريقة التي أمدت البشرية بكل ما هو خيّر ومفيد.
ومن أهم
هذه القضايا التي يجب أن تطرح ويبت فيها هي مفهوم العرض في الثقافة العربية
والإسلامية ،والعلاقة بين العلم والدين، ووضع المرأة، وقضية استقلال العلم واستعمال
الاجتهاد، وهذه القضايا تجعل مفكرينا بحالة توجس وخوف وقلق من الجانب الرسمي وغير
الرسمي، ولكن أعتقد هي قضايا حيوية يتوجب علينا البت بها وطرحها للمناقشة كي نخرج
بالنتائج التي تفضي إلى حلول كي لا تبقى عالقة.
على كل
الأحوال فإن الشعوب النامية والمتقدمة النمو تعيش أزمة فكرية واجتماعية ونفسية
عميقة وأنا لا أرى أن طرح هذه القضايا ليس من باب الترف الفكري بل ضرورة وضرورة
ملحّة فهي قضايا خلافية يجب البتّ بها كي نصل بالنهاية إلى حلول تمكننا من مواكبة
التطور الحضاري وركب بقية أمم الأرض التي نالت التقدم وكان لها النصيب الأكبر منه.
وأنا
أرى أنّ على رأس هرم هذه القضايا هي قضية سلامة أو صحّة الإصلاح التوفيقي التصالحي
الذي يضمن التكيف (الموائمة)، والذي يتصف بالاعتدال وهذا الاتجاه أيّده كُثر من
المفكرين العرب على اعتبار أنه الأداة المثلى لتحقيق نهضة الذات العربية
والإسلامية الحضارية .
فمن
المؤكد أنّ أمتنا العربية لا تستطيع أن تُقيم الجسر الذي تبغي تحقيقه دون أن تؤمِن
وتقر باستقلال العلم ودون إطلاق الفكر بما في ذلك الفكر الفلسفي وإتاحة الإبداع
الفكري وإحقاق حقوق الإنسان بما في ذلك المرأة –أقصد حقوقها-، ومن القضايا الملحة
والمطروحة على الساحة بقوة هي قضية استمرار النظام الأبوي الذكوري (الباطرياركي)،
فلا يزال مجتمعنا العربي رجاله ونساؤه منذ قرون كثيرة يعاني من سطوة النظام الهرمي
الأبوي الذكوري، لقد أسهم هذا النظام وما زال يسهم في الحيلولة دون نشوء التفكير
المستقل والشخصية المكتفية ذاتيا والمستقلة فكريا،وبتأثير سطوة هذا النظام تم
تجاهل الكثير من الرجال النوابغ المفكرين والعلماء وأيضا ت طمس الآثار الجليلة
للنساء النابغات العالمات المفكرات والشواهد كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
وأنا
أرى أنه مهما بلغت الحواجز من قوة أمام الإبداع الفكري الذي هدفه طرح قضايانا
ومعالجتها يجب على الكاتب أن يقول رأيه دون مواربة أو مجاملة أو وجل أو تردد فلو
سخطت عليه أجيال الحاضر ربما وجد هناك آذان صاغية فيما طرحه في الأجيال القادمة
وعندها سيتم الكشف عن قيمة أفكاره ووجاهتها بالنسبة لكل ما يمس الأمة..فربما عزاؤه
الوحيد هو احتمال تعاطف الأجيال القادمة معه.
وحقيقة
يتوجب على كل صاحب قلم حر أن يعالج دون خوف أو تردد القضايا التي يحترس أناس من
طرحها وتناولها مثل القضايا التي تهم الأمة في حاضرها ومستقبلها حتى لو تحمل الأذى
في سبيل ذلك فالبعض لا يرى أبعد من أنفه وغايته مصلحته الفردية –وما أكثرهم- كتولي
منصب أو جني فائدة مادية، إذاً لا بد من إعتاق الفكر وضرورة المناقشة الصريحة
والجريئة لقضايانا من أجل الحفاظ على الوجود المادي والحضاري.
ولابد
ونحن بهذا الصدد أن نذكر أمراً هاما والمتمثل في عيوب كتابات عدد كبير من المفكرين
في العالم عموماً وعندنا خصوصاً ومنها حدة النبرة التقريرية والتي لا تدعمها الحجج
والبيّنات وأيضاً نجد أن بياناتهم تشوبها النزعة الانتقائية وأسباب وجود هذه
النزعة(التقريرية الانتقائية) هي حضور العاملين الذاتي والأيديولوجي في طروحاتهم
والتي يصفونها خطاءاً –قصدا أم جهلا- لأنها عملية موضوعية لذلك قلنا عن للعاملين
الذاتي والأيديولوجي حيزاً كبيراً في فكرهم وهذا الحضور –للعاملين- يفسد عليهم
الطرح المنتظم فلسفياً وعلمياً وفكرياً وبالتالي لا يمكن وصفه بالطرح المتسق، فهم
وعن طريق طرحهم التقريري والانتقائي المتعمد وغير المتعمد يراعون العامل الذاتي
والاعتبار الايديولوجي ويسوقون في نفس الطرح البيانات التحليلية العلمية، ولذلك لا
ترقى طروحاتهم إلى مرتبة الطرح النظري العلمي المنتظم والذي يتصف بالاتساق.
ولا شك
في أن أحد أهم أسباب النزعة الانتقائية والتقريرية هو افتقار بعض الكتاب إلى
القدرة على الطرح النظري العلمي المتسق أو إلى التقدير لقيمة هذا الطرح وأهميته
لدا من يريد الأخذ بالمنهج العلمي كأساس لتحسين ظروف معيشة أبناء أمته، السبب
الثاني هو خوف المفكرين من أن يساء فهمهم لذا توخوا في كتابتهم الاتساق الفكري
والعلمي أو الانتظام في الطرح فبهذا الاتساق تستبعد نقاط أيديولوجية لا صلة لها
بالعرض الفكري الموضوعي العلمي وأنا أرى أنّ مراعاة الجانب الأيديولوجي يفسد الطرح
الفكري الموضوعي وعندها لا يعود الكاتب متسق في طرحه الفكري .
ولكي
نضع الأمور في نصابها يجب مجانبة الهوى والميل ونقف فقط بجانب وبصف الحق والحقيقة
بغض النظر عن اعتقادنا أو التزامنا بنهج ما ويكون فقط العلم للعلم لا لترجيح كفة
على حساب الأخرى فالكارثة الحقيقة أن تكون المعرفة بلا قيم.
والله
من وراء القصد .
0 comments:
إرسال تعليق