محاضرة لطلاب الدراسات
العليا بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر في مقر كلية الدراسات العليا بالقاهرة
----------------------------------------------''
يكاد يكون فن الرواية
فنا مهيمنا على الإبداع الأدبي عربيا وعالميا، وتكاد تقبل عليه الأجيال الصغيرة و الشابة
إقبالا عجيبا، سواء على مستوى الإبداع أو على مستوى التلقي، فنجد المطابع إلكترونية
أو ورقية تضيف إلى مدونة هذا الفن كل يوم جديدا وطريفا، والمتابع للمواقع الإلكترونية
العارضة للروايات والميسرة لقراءتها يلحظ إقبالا كبيرا عليها، ومن ثم كانت هذه المقولة
الثقافية السيارة( الرواية ديوان العرب المعاصر) و مقولة ( زمن الرواية) و(الرواية
ملحمة العصر ). والذي ساعد على حضور هذا في العقل الجمعي العربي هو تحول كثير من النصوص
الروائية إلى أعمال سينمائية وتلفازية مشاهدة مشاهدات كثيرة ومتنوعة، مثل روايات اللص
والكلاب، الحرافيش، الثلاثية، ثرثرة فوق النيل، الوسية، الوتد، ذئاب الجبل، خالتي صفية
والدير، وغير ذلك....إضافة إلى فوز الأديب المصري نجيب محفوظ (١٩١١-٢٠٠٦م) بجائزة نوبل
العالمية في فرع الأدب سنة ١٩٨٨م، ولعل في ظهور شخصية المبدع الروائي المصري الفذ أحمد
خالد توفيق (10 يونيو 1962 – 15 رجب 1439 هـ / 2 أبريل 2018)، ذاك الطبيب، والكاتب،
والمؤلف، والمترجم المصري. الذي يُعد أول كاتب عربي في مجال أدب الرعب. والأشهر في
مجال أدب الشباب، والفنتازيا، والخيال العلمي، والذي لُقب بـ«العراب»...
ومن أبرز الروائيين
الشباب وأكثرهم حضورا المبدع أحمد مراد (مواليد القاهرة 1978) ذلكم ابكاتب والسيناريست
والمصور ومصمم الجرافيك، والذي تخرّج في مدرسة ليسيه الحرّية بباب اللوق عام 1996 قبل
أن يلتحق بالمعهد العالي للسينما ليدرس التصوير السينمائي، وتخرّج عام 2001 بترتيب
الأول على القسم، ونالت أفلام تخرّجه «الهائمون - الثلاث ورقات - وفي اليوم السابع»
جوائز للأفلام القصيرة في مهرجانات بإنجلترا وفرنسا وأوكرانيا.بدأ أحمد مراد كتابة روايته الأولي «فيرتيجو» في شتاء عام
2007، ونُشِرت في العام نفسه، ثم ترجمت للّغة الإنجليزية عن دار بلومزبيري، ثم للإيطالية
عن دار مارسيليو، والفرنسية عن دار فلاماريون، ثم تحولت الرواية لمسلسل تليفزيوني في
رمضان من عام 2012 بعنوان( فيرتيجو)، ونالت الرواية جائزة «البحر الأبيض المتوسط للثقافة»
لعام 2013 من إيطاليا.
وفي فبراير
2010 أصدر مراد روايته الثانية بعنوان «تراب الماس» وتُرجمت للإيطالية عن دار مارسيليو
وللألمانية، وتم تحويلها لفيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه من إخراج مروان حامد.
وفي أكتوبر
2012 صدرت روايته الثالثة «الفيل الأزرق» والتي نالت المركز الأول في مبيعات الكتب
بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2013 ثم فازت بجائزة القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية
عام 2014.
ثم توالت إبداعاته
الروائية وتمثلت في رواية 1919م، ورواية أرض
الإله، ورواية موسم صيد الغزلان، و رواية لوكاندة بير الوطاويط، وراوية كتاب القتل
للمبتدئين...
وهذا مما يقتضي
الوقوف مع هذا الفن تعريفا والوقوف معه تصنيفا، والوقوف معه قراءة وتذوقا ونقدا...وإنه
لوقوف حي وحيوي، ووقوف فاعل ومعطاء...
وهذا الوقوف يتمثل
في المحطات الآتية:
دلالات الرواية
لغة:
-------------
بالنظر في المعاجم
العربية نجد لفظة الرواية في الجذر اللغوي ( ر/و/ى) وهي مصدر الفعل ( روى) بفتح الفاء
والعين. يقال: روى الحديث يروي رواية وترواه بمعنى وهو راوية للمبالغة، و روى الحبل:
فتله فارتوى، وروى على أهله، وروى لهم: أتاهم بالماء، وروى على الرحل:شده على البعير
لئلا يسقط، وروى القوم: استقى لهم. ورويته الشعر: حملته على روايته كأرويته. قال الجوهري
في صحاحه: رويت الحديث و الشعر رواية فأنا راو في الماء والشعر، من قوم رواة، ورويته
الشعر تروية أي حملته على روايته، وتقول : أنشد القصيدة يا هذا ،ولا تقل أروها إلا
أن تأمره بروايتها أي باستظهارها"... ، وروى البعير : شد عليه بالرواء : أي شد
عليه لئلا يسقط من ظهر البعير عند غلبة النوم، وروى الحديث أو الشعر رواية أي حمله
و نقله،فهو راوٍ (ج) رواة، وروى البعير الماء رواية حمله ونقله، ويقال: روى عليه الكذب،
أي كذب عليه، وروى الحبل ريا: أي أنعم فلته، وروى الزرع أي سقاه ، والراوي: راوي الحديث
أو الشعر حامله، وروى في الأمر: نظرت وفكرت،
والاسم: الروية. ويوم التروية لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعد أو لأن إبراهيم
عليه السلام كان يتروى ويتفكر في رؤياه فيه....
فهذه اللفظة( الرواية)
تدل في مدونة المعجم العربي العتيق على التفكير
في الأمر، والانتقال والجريان، والسقي والإشباع والعطاء، كما تدل على نقل الماء وأخذه
كما تدل على نقل الخبر والشعر واستظهاره...فالدلالات
اللغوية العامة للفظة الرواية تفيد في مجموعها عملية الانتقال و الجريان والارتواء
المادي "الماء" أو الروحي "النصوص والأخبار " وكلا النوعين كان
ذا أهمية في حياة العربي ، فلقد كان الماء هدفهم المنشود من أجلهم يحلون ويرتحلون،
وكانت رواية الشعر الضرورة اللازمة لكل شاعر ، كما كانت الرواية الوسيلة الأولى لحفظ
الأشعار والأخبار...
وتكاد تكون كل
هذه الدلالات اللغوية موجودة في المفهوم الاصطلاحي الأدبي للفظة الرواية، وهذا ما سيتضح
في النقطة التالية....
مفاهيم اصطـلاحـية
للرواية
-------------------
ما الرواية؟ سؤال
محير وشائك ونال اهتماما كثيرا وعبر فيها الباحثون عن حيرة وتردد؛ فقد كثرت الإجابات
عنه كثرة ملفتة للنظر؛ في مجمل التعاريف الاصطلاحية للرواية، وهي كثرة عجيبة، لدى جمهرة
من الأدباء والنقاد والمثقفين المهتمين بأمرها، سواء غربيا حيث ولدت الرواية أو عربيا
حيث ترجمت ثم عربت ثم أبدعت، وفي الشابكة(الإنترنت) تعاريف كثيرة جدا، ولم نر اتفاقا
أو اجتماعا -بين من اهتموا بتبيينها- على تعريف أو مفهوم، فكل من تعرض لمفهوم الرواية
أشار إلى صعوبة تحديده وزئبقيته، وحاول التعليل لهذه الصعوبة وتفسيرها، فهذا الناقد
الروسي "ميخائل باختين" يرى أن تعريف الرواية لم يجد جوابا بعد؛ بسبب تطورها
الدائم،...بينما يرى لوسيان غولدمان أن الرواية نقل للحياة اليومية في المجتمع الفرداني
وليد الإنتاج من أجل السوق ...، ويقرر أنه يوجد تجانس دقيق بين الشكل الأدبي للرواية
و بين علاقة الناس اليومية مع الأحوال عموما بشكل أوسع، علاقة الناس مع غيرهم في مجتمع
منتج من أجل السوق...وهو تعريف فيه خلط وخطل وحشو وتكرار، بسبب سوء لغة المترجم...
وذا الناقد الجزائري
الدكتور عبد المالك مرتاض، على جلالة مكانته في دنيا النقد الأدبي المعاصر، يقول : " و الحق أننا بدون خجل و لا تردد نبادر
إلى الرد عن السؤال[-ما الرواية-] بعدم القدرة على الإجابة ".....وذلك بسبب أن
الرواية فن غير مستقر على قالب أو عناصر، ففي كل زمان يمر على هذا الفن نجد الجديد
والمخالف والثائر على ما قبله!
ولكي تكون لنا وقفة هادية في هذه الإشكالية العلمية
ينبغي لنا أن نعرض بعض التعاريف لهذا الفن الزئبقي المتطور كل يوم، ومنها:
١-الرواية هي
" رواية كلية و شاملة و موضوعية أو ذاتية، تستعير معمارها من بنية المجتمع، وتفسح
مكان التعايش فيه لأنواع الأساليب، كما يتضمن المجتمع الجماعات والطبقات المتعارضة
جدا"... وهو تعريف مقبول غير إنها اقتصر على مصدر وحيد من مصادر السرد وهو المشار
إليه بتركيب بنية السرد...
٢-الرواية
" فن نثري تخيلي طويل نسبيا ، بالقياس إلى فن القصة ". وهذا تعريف موجز إيجازا
مخلا...
٣-" جنس أدبي
يشترك مع الأسطورة و الحكاية .. في سرد أحداث معينة تمثل الواقع و تعكس مواقف إنسانية،
وتصور ما بالعالم من لغة شاعرية، وتتخذ من اللغة النثرية تعبيراً لتصوير الشخصيات،
والزمان والمكان والحدث يكشف عن رؤية للعالم "...وهو تعريف فيه إضافة جديدة تتمثل
في ربط الرواية بالأسطورة، والحديث عن رؤية الرواية للعالم، ولكن جملة(ما بالعالم من
لغة شاعرية) غير مفهومة!
٤- ويعرفها إدوارد
الخراط بقوله :" الرواية في ظني هي اليوم الشكل الذي يمكن أن يحتوي على الشعر
والموسيقى، وعلى اللمحات التشكيلية، والرواية في ظني عمل حر، والحرية هي التمات و الموضوعات
الأساسية ومن التصورات المحرفة اللاذعة التي تنسل دائما إلى كل ما كتب"...وهذا
مفهوم غريب ويكاد يكون خاصا بهذا الروائي...
٥- وتقول لعزيزة
مريدن عن الرواية :" هي أوسع من القصة في أحداثها و شخصياتها، عدا أنهت تشغل حيزا
أكبر ، وزمن أطول ،وتتعدد مضامينها ، كما هي في القصة ، فيكون منها الروايات العاطفية
، والفلسفية والنفسية والاجتماعية والتاريخية." وهو تعريف مقبول تعليميا يمكن
أن يبنى عليه...
٦-أما معجم المصطلحات
الأدبية لفتحي إبراهيم فنجده يعرف الرواية بأنها:" الرواية سرد قصصي نثري يصور
شخصيات فردية، من خلال سلسة من الأحداث و الأفعال و المشاهد ، والرواية تشكيل أدبي
جديد، لم تعرفه العصور الكلاسيكية الوسطى، نشأ مع البواكير الأولى لظهور الطبقة البرجوازية،وما
صاحبها من تحرير الفرد من رقبة التبعات الشخصية." ...وهو تعريف جيد صالح للتأسيس
عليه...
٧- وعرفت الأكاديمية
الفرنسية الرواية بأنها :" قصة مصنوعة مكتوبة بالنثر، يثير صاحبها اهتماما بتحليل
العواطف و وصف الطباع وغرابة الواقع" . وفي هذا التعريف دقة في لفظة قصة ولفظة
مصنوعة، ولفظة يثير، وهي ألفاظ تدل على طرائق إبداع الرواية..
٨- وهناك من عرف
الرواية بأنها:" مجموعة حوادث مختلفة التأثير تمثلها عدة شخصيات على مسرح الحياة
الواسع، شاغلة وقتا طويلا من الزمن، و يعدها بعض الباحثين الصورة الأدبية النثرية التي
تطورت عن الملحمة القديمة." ....وفيه ربط لفن الرواية بالحياة والأحياء...
واستنتاجا مما
سبق نرى أن الرواية هي تلك المرآة التي تعكس على صفحاتها كل مظاهر الواقع المختلفة،
وهي تجربة فنية منفردة باعتبارها ضربا من الخيال النثري مجسدا في إبداع الكاتب، وفيما
يعالج موضوعا كاملا دون أن تنعزل عن القارئ، الذي تتوجه إليه و قد ألم بحياة البطل
و الأبطال في مراحل مختلفة، والرواية تفتح مجالا واسعا يكشف فيه عن حياة أبطاله وما
يصادفهم من حوادث عبر الوقت الروائي؛ فهي أكثر الفنون الأدبية ارتباطا بالواقع و أشدها
التصاقا بموضوعاته أو مشابهة له .
وأرى أن العمل
الأدبي الروائي ينبغي له أن يحتوي على المعالم الإبداعية الآتي:
١- ينتمي هذا الفن
إلى جنس القصة عند جمهرة الباحثين، وبعضهم يراه جنسا أدبيا عاما تفرعت منه أنواع أدبية
فيها عناصر الرواية الأساسية إضافة إلى عناصر جزئية خاصة ومثيرة ....
٢- يعتمد فن الرواية
في صياغته على اللغة النثرية الحرة سردا ووصفا وحوارا....
٢-يتميز فن الرواية
عن أقرانه وأشباهه القصصية بالكم السردي الكبير والطويل والممتد والمتشابك...
٣- ينبني هذا الفن
من الشخوص المتباينة والطبقات الاجتماعية المتواصلة إيجابيا وسلبيا، رقة وحدة، قربا
وبعدا...
٤- النسيج الحدثي
المكون لهذا الفن ضخم ومثير وجذاب ومشوق..
٥-تهيمن سمة الشمولية
والملحمية في الحكي والرؤية، مع القصد إلى تقديم رؤية من العالم المشاهد وما فيه من
ذوات وآخرين، ومن أساليب تعايش وتجادل بين الأحياء ....
٦- التنوع في المصدر
بين التاريخ والدين والواقع والخيال والاستشراف...
٧- الموضوعية والحيادية
في عرض المضامين وطرح التوجهات المختلفة بين تاريخية واجتماعية ونفسية ودينية وإنسانية
وعاطفية وسياسية وفلسفية ونسوية وذكورية، وتقليدية وتمردية....إلخ
مع مراعاة وجود
ما يسمى رواية السيرة ورواية الشخصية...
٨- الاستمرار في
الجدة والتطور في كل عمل روائي؛ فلا يكاد الروائي يقبل على عمل تقليدي مكرور، وإنما
يقصد مع كل تجربة روائية إلى الإبهار والإدهاش عن طريق اختراع تكنيك طريف، في أي عنصر
من عناصر السرد الروائي، سواء في النسيج الفني أو اللغة السردية...
وهذا مما يقتضي
الوقوف مع هذا الفن تعريفا والوقوف معه تصنيفا، والوقوف معه قراءة وتذوقا ونقدا...وإنه
لوقوف حي وحيوي، ووقوف فاعل ومعطاء...
وهذا الوقوف يتمثل
في المحطات الآتية:
دلالات الرواية
لغة:
-------------
بالنظر في المعاجم
العربية نجد لفظة الرواية في الجذر اللغوي ( ر/و/ى) وهي مصدر الفعل ( روى) بفتح الفاء
والعين. يقال: روى الحديث يروي رواية وترواه بمعنى وهو راوية للمبالغة، و روى الحبل:
فتله فارتوى، وروى على أهله، وروى لهم: أتاهم بالماء، وروى على الرحل:شده على البعير
لئلا يسقط، وروى القوم: استقى لهم. ورويته الشعر: حملته على روايته كأرويته. قال الجوهري
في صحاحه: رويت الحديث و الشعر رواية فأنا راو في الماء والشعر، من قوم رواة، ورويته
الشعر تروية أي حملته على روايته، وتقول : أنشد القصيدة يا هذا ،ولا تقل أروها إلا
أن تأمره بروايتها أي باستظهارها"... ، وروى البعير : شد عليه بالرواء : أي شد
عليه لئلا يسقط من ظهر البعير عند غلبة النوم، وروى الحديث أو الشعر رواية أي حمله
و نقله،فهو راوٍ (ج) رواة، وروى البعير الماء رواية حمله ونقله، ويقال: روى عليه الكذب،
أي كذب عليه، وروى الحبل ريا: أي أنعم فلته، وروى الزرع أي سقاه ، والراوي: راوي الحديث
أو الشعر حامله، وروى في الأمر: نظرت وفكرت،
والاسم: الروية. ويوم التروية لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعد أو لأن إبراهيم
عليه السلام كان يتروى ويتفكر في رؤياه فيه....
فهذه اللفظة( الرواية)
تدل في مدونة المعجم العربي العتيق على التفكير
في الأمر، والانتقال والجريان، والسقي والإشباع والعطاء، كما تدل على نقل الماء وأخذه
كما تدل على نقل الخبر والشعر واستظهاره...فالدلالات
اللغوية العامة للفظة الرواية تفيد في مجموعها عملية الانتقال و الجريان والارتواء
المادي "الماء" أو الروحي "النصوص والأخبار " وكلا النوعين كان
ذا أهمية في حياة العربي ، فلقد كان الماء هدفهم المنشود من أجلهم يحلون ويرتحلون،
وكانت رواية الشعر الضرورة اللازمة لكل شاعر ، كما كانت الرواية الوسيلة الأولى لحفظ
الأشعار والأخبار...
وتكاد تكون كل
هذه الدلالات اللغوية موجودة في المفهوم الاصطلاحي الأدبي للفظة الرواية، وهذا ما سيتضح
في النقطة التالية....
مفاهيم اصطـلاحـية
للرواية
-------------------
ما الرواية؟ سؤال
محير وشائك ونال اهتماما كثيرا وعبر فيها الباحثون عن حيرة وتردد؛ فقد كثرت الإجابات
عنه كثرة ملفتة للنظر؛ في مجمل التعاريف الاصطلاحية للرواية، وهي كثرة عجيبة، لدى جمهرة
من الأدباء والنقاد والمثقفين المهتمين بأمرها، سواء غربيا حيث ولدت الرواية أو عربيا
حيث ترجمت ثم عربت ثم أبدعت، وفي الشابكة(الإنترنت) تعاريف كثيرة جدا، ولم نر اتفاقا
أو اجتماعا -بين من اهتموا بتبيينها- على تعريف أو مفهوم، فكل من تعرض لمفهوم الرواية
أشار إلى صعوبة تحديده وزئبقيته، وحاول التعليل لهذه الصعوبة وتفسيرها، فهذا الناقد
الروسي "ميخائل باختين" يرى أن تعريف الرواية لم يجد جوابا بعد؛ بسبب تطورها
الدائم،...بينما يرى لوسيان غولدمان أن الرواية نقل للحياة اليومية في المجتمع الفرداني
وليد الإنتاج من أجل السوق ...، ويقرر أنه يوجد تجانس دقيق بين الشكل الأدبي للرواية
و بين علاقة الناس اليومية مع الأحوال عموما بشكل أوسع، علاقة الناس مع غيرهم في مجتمع
منتج من أجل السوق...وهو تعريف فيه خلط وخطل وحشو وتكرار، بسبب سوء لغة المترجم...
وذا الناقد الجزائري
الدكتور عبد المالك مرتاض، على جلالة مكانته في دنيا النقد الأدبي المعاصر، يقول : " و الحق أننا بدون خجل و لا تردد نبادر
إلى الرد عن السؤال[-ما الرواية-] بعدم القدرة على الإجابة ".....وذلك بسبب أن
الرواية فن غير مستقر على قالب أو عناصر، ففي كل زمان يمر على هذا الفن نجد الجديد
والمخالف والثائر على ما قبله!
ولكي تكون لنا وقفة هادية في هذه الإشكالية العلمية
ينبغي لنا أن نعرض بعض التعاريف لهذا الفن الزئبقي المتطور كل يوم، ومنها:
١-الرواية هي
" رواية كلية و شاملة و موضوعية أو ذاتية، تستعير معمارها من بنية المجتمع، وتفسح
مكان التعايش فيه لأنواع الأساليب، كما يتضمن المجتمع الجماعات والطبقات المتعارضة
جدا"... وهو تعريف مقبول غير إنها اقتصر على مصدر وحيد من مصادر السرد وهو المشار
إليه بتركيب بنية السرد...
٢-الرواية
" فن نثري تخيلي طويل نسبيا ، بالقياس إلى فن القصة ". وهذا تعريف موجز إيجازا
مخلا...
٣-" جنس أدبي
يشترك مع الأسطورة و الحكاية .. في سرد أحداث معينة تمثل الواقع و تعكس مواقف إنسانية،
وتصور ما بالعالم من لغة شاعرية، وتتخذ من اللغة النثرية تعبيراً لتصوير الشخصيات،
والزمان والمكان والحدث يكشف عن رؤية للعالم "...وهو تعريف فيه إضافة جديدة تتمثل
في ربط الرواية بالأسطورة، والحديث عن رؤية الرواية للعالم، ولكن جملة(ما بالعالم من
لغة شاعرية) غير مفهومة!
٤- ويعرفها إدوارد
الخراط بقوله :" الرواية في ظني هي اليوم الشكل الذي يمكن أن يحتوي على الشعر
والموسيقى، وعلى اللمحات التشكيلية، والرواية في ظني عمل حر، والحرية هي التمات و الموضوعات
الأساسية ومن التصورات المحرفة اللاذعة التي تنسل دائما إلى كل ما كتب"...وهذا
مفهوم غريب ويكاد يكون خاصا بهذا الروائي...
٥- وتقول لعزيزة
مريدن عن الرواية :" هي أوسع من القصة في أحداثها و شخصياتها، عدا أنهت تشغل حيزا
أكبر ، وزمن أطول ،وتتعدد مضامينها ، كما هي في القصة ، فيكون منها الروايات العاطفية
، والفلسفية والنفسية والاجتماعية والتاريخية." وهو تعريف مقبول تعليميا يمكن
أن يبنى عليه...
٦-أما معجم المصطلحات
الأدبية لفتحي إبراهيم فنجده يعرف الرواية بأنها:" الرواية سرد قصصي نثري يصور
شخصيات فردية، من خلال سلسة من الأحداث و الأفعال و المشاهد ، والرواية تشكيل أدبي
جديد، لم تعرفه العصور الكلاسيكية الوسطى، نشأ مع البواكير الأولى لظهور الطبقة البرجوازية،وما
صاحبها من تحرير الفرد من رقبة التبعات الشخصية." ...وهو تعريف جيد صالح للتأسيس
عليه...
٧- وعرفت الأكاديمية
الفرنسية الرواية بأنها :" قصة مصنوعة مكتوبة بالنثر، يثير صاحبها اهتماما بتحليل
العواطف و وصف الطباع وغرابة الواقع" . وفي هذا التعريف دقة في لفظة قصة ولفظة
مصنوعة، ولفظة يثير، وهي ألفاظ تدل على طرائق إبداع الرواية..
٨- وهناك من عرف
الرواية بأنها:" مجموعة حوادث مختلفة التأثير تمثلها عدة شخصيات على مسرح الحياة
الواسع، شاغلة وقتا طويلا من الزمن، و يعدها بعض الباحثين الصورة الأدبية النثرية التي
تطورت عن الملحمة القديمة." ....وفيه ربط لفن الرواية بالحياة والأحياء...
واستنتاجا مما
سبق نرى أن الرواية هي تلك المرآة التي تعكس على صفحاتها كل مظاهر الواقع المختلفة،
وهي تجربة فنية منفردة باعتبارها ضربا من الخيال النثري مجسدا في إبداع الكاتب، وفيما
يعالج موضوعا كاملا دون أن تنعزل عن القارئ، الذي تتوجه إليه و قد ألم بحياة البطل
و الأبطال في مراحل مختلفة، والرواية تفتح مجالا واسعا يكشف فيه عن حياة أبطاله وما
يصادفهم من حوادث عبر الوقت الروائي؛ فهي أكثر الفنون الأدبية ارتباطا بالواقع و أشدها
التصاقا بموضوعاته أو مشابهة له .
وأرى أن العمل
الأدبي الروائي ينبغي له أن يحتوي على المعالم الإبداعية الآتي:
١- ينتمي هذا الفن
إلى جنس القصة عند جمهرة الباحثين، وبعضهم يراه جنسا أدبيا عاما تفرعت منه أنواع أدبية
فيها عناصر الرواية الأساسية إضافة إلى عناصر جزئية خاصة ومثيرة ....
٢- يعتمد فن الرواية
في صياغته على اللغة النثرية الحرة سردا ووصفا وحوارا....
٢-يتميز فن الرواية
عن أقرانه وأشباهه القصصية بالكم السردي الكبير والطويل والممتد والمتشابك...
٣- ينبني هذا الفن
من الشخوص المتباينة والطبقات الاجتماعية المتواصلة إيجابيا وسلبيا، رقة وحدة، قربا
وبعدا...
٤- النسيج الحدثي
المكون لهذا الفن ضخم ومثير وجذاب ومشوق..
٥-تهيمن سمة الشمولية
والملحمية في الحكي والرؤية، مع القصد إلى تقديم رؤية من العالم المشاهد وما فيه من
ذوات وآخرين، ومن أساليب تعايش وتجادل بين الأحياء ....
٦- التنوع في المصدر
بين التاريخ والدين والواقع والخيال والاستشراف...
٧- الموضوعية والحيادية
في عرض المضامين وطرح التوجهات المختلفة بين تاريخية واجتماعية ونفسية ودينية وإنسانية
وعاطفية وسياسية وفلسفية ونسوية وذكورية، وتقليدية وتمردية....إلخ
مع مراعاة وجود
ما يسمى رواية السيرة ورواية الشخصية...
٨- الاستمرار في
الجدة والتطور في كل عمل روائي؛ فلا يكاد الروائي يقبل على عمل تقليدي مكرور، وإنما
يقصد مع كل تجربة روائية إلى الإبهار والإدهاش عن طريق اختراع تكنيك طريف، في أي عنصر
من عناصر السرد الروائي، سواء في النسيج الفني أو اللغة السردية...
ومع هذا العرض الأولي
فما زال فن الرواية متطورا
غير ثابت يتغير كل يوم في مفهومه وعناصر بنائه !
0 comments:
إرسال تعليق