نجد التربية الفنية تقف أمام
تيارات واتجاهات تشكل صورة التربية الفنية المعاصرة ، الناتجة عن الخبرات
التراكمية التي مرت بها مراحل تطور التربية الفنية لتشكل الثوابت في المجال مع
مواكبة التطورات والمستجدات في التربية والفن .
إن التميز في التربية وفي الفن
وفي المجالات العلمية الأخرى ذات العالقة يجب أن يمضي يدا بيد من أجل الوصول إلى
دور خالق مبدع للتربية الفنية المعاصرة ويتعدى دور مناهج الفنون مستوى الإنتاج
والإبداع الفني ، إلى أدوار جديدة تتقاطع مع الحياة وأبعادها المختلفة .
نجد أهم دراسة الاتجاهات الحديثة
والمعاصرة في التربية الفنية ويعرف الاتجاه بأنه تيار عام يحرك دفة العملية
التعليمية من أجل النهوض بها وتحسينها وفق المبادئ النظرية وإمكانية التطبيق بمعنى
أخر الاتجاهات المعاصرة في التربية الفنية هي الأفكار التي يتداولها أصحاب
الفنون
فيما ينشرونه من تطلعات وتصو ارت ونتائج تجاريهم
في تدريس الفنون ، ويمكن التعبير عنها بشكل فردي من التدريس خلال أراء العلماء
والمفكرين ، أو بشكل جماعي بحيث تشكل تيار أو اتجاها له وزنه في المجال ، ليشكل
بدوره نظرية أو نموذجا التربية الفنية وفي الوقت نفسه قد تكون تلك الاتجاهات عبارة
عن خبرات دخلت مجال التجربة ولكنها لم تستقر بعد من حيث القبول أو الرفض وفي كل
الأحوال هي تيا ارت تبحث عن أفضل الممارسات في تدريس الفنون ،
إن العالم في تطور مستمر حيث تظهر
فيه نظريات واختراعات واتجاهات في كل مكان ، والتربية الفنية تتأثر بالتيارات
والاتجاهات في ميادين التربية والفن وقد تشكل تلك التيارات ضرورة إنتاج المعرفة من
خلال تلك المناهج وليس الاكتفاء ببث المعرفة في الاتجاهات تحديات للفنانين ومعلمي
الفنون ، وتؤكد أيضا عقول قنانينا وطالبنا .
يُخَيِّمُ الغموضُ في الوعي
الإسلامي المعاصر على وظائف الفنون ومقاصدها بعامة، وعلى وظائف الفنون الجميلة
ومقاصدِها بخاصة. ويمتدُّ هذا الغموض إلى علاقة الفنون بمجملها بمقاصد الشريعةِ
ومكارمها بمجملها. ويتسبب هذا كلُّه في نمو الارتباك والحيرة والنفورِ، أحياناً،
لدى جيل الشباب تجاه مسألة الفن ودوره في الحياة. وفي الوقت الذي يجد فيه هذا
الجيلُ فرصةً كبيرة للانفتاح على مختلف ألوان الفنون والآداب العالمية والمحلية
عبر الوسائط المتطورة لنقل المعلومات،
ومن خلال السياحة والتجوال والمشاهدة المباشرة؛
فإنه يجدُ نفسَه في كثيرٍ من الأحوال، لا يمتلك رؤيةً واضحةً عن هذه الفنون ولا عن
وظائفها، وتغيب عنه أهميتها في الحياة، ولا يستطيع التفريق بين النافع منها
والضار، ولا يكاد يهتدي إلى معرفة موقعها على سُلم أولويات العيش وتكاليف الحياة
اليومية؛ ناهيك عن علاقتها بقيم المرجعية الإسلامية وأصولها المعرفية، ومقاصدها
العامة. وهذا هو لب إشكالية «الفنون الجميلة» تحديداً؛ وهي التي أبحثها هنا في
علاقتها بمقاصد الشريعة.
إن فتحَ باب النظر إلى مقاصد الشريعة من جهة
كيفيات تحصيلها ابتداءً؛ يكشف -ضمن ما يكشف- عن أن «الفن والفنون الجميلة» بكل
صورها داخلةٌ بالضرورة في خدمة المقاصدِ العامة للشريعة؛ ليس باعتبارها وسيلة من
وسائلها فحسب، وإنما باعتبارها تلبية لنداء الفطرة التي فطر الله الناسَ عليها. فبصرُ
الإنسان –مثلاً- إذا كان لا يقع غالباً إلا على مشاهد جميلة، وسمعُه إذا كان لا
يستمع إلا إلى الطيب من القول، وشمُّه إذا كان لا يستنشق إلا الروائح العطرة؛ فإنه
سيتمتع ـ على الأرجح ـ بصحةٍ عقلية ونفسية وبدنية تجعله أكثر إيجابية، وأكثر
إقبالاً على تعمير الحياة، وأعظم محبةً لغيره.
وعمرانُ الحياة من أعظم التكاليف التي عهد بها
الخالق سبحانه إلى الإنسان. أما إذا حدثَ العكسُ، ووقع بصره غالباً على مشاهد
قبيحة المنظر، واستقبل سمعه ما يُسترذل من القولِ، وامتلأت أنفاسُه بالروائح
الخبيثة؛ فإنه سيعاني غالباً من اعتلال في صحته العقلية، وسيئِنُّ من اختلالٍ في
صحته النفسية، ومن ضعف صحته البدنية، وسيعاني كثيرون من حوله معه، وبسببه، وكل هذه
الأحوال والسلوكيات تكرُّ على أصول المقاصد بالتعطيل والِإهدار.
ولستُ معنياً في هذا البحثِ
بالإجابة على السؤال الذي يقول: هل الفنُّ أو الفنون الجميلة حلال، أم حرام؟
مندوبة، أم مكروهة، أم مباحة؟.
ذلك لأنني أعتقد أن مثل هذا السؤال قد تجاوزته
الاجتهادات المعتبرة في الفقه الإسلامي، ولم يعد الجدلُ حولَه ذا شأن. وهناك أدلةٌ
قوية، وتحظى بقبول واسع؛ تؤكد في مجملها على أن القاعدة العامة هي: أن كلَّ الفنون
مباحةٌ ما لم تناقض وحدانية الله تعالى، أو تتعدى على أنبيائه ورسله، أو تمجد
الوثنية ومعتقداتها، أو تدعو إلى الفواحش والرذائل.
إنَّ كونَ الإسلام منهجاً شاملاً
للحياةِ يعني –بالضرورة- أن الفنون والآداب بمختلف أشكالها هي جزء أصيل من هذا «المنهج»؛
ليس هذا فحسب، وإنما ثمة نظرية عامة للفنون (هي غير مكتوبة حتى الآن، ولكن مادتها
موجودة) تضعها في مكانها الصحيح من هذا المنهج الشامل، وتوضح مكانتها باعتبارها
وسيلةً تخدم المقاصد، وباعتبارها مقصداً فطرياً في ذاتها أيضاً.
ولا مجادلة في ذلك؛ وخاصة إذا علمنا أن ميدان
عملِ الفنون الجميلة وحواشيها هو بناء «الوجدان»، وترقية «الذوق»، ومن ثم السمو
بالعواطف والمشاعر، وتغذية «الروح» بما يسهم في تحقيق السكينة والطمأنينة الفردية
والجماعية، وبما يسهم كذلك في شحذِ الهمم للكدح والعمل. وميدانُ الوجدانِ هو ذاتُه
الميدان الأول لعمل رسالة الإسلام في النفس الإنسانية المهيأة بحكم الفطرة
للاختيار بين الخير والشر، وبين النافع والضار، وبين الحسن والقبيح، وبين الهداية
والضلال؛ بل بين الإيمان والكفر.
والسؤال المركزي هنا هو: هلْ خدمت
الفنونُ الجميلةُ المقاصدَ العامةَ للشريعةِ؟. الإجابةُ التي أقترحها في هذا البحث
على هذا السؤال هي: أن كل النظم الشرعية ومؤسساتها التي عملت في خدمة المقاصد
العامة للشريعة قد استفادت من الفنون الجميلة بأنواعها المختلفة؛ بل إن بعضَ هذه
النظم الشرعية (مثل نظام الوقف) أسهمت
بشكلٍ مباشر، أو غير مباشر في إبداعِ كثيرٍ من أشكال الفنون الجميلةِ
وفي تطويرها.
إن نقطةَ البدءِ في تكوين النظرية
العامة للفنون الجميلة هي «القرآن الكريم»، و«سنة النبي» ﷺ، ويليهما اجتهاداتُ العلماءِ على مر الأزمان. وإن «توحيد الله سبحانه
وتعالى» هو محور ارتكاز أي جهد تنظيري في هذا الموضوع على ما ذهب إليه الدكتور
إسماعيل الفاروقي. فالتوجيهاتُ القرآنية
والنبوية بشأن الجماليات والفنون المختلفة تؤكد على أن الفنونَ والجمالياتِ شأنٌ
عام لكل الناس، وتدعوهم لاكتشافه والاستمتاع به، والاستفادة منه، واتخاذه وسيلة
لمعرفة الخالق وتوحيدِه وتمجيده. وقد شجعت آيات الكتاب العزيز وأحاديث النبي
الكريم على ظهور ألوان كثيرة من الإبداعات الفنية والجمالية؛ وكان «المسجدُ» هو
ميدانها الأول؛ لأنَّهُ هو الحيز المادي والروحي للمسلم. ومنه انطلقت إبداعاتُ
الفنون وجمالياتُها في أنواع العمارة المختلفة بما فيها القصور المرفهة، ومقرات
الحكم ومؤسساته؛
حتى إن بعض المهندسين المعماريين
حاولوا محاكاة الأوصاف الجمالية القرآنية للجنة على الأرض؛ وقصر الحمراء بغرناطة
من أشهر الأمثلة على مثل هذه المحاولة!.
وتجلت تلك الإبداعات أيضاً في هندسة النظم
المعمارية المدنية والحربية، وفي كيفيات تخطيط المدن وبناء الأمصار؛ إضافة إلى
أن بعض النظم الشرعية، مثل نظام الوقف كما
سلف القول؛ قد اقتضى تطبيقه إبداعَ كثيرٍ من ألوان الفنون الجميلة وتخليدها، ومن
ثم أسهم في خدمة المقاصد العامة للشريعة.
0 comments:
إرسال تعليق