الرجال
مواقف ، ولكل زمن رجاله ، ولكل دولة رجالها ، ولكل قضية رجالها، وبكل تأكيد لا
أقصد هنا الرجولة التي تقابلها الأنوثة، فهذا شأن آخر يعرفه أهل اللغة .
إنما
الرجولة التي أقصدها هنا تعني المواقف التي لا تنسى من الذكريات ؛ ولن تمحوها
سجلات التاريخ مهما طال الزمان ؛ فهي العطاء، والصلابة فى الحق، وبذل الجهد فى
خدمة الآخرين وطنًا، ومؤسسة وأسرة .
فالرجولة ما هي إلا مواقف عز ترجى عند الأزمات ..
فمن منا لم يسمع أن فلان كان رجل دولة ؛ وذلك مدحا له ولمواقفه وتعبيرا عن عزمه
وإدارته وإرادته وتحمله للمسئولية على أكمل وجه من أجل وطنه وأمته ومجتمعه ..
يقول
الحق سبحانه وتعالى: «مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا
اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا
بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»
فقط
استرجع بكم التاريخ الذى يؤكد ويدلل القول بأن الرجال مواقف والدول تاريخ … ففي
عام 1977م عندما قرر الرئيس الراحل محمد أنورالسادات _ رحمه الله رحمة واسعة _ مبادرته
للسلام وقرر الذهاب لإسرائيل فى عقر دارها ليعقد صفقة سلام مع الكيان الصهيوني بعد
حرب اكتوبر المجيدة عام 1973م، لكي تأخذ
مصر برهة من الزمن ترمم فيه بناها التحتية المتهالكة وتعيد إعمار مدنها التى
استنزفتها الحروب ودمرتها الصواريخ والقنابل ؛؛ وسعى السادات _ رحمه الله _ نحو السلام وتم توقيع إتفاقية (كامب ديفيد) الشهيرة مع مناحم رئيس وزراء اسرائيل ذاك الوقت
وبرعاية الرئيس الاميركى كارتر، وقد اعتبرت كل الدول العربية ان تلك الاتفاقية
خيانة لقضية العرب الأولى فلسطين ومن ثم اتخذت قرارها بالمقاطعة العربية لمصر
والتى اتهمت فيه السادات بالتخبط والفشل والخيانة فى حل ازمات مصر وبيع القدس إلى
إسرائيل ونهب الملايين من الدولارات التى قدمتها الدول العربية لمصر آنذاك ؛ وبناء
عليه تم نقل جامعة الدول العربية من مقرها فى مصر إلى تونس الشقيقة وتعليق عضوية
مصر بها وسحب جميع الأرصدة العربية من البنك المركزي المصري وحل الهيئة العربية
للتصنيع ومنع دخول الصحف المصرية لتلك الدول ولم تكتف بذلك بل تعليق كافة
المساعدات الإقتصادية لمصر لأجل غير مسمى ؛ بل وصل الأمر إلى قطع العلاقات
السياسية والدبلوماسية والإقتصادية مع مصر ؛ والنظر فى أمر اليد العاملة المصرية
بالدول العربية الغنية وباتت مصر فى عزلة شبه تامة عن أشقائها العرب لسنوات عديدة .
وفي
تلك الظروف العصيبة والأزمة الشديدة ؛؛ ظهر السلطان قابوس ( طيب الله ثراه ) ؛
الرجل الشهم ذو ألأيادي البيضاء والأخلاق الرفيعة والرؤية المستنيرة والحكمة
البالغة ؛ وأبى الرجل مقاطعة مصر ؛ بل أعلن بكل شجاعة ودون تردد أن مصر لا تقاطع
ولا تعزل ولا تموت بسبب موقفها، وأكد ايضا استمرار دعمه السياسي والاقتصادي لمصر
حتى يستفيق العرب من قرارهم الظالم الذى استمر من عام 1979م الى العام1989م .
وأكد
ذلك بكل شجاعة فى خطابه بمناسبة العيد الوطنى الرابع عشر لسلطنة عمان فى العام 1984م
؛ الذي كتبه التاريخ في سجلاته بحروف من
ذهب ؛ ونقش في قلوب المصريين ؛ والذي جاء فيه قولته الشهيرة (لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر
كانت عنصر الأساس فى بناء الكيان والصف العربى وهي لم تتوان يوما فى التضحية من
أجله والدفاع عن قضايا العرب والاسلام وانها لجديرة بكل تقدير)
وهل
جزاء الإحسان إلا الإحسان ... فبعد أول زيارة للسلطان قابوس ( رحمه الله رحمة
واسعة ) إلى مصر بعد موقفه النبيل وما ان تطأ قدماه أرض الإسكندرية إلا وخرجت
ملايين الجماهير المصرية عن بكرة أبيها فى أكبر مظاهرة حب شعبية عرفتها الشوارع
المصرية لزعيم غير مصري ؛؛ تحيي وتشكر للقائد الشهم صاحب الموقف الرجولي والسخي من
شعب مصر وليكتظ كورنيش الإسكندرية من قصر المنتزة إلى قلعة قايتباي وبطول يزيد عن
هذا
هو السلطان قابوس _ طيب الله ثراه _ وتلك
هي سلطنة عمان .. فقد أردت أن أنعش الذاكرة كي لا ننسى أو نتناسى أن نعيد الحق
لصحبه والكرم لصانعيه والوفاء لأهله .
فقابوس
اسم سوف يذكره التاريخ، وسيتردد اسمه بحروفه الخمس في كل سجلات العالم ، رجل
السلام الأول ، صاحب مبدأ الوحدة العربية، التي نادى بها، وصاحب الحكمة التي أثبتت
أنه زعيم الحكماء، وحكيم الزعماء، وسيبقى لسنوات طويلة في ذاكرة الشعوب مهما مرّ
الزمان، فالعظماء الخالدون لن ينساهم التاريخ مهما طالت سنواته ....
*كاتب
المقال
( مواطن مصري )
0 comments:
إرسال تعليق