إنَّ جائحة فيروس كورونا لن يُوقفها
إلا المناعة المجتمعية، بتطعيم 70% من سكان المملكة بمعدل 24 مليون شخص.
وتَحول المناعة المجتمعية دون انتشار
الأمراض أيضاً من خلال زيادة صعوبة انتشار المرض، مما يجعل وجود المرض نادراً بصفة
مطردة، وهذا يؤدي أحياناً إلى اختفائه تماماً من المجتمع المحلي
تعبّر "مناعة القطيع"،
التي تُعرف أيضاً باسم "مناعة السكان"، عن الحماية غير المباشرة من مرض
معدٍ التي تتحقق عندما يكتسب مجموعة سكانية ما المناعة من ذلك المرض إما عن طريق
اللقاح أو الإصابة السابقة بالعدوى. تحقيق "مناعة القطيع" عن طريق
التطعيم وليس بالسماح للمرض بالانتشار في أوساط أي شريحة سكانية، لما قد ينتج عن
ذلك من حالات ووفيات لا داعي لها.
وينبغي تحقيق مناعة القطيع ضد كوفيد-19
عن طريق حماية الناس بالتطعيم، وليس بتعريضهم للعامل المسبب للمرض.
ويتمثل دور اللقاحات في تدريب جهاز
المناعة على إنتاج البروتينات التي تكافح المرض، والمعروفة باسم "الأضداد"
أو الأجسام المضادة، تماماً كما يحدث عندما نتعرض للمرض، ولكن الفرق المهم هو أن
اللقاحات لا تصيبنا بالمرض. فالأشخاص الذين يتلقون التطعيم يتمتعون بالحماية من
الإصابة بالمرض الذي يستهدفه اللقاح وكذلك من نقله إلى الآخرين، مما يؤدي إلى كسر
سلاسل انتقال العدوى.
ولتحقيق مناعة القطيع ضد كوفيد-19
بصورة مأمونة، ينبغي تطعيم نسبة كبيرة من السكان للحدّ من العدد الإجمالي
للفيروسات القادرة على الانتشار في أوساط السكان. ويتمثل أحد أهداف السعي لتحقيق
مناعة القطيع في الحفاظ على سلامة الفئات الضعيفة التي لا يمكن تطعيمها (بسبب
حالات مرضية معينة، كالتفاعلات التحسسية إزءا اللقاح) وحمايتها من المرض
وتتفاوت نسبة الأشخاص الذين يتعين
تحصينهم لتحقيق مناعة القطيع بين مرض وآخر. فعلى سبيل المثال، تقتضي مناعة القطيع
ضد الحصبة تطعيم نسبة 95% من السكان. وتتمتع نسبة 5% المتبقية بالحماية لانقطاع
تفشي الحصبة بين أولئك الذين تم تطعيمهم
. أما بالنسبة لشلل الأطفال، فتكفي
التغطية بنسبة 80%. ولا تزال نسبة السكان الذين يجب تطعيمهم ضد كوفيد-19 للوصول
إلى مناعة القطيع غير معروفة. وهو مجال مهم من مجالات البحث ويُرجح أن تتفاوت
النسبة حسب المجتمع واللقاح والمجموعات السكانية التي لها أولوية التطعيم وغير ذلك
من العوامل.
ويساعد تحقيق مناعة القطيع بواسطة
اللقاحات المأمونة والفعالة في تجفيف منابع الأمراض وإنقاذ الأرواح.
تُعد محاولات التوصل إلى "مناعة
القطيع" من خلال تعريض الأشخاص لفيروس ما إشكالية علمية وأمراً غير أخلاقي. فالسماح
لكوفيد-19 بالانتشار بين السكان من جميع الأعمار والأوضاع الصحية سيؤدي إلى تفشي
حالات العدوى والمعاناة والوفيات التي لا داعي لها.
ومازالت الغالبية العظمى من الناس في
معظم البلدان عرضة للإصابة بهذا الفيروس، حيث تشير دراسات الانتشار المصلي إلى أن
نسبة السكان الذين أصيبوا بعدوى كوفيد-19 تقل عن 10% في معظم البلدان.
ومازلنا نكتشف المزيد عن المناعة من
عدوى كوفيد-19. فمعظم الأشخاص الذين يصابون بكوفيد-19 تحدث لديهم استجابة مناعية
خلال الأسابيع القليلة الأولى، ولكننا لا نعرف مدى قوة تلك الاستجابة المناعية أو
استدامتها، أو مدى اختلافها من شخص إلى آخر.
وإلى أن نحقق فهماً أفضل للمناعة من
كوفيد-19، لن يتسنى لنا معرفة نسبة السكان المتمتعين بالمناعة ومدى استمرار تلك
المناعة، ناهيك عن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل. وينبغي أن تؤدي هذه التحديات إلى
استبعاد الخطط التي تحاول زيادة المناعة لدى السكان بالسماح بإصابة الناس بالعدوى.
وعلى الرغم من أن كبار السن والأشخاص
المصابين بحالات صحية كامنة أشد عرضة لمخاطر الإصابة بالمرض الوخيم والوفاة، فإنهم
ليسوا الوحيدين المعرضين للمخاطر.
وأخيراً، ففي حين أن معظم المصابين
بالعدوى يتعرضون لأشكال خفيفة أو معتدلة من مرض كوفيد-19 وبعضهم لا يعاني من أي
مرض على الإطلاق، فإن العديد من الأشخاص يعانون من أعراض خطيرة ويحتاجون إلى دخول
المستشفى. ولقد بدأنا لتونا في فهم الآثار الصحية الطويلة المدى على الأشخاص الذين
أُصيبوا بكوفيد-19، بما في ذلك ما يُسمى "بكوفيد الطويل الأمد". وتعمل
المنظمة مع الأطباء ومجموعات المرضى لتحقيق فهم أفضل للآثار الطويلة الأجل لكوفيد-19.
معظم الأشخاص الذين يصابون بكوفيد-19
تحدث لديهم استجابة مناعية خلال الأسابيع القليلة الأولى التي تلي الإصابة. ومازالت
البحوث جارية لمعرفة مدى هذه الحماية ومدى استمرارها. وتبحث المنظمة أيضاً فيما
إذا كان مدى الاستجابة المناعية واستمرارها يتوقفان على نمط العدوى التي يعاني
منها الشخص، أي إذا كانت عدوى عديمة الأعراض أم خفيفة أم وخيمة. فحتى الأشخاص
العديمي الأعراض تحدث لديهم استجابة مناعية على ما يبدو.
وعلى الصعيد العالمي، تشير البيانات
المستمدة من دراسات الانتشار المصلي إلى أن نسبة الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى
تقل عن 10% من الخاضعين للدراسة، ما يعني أن الغالبية العظمى من سكان العالم
مازالت عرضة للإصابة بهذا الفيروس.
وفيما يتعلق بفيروسات كورونا الأخرى،
مثل نزلات البرد الشائعة، وفيروس كورونا-سارس -1 ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية
فإن المناعة المكتسبة تقل بمرور الوقت، كما هو الحال بالنسبة إلى الأمراض الأخرى. وفي
حين أن الأشخاص المصابين بفيروس كورونا-سارس-2 يكوّنون الأضداد والمناعة، فإننا لا
نعرف حتى الآن مدى استمرار هذه المناعة.
يمكن أن تؤدي تدابير التباعد البدني
الواسعة النطاق والقيود المفروضة على الحركة، والتي يشار إليها عادة باسم "الإغلاق
الشامل"، إلى إبطاء انتقال كوفيد-19 من خلال الحد من المخالطة بين الناس.
ومع ذلك فقد تترك هذه التدابير أثراً
سلبياً عميقاً على الأفراد والمجتمعات المحلية والمجتمعات الأوسع نطاقاً حيث تكاد
الحياة الاجتماعية والاقتصادية تتوقف بسببها. وتؤثر هذه التدابير بشكل غير متناسب
على الفئات المحرومة، بما في ذلك الفقراء والمهاجرون والمشردون داخلياً واللاجئون،
الذين يعيشون عادة في أماكن مكتظة تفتقر إلى الموارد، ويعتمدون لكسب عيشهم على
العمل اليومي.
ويجب على الحكومات أن تحقق أقصى
استفادة من الوقت الإضافي الذي تمنحه تدابير "الإغلاق الشامل" ببذل
قصارى جهدها لبناء قدرتها على اكتشاف جميع الحالات وعزلها واختبارها ورعايتها؛
وتتبع جميع مخالطي المرضى وإيداعهم الحجر الصحي؛ وإشراك المجموعات السكانية
والنهوض بها وتمكينها من توجيه الاستجابة المجتمعية فالشخص المتمتع بمناعة، سواء
من تطعيم أو من عدوى سابقة، غالباً لن يكون حلقة في سلسلة انتشار الفيروس، وهو ما
من شأنه أن يوقف أو يبطئ انتقال الفيروس من شخص إلى آخر،
وبالتالي كلّما زادت نسبة الأشخاص
المتمتعين بمناعة في مجتمع ما، قلّت نسبة احتمالات تعرض من لا يتمتعون بمناعة
للعدوى. وإن كان هذا لا يعني أن مناعة القطيع تعني بالضرورة القضاء التام على
الفيروس، أو حتى أن الجميع سيتمتعون مستقبلاً بمناعة ضد العدوى. ويقدر العلماء
حالياً أنه لا بد من تطعيم ما بين 70 إلى 80 في المئة من السكان، إذا ما كان لنا
أن نبلغ مناعة القطيع ضد فيروس «كوفيد-19».
ومؤخراً، وفي ظل تمكن بعض الدول من
تطعيم عشرات الملايين من سكانها، مثل الولايات المتحدة التي يقدر أيضاً أن أكثر من
ربع سكانها ربما أصبحوا يتمتعون بالمناعة نتيجة العدوى، أو بريطانيا التي تخطى عدد
من تلقوا التطعيم فيها حاجز العشرين مليوناً، أصبح هدف بلوغ مناعة القطيع في تلك
الدول أقرب من أي وقت مضى. ففي الولايات المتحدة، وبعد عام من بدء الوباء، أصبحت
المؤشرات تتجه أخيراً في اتجاه إيجابي، على صعيد عدد حالات العدوى الجديدة، وعدد
من تسبب المرض لديهم في مضاعفات خطيرة تطلبت حجزهم في المستشفيات، كما أن أعداد
الوفيات تشهد هي الأخرى تراجعاً مستمراً، في الوقت الذي يشهد عدد المتوفر من جرعات
التطعيمات زيادة مطردة.
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق