أثرت الأوضاع السياسية والأمنية غير
المستقرة بشكل كبير، فضلاً عن تخفيض قيمة الجنيه، علي التعامل داخل البورصة
المصرية، فزادت خسائر حائزي الأوراق المالية، وهرب أغلب المستثمرين الأجانب،
وانخفض تصنيف مصر الائتماني لعدة مرات، الأمر الذي عكس خشية المستثمرين علي استثماراتهم
في مصر.
أن ثورة 30 يونيو، لم تكن لإسقاط
نظام حكم الإخوان في عام 2013 فقط، بل كانت ثورة لتصحيح مسار دولة، طالب بها شعب
وحماها الجيش، لاستعادة الدولة المصرية بعد اختطافها، وبالفعل تمكن الشعب المصري
من إزاحة الجماعة من الحكم،
وإنهاء حكمها الذي استمر لمدة عام
فقط، من خلال توحد مختلف لأطياف المجتمع، حيث تخلى الجميع عن الخلاف والاختلاف،
لأجل أسمى وهو إنقاذ مصر من براثن العنف والتطرف والإرهاب، والحفاظ على هويتها
وحضارتها.
رسخ حكم مرسي علي مدار عام حالة من
الاستقطاب الحاد، وقسم المجتمع بين مؤيد للمشروع الإسلامي الذي يمثله الرئيس
وجماعته دون أن يقدموا دليلاً واحداً علي هذا المشروع، وبين مناهض له يوصف في أغلب
الأحيان بــ "العلماني". وبدلاً من أن يتفرغ الشعب للعمل والإنتاج، اتجه
إلي التناحر والعراك بين التأييد والرفض.
عمل حكم مرسي وبسرعة كبيرة علي ترسيخ
الأخونة ونشر هذا الفكر رغم تنامي الشعور المعادي له من يوم لآخر.
كثيراً ما تحدث حكم مرسي عن أمر وفعل
نقيضه في الحال، وابرز مثال علي ذلك الحديث عن حماية الأقباط، واستهداف دور
عبادتهم في ذات الوقت.
شهدت مصر خلال عام من حكم مرسي
أعمالاً فوضوية وهمجية غير مسبوقة بعضها كان بتحريض من الرئيس وجماعته كحادث قتل
الشيعة بالجيزة. الهدف الأساسي لحكم مرسي كان الاقتراض من الخارج، سواء من قبل دول
سايرت مشروع قدوم الإخوان للحكم كقطر، وتركيا،
أو من خلال السعي للسير في ركب
التوجهات الغربية عبر إيلاء قرض صندوق النقد الدولي الأهمية باعتباره شهادة حسن
أداء للاقتصاد.
ومع تراجع الناتج القومي جراء عدم الاستقرار
السياسي والأمني، ارتفع حجم العجز بالموازنة، ومن ثم ارتفاع حجم الدين المحلي الذي
شكلت خدمة الدين بسببه عنصراً ضاغطاً إضافيا علي الموازنة. فضلاً عن استهلاك رصيد
الاحتياطي من النقد الأجنبي، وارتفاع قيمة الدين الخارجي بنسبة 30%.
ارتبك الحكم في مواجهة كافة المشكلات
الاقتصادية، فارتفع عدد المصانع المتعثرة، وازداد معدل البطالة بين فئات قطاعات
التشغيل كافة، وتراجعت معدلات السياحة إلي مستوي متدن، وجاءت المعالجة السلبية
لسعر صرف الجنيه لتزيد من الضغوط الحياتية علي المواطنين. وفشل الحكم في تحديد
معدل نمو خلال عام الحكم يمكن الاسترشاد به محلياً ودولياً.
أثرت الأوضاع السياسية والأمنية غير
المستقرة بشكل كبير، فضلاً عن تخفيض قيمة الجنيه، علي التعامل داخل البورصة
المصرية، فزادت خسائر حائزي الأوراق المالية، وهرب أغلب المستثمرين الأجانب،
وانخفض تصنيف مصر الائتماني لعدة مرات، الأمر الذي عكس خشية المستثمرين علي
استثماراتهم في مصر.
جاءت ثورة (30 يونيو) استجابة لمطالب
الشارع المصري في مواجهة نظام لم يحقق آمال وتطلعات الشعب، حيث تميزت عن غيرها من
الثورات باصطفاف مختلف أطياف الشعب، بمختلف فئاته الاجتماعية والسياسية والثقافية،
والتي توافقت ضمنيًا فيما بينها على ضرورة الإطاحة بسلطة هذه الجماعة الإرهابية،
التي وضعت المجتمع المصري أمام خطر اندلاع الصراعات الطائفية والمذهبية.
فمنذ وصول جماعة الإخوان إلى الحكم
في يونيو 2012 برئاسة محمد مرسي، عملت على خلق حالة من الاحتقان والاستقطاب الحاد
داخل المجتمع، وتبنت سياسات تخدم مصالحها وأجندتها الخاصة دون النظر لمصالح الدولة
والشعب، حيث سعت إلى بناء دولة دينية ترسخ مفهوم “الأخونة” ويتم فيها إقصاء وتهميش
الأقباط، وزرع بذور الشقاق بين أبناء الوطن الواحد.
وجاءت ثورة (يونيو) لتثبت أن هذه
الجماعة الإرهابية لم تكن أهلا لحكم البلاد، وتعبر عن رفض الشعب المصري تفكيك وحدة
الوطن والتفرقة بين نسيج الأمة الواحدة.
وصنع شعب مصر، بثورة (30 يونيو) فصلا
في دستور الثورات محفورا في التاريخ الإنساني، حيث ولدت تلك الثورة من قوة الشعب،
ونبعت من إيمانه بوحدته وتكتله، فبرهنت على أن الإيمان والوحدة قادران على التصدي
لقوى الحكم التي خدعت الشعب باسم الدين، فالثورة هي إحدى وسائل الإصلاح، وأداة من
أدوات التغيير، وحين تسد منافذه السلمية تضطر الشعوب إلى ركوب موجة الثورة العالية
ودفع مستحقاتها المرتفعة.
وتابع العالم بدهشة الانفجار
الانشطاري للشعب المصري، الذي جاء نتيجة حتمية ومتوقعة للظروف الموضوعية المشتركة
التي عانى منها المصريون على مدى عام كامل، أذ لم يتحقق فيه التغيير الحاسم
المكتمل والإصلاح الحقيقي الشامل الذي حلموا به في ثورة 25 يناير، حيث كان هدفهم
الثوري الذي تجمعوا حوله هو (عيش حرية عدالة اجتماعية).
وانطلقت الثورة لما تهيأت لها الظروف
المواتية، وامتلكت شروط النجاح، شيء ما عظيم استطاع أن يلم هذه الحشود الغفيرة من
المصريين من مختلف الأعمار، وحركها في إرادة واعية لطلب التغيير، تجميع الشعب في
كتلة بشرية واحدة، تحولت إلى قوة ضرب حاسمة غير قابلة للتردد ولا للانشقاق أو
التفتيت، فلم يكن لأحد أن يحرك الشعب ما لم تتحرك فيه دوافع تستجيب لحاجاتها
وقناعاتها، وتجسد آمالها وتطلعاتها.
تولدت إرادة التغيير لدى الشعب من
الإيمان بهدف واضح بلغ في النفوس درجة اليقين، وكان الهدف هو المطالبة بالرحيل،
وجاءت قوة التغيير من اتفاق أكثر من 30 مليون مصري على هذا الهدف، وحدة الهدف
ووضوحه هما ما منحا الشعب التماسك والتكتل المطلوب لنجاح ثورته.
واستطاعت الثورة أن تركز هذه الحاجات
في جملة واحدة هي (أرحل) وتجمعت غايات المواطنين المتفرقة، ومطالبهم المختلفة
حولها، فقد برهنت لهم خبرتهم العميقة وتاريخ المعاناة الطويل أن “النظام” هو
المسئول الحقيقي عن المعاناة التي يعيشوها، وعن الانتهاكات الصارخة للحقوق
والمقدسات، وعن تهديد المواطنين في أمنهم وقوت أولادهم وعقائدهم.
وبلغت الثورة أقصى ثقلها الواقعي
عندما تجسدت في شخص الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك، الذي تبنى
الثورة، وبادر إلى التضحية والبذل في سبيلها، وجسد هدفها في صور واقعية حركت حزب
الكنبة، واستطاع الشباب أن يقدموا النموذج الجدير بالاحتذاء إلى شعوبهم، فكان
التكتل والتمرد، وبدأت الإرهاصات من القمة وتبنته القاعدة الشعبية العريضة، فحظى
مبدأ الثورة في لحظة انفجرت فيها إرادة المصريين.
التضحيات بالنفس والآلام التي شعر
بها الأغلبية من المصريين كانت قوة إيجابية تعادلت مع قوة اليقين بالنصر والأمل
بالمستقبل، والاعتقاد الراسخ بالقدرة على تحقيق الإنجازات، حيث تكفلت إنجازات
الثورة ومكاسبها على الطريق بمدها على مدى سنواتها السبع بالوقود والطاقة اللازمين
لامتداد مساحتها سنوات وسنوات وجذب أنصار جدد لها. إن 30 يونيو 2013 أسقطت احتلال
الإخوان لمصر، وكشفت عن الوجه القبيح للجماعة الإرهابية أمام العالم.
وللإطاحة بالتحديات السابقة؛ جاءت
ثورة 30 يونيو 2013، مطالبة بسقوط حكم الإخوان، واستعادة الدولة المصرية بعد
اختطافاها من أيادي الشر، وبالفعل نجحت إرادة المصريين في إزاحة ستار الظلام
والعنف التي وُصمت بها الدولة المصرية بعد أن ارتكبت جماعة الإخوان الكثير من
الخطايا والجرائم للإضرار بأمن الوطن ووحدة وسلامة أراضيه.
ونجحت ثورة 30 يونيو في إفشال
المؤامرات الدولية التي كانت تحاك لتقسيم مصر ومحاولة تفكيك الجيش وخلق فوضى خلاقة
في البلاد، وانتصرت الثورة لإرادة المصريين في 3 من يوليو 2013 بعد فترة حكم عصيبة
للجماعة الإرهابية، واستطاع الشعب المصري ومعه قيادة مخلصة أدركت خطورة ما يحاك
للوطن أن يكتبوا ” الخلاص” للوطن من حكم الإخوان الذين مارسوا كل السياسات
القمعية، وأضروا بمصلحة البلاد.
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق