عندما تم الاعلان في الحادي عشر من كانون الاول العام 2020، أن المغرب و(اسرائيل) اتفقا على تطبيع العلاقات بينهما. وان المغرب و(اسرائيل) اتفقا على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة في إطار الاتفاق. لم يكن الخبر غريبا على الاقل بالنسبة لي وان ادعي المعرفة بقضايا المغرب كوني مختص بهذا الشأن. فالمغرب احتفظت بعلاقات مع (اسرائيل) تمتد لعقود. فضلا عن توافر عدة دوافع بالنسبة للمملكة المغربية تجعل من عملية تسريع اقامة علاقات كاملة مع (اسرائيل) في هذا الوقت تكاد تكون مناسبة بعد ان برزت الظروف المواتية لذلك على المستوى الدولي والاقليمي.
فعلى صعيد الدعم السياسي والدبلوماسي شكلت مجموعة من القضايا, والتي عدت بعضها المملكة المغربية قضايا مصيرية, نقطة التقاء أو نقطة تقاطع مع دول العالم في السياسة الخارجية للمغرب. كقضية الصحراء الغربية, اذ يبرز وبشكل واضح التخوف المغربي من احتمالية خسارة الدعم الأمريكي والدولي لقضياها الوطنية أو السيادية في حال أبدت بعض التراخي في دعمها للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة او تراجع مستوى علاقاتها مع (اسرائيل). اذ لم تتجاهل (إسرائيل) قدم علاقاتها مع المغرب فقدمت دعمها على كافة الأصعدة لمصلحة المغرب, عبر اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والبنوك والشركات الاستثمارية اليهودية في العالم لمساعدة المغرب لضم الصحراء الغربية, فضلاً عن تقديم الأموال اللازمة لإقامة مشاريع استثمارية في الصحراء , لدعم استقرار الملكية المغربية.
وقد يكون من اسباب موافقة المغرب لإعلان التطبيع التطورات الاخيرة في معبر الكركرات في الصحراء الغربية, اذ قامت "جبهة البوليساريو" المدعومة من قبل الجزائر بإغلاق معبر الكركرات في نوفمبر الماضي باعتباره شريانا اقتصاديا دوليا مهما للنقل التجاري بين أوروبا وأفريقيا .حيث إنها وجدت نفسها ليس في مواجهة المغرب فقط بل في مواجهة مع العالم.
بعد تدخل القوات المغربية لإعادة فتح الطريق، سارعت "جبهة البوليساريو" إلى إعلان انسحابها من اتفاقية وقف إطلاق النار، الموقعة منذ العام 1991, والعودة للعمل المسلح، ليشهد الجدار الأمني العازل اشتباكات متقطعة بين الجانبين. مما افقد جبهة البوليساريو التعاطف الدولي الذي كانت تحوزه, فضلا عن تراجع موقع الجزائر الدبلوماسي المؤثر(الداعم الاكبر لجبهة البوليساريو) في الخارطة السياسية. في مقابل دور اكثر تأثيرا للمغرب عربيا ودوليا. فالمغرب المدعومة خليجيا اقامت علاقات قوية تكاد تكود مصيرية مع دول الخليج الى حد دعوة دول الخليج للمغرب ليكون ضمن دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد احست المغرب بإمكانية عودت الحرب على حدودها الجنوبية وربما دخولها في دوامة حرب استنزاف وحروب عصابات قد تستمر لسنوات وهو ما لا تريده في وضعها الاقتصادي الحالي مما يقودنا الى التطرق الى الدعم الاقتصادي, فالمغرب يعتقد ان الحل لمشاكله الاقتصادية يكمن في الاقتراض من صندوق النقد الدولي والدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة, ولسيطرتها على مصادر التمويل الخارجي كصندوق النقد الدولي وغيره, والتي تمنح القروض والمساعدات المالية للحكومات التي تكون اقتصاداتها بحاجة إلى هذه القروض وحسب مواقفها من القضايا التي تهم السياسات الأمريكية وبحسب ولائها لها. فالمغرب لا يزال يتسلم مساعدات اقتصادية من الولايات المتحدة سنويا فضلا عن مساعدته على إعادة جدولة ديونه الخارجية. لذا سيكون للعلاقات مع (اسرائيل) الاثر البالغ في دعم مطالب المغرب الاقتصادية وتقديم القروض اللازمة لتنشيط الاقتصاد المغربي وتجاوزه الازمات.
هذا الى جانب دوافع تتعلق بالشأن الداخلي المغربي كالحالة الاقتصادية والبطالة واحزاب المعارضة ونشاط الاحزاب الدينية. ودوافع اخرى تتعلق وبطبيعة النظام المغربي وامكانية استمراره في حكم المغرب في ظل التغيرات التي طالت اغلب الانظمة السياسية الحاكمة في المنطقة, الى جانب اسباب تتعلق باستراتيجية الحرب على الارهاب والدعوة الى بناء شرق اوسط جديد وبناء تكتلات اقتصادية جديدة, تواجه الخطط الصينية والروسية الى النفاذ الى دول افريقيا بشكل عام, ودول الشمال الافريقي على وجه الخصوص.
*كاتب المقال
أستاذ بجامعة بغداد
0 comments:
إرسال تعليق