بحماس وحيوية فارقت فراشها في جوف الليل ، بدأت تتحسس خطواتها خشية إيقاظ رضيعها ، وهمت لتجهيز حالها والإستعداد والتأهب للمغادرة..
وكانت قد أعدت مستلزماتها مسبقا من ليلة أمس ....
وبعد دقائق من إفاقتها سمعت آذان الفجر يؤذن للصلاة ،فذهبت وتوضأت وصلت الفجر .
أخذت تردد كلمات وهي شاردة العقل وغارقة بالتفكير ،
كانت تقول ودموعها تعزف على أوتار حروفها ولحن كلماتها..
توجهت ياسيدي إليك وأدنو
أنا يا إلهي لن أشكو من حالي
فنعمك تخجلني أن أشكو
ألوم نفسي من دمع سيال
فلا تؤاخذني بما أغفو
هذبت نفسي بالزهد عن المال
وصبرت لأني لجنتك أرنو
أسعى لعفوك بكرمك المتعال
فرغت من مناجاتها النابعة من أعماق قلبها والدمع يتقطر ويتساقط مع كل حرف وتنهيدة تضرع لله.
وقفت على باب شقتها وفجأة وجدت دقات قلبها تتعالى وتتزايدعن منسوبها الطبيعي ..
رجعت لتطمئن على صغيرها ،فوجدته ملاكا يتنعم بهيام وبراءة في فراشه ، فقبلته وانصرفت .
اتجهت إلى محطة القطار منتظرة قدوم قطار متجها إلى الإسماعيلية للقيام بمهمة طلبها منها رئيسها بالعمل ( فهي تعمل بمجال الصحافة) ..
وأخيرا جاء القطار وكان زمن الرحلة يتعدى الثلاث ساعات تقضيها بالخلود بالنوم حتى إقتراب وصولها ..
كان هذا اليوم على غير العادة من تهافت وهجوم الراكبين ،لدرجة أنها لن تتمكن من مجرد الجلوس .
وقفت وسط الحشود الهائلة تحاول عدم الإحتكاك بأحد ،ولكن محاولاتها باءت بالفشل ، وسلمت بالوضع الشائك إلى أن يأمر الله بفرج قريب..
وإذا بشخص لا يلفت نظراته عنها ومحاولة التقرب من مكانها ، وفجأة شق زحام متلاحم الأجساد ، وأصبح بجوارها تماما .
إنتابها ذعر وفزع من تحديقه الخالي من أبجديات الأخلاق.
بدأ يستثير غضبها بكلامه ، ما اسمك ؟! من أين تأتين ،وإلى أين تتجهين ؟!
وفجأة...
بدأت تصرخ في وجهه ؛ من كبت غضبها منه.
التفت الراكبون إلى مصدر الصوت العالي وبدأوا يتبادلون الأدوار في توجيه أبذأ الألفاظ والعبارات لذاك الشخص ،.
وأخيرا ...
منّ أحدهم وتكرم وتعطف وتنازل عن مقعده لها بعدما اقتربت أنفاسها من مغادرة رئتيها من الاختناق والانفعال.
وحمدت الله أنها أخيرا ستجلس ماتبقى من الوقت.
أغلقت عيناها وسبحت ببحر حيرتها وقلقها على إبنها ،هل فاق من نومه ؟ وهل سيسمعه أحد إن بكى أو صرخ ؟
فقد كانت عندها جارة مجاورة لشقتها ترعى إبنها وقت العمل ؛ مقابل مبلغ مادي متفقين عليه سويا.
ومجرد غفوتها لحظات إذا بهاتفها يوقظها ، فقد كان زوجها يتصل بها كي يطمئن عليها وعلى إبنهما.
كيف سترد عليه ؟!!!
كان هذا هو سؤالها لنفسها ؛ فهو مسافر للعمل بالخارج ،ولا يعلم شيئا عن أنها تعمل ...
تركت الهاتف يرن ولم تجبه ..
وبدأت تحاول نسج قصة محكمة لتخبره بها إذا اتصل مرة أخرى.
واسترجعت حالها مع وليدها ،بلا دخل مادي تستطيع التعايش به ،
قد سافر زوجها وكان يرسل لها القليل من المال لا يكفي مصاريفها وعندما شكت له قلة ما يرسله ؛ نهرها وقرر تقليل المبلغ أكثر مما هو عليه..
ومنعها من الخروج ولو لزيارة أهلها؛ حتى لا تخبرهم بحالها..
وهنا قررت الخروج للعمل دون معرفته .
وأخفت عليه الأمر .
رن الهاتف مرة أخرى ، وزاد اضطرابها النفسي ..
هل تخبره بأنها تعمل؟! أم تغلق هاتفها إلى أن تغادر القطار؟!
وبعد تفكير ، أغلقت هاتفها
واقترب القطار من محطة الإسماعيلية الجميلة ..
وباضطراب منها أسرعت إلى الباب تتعجل النزول من القطار..
نظر للرجل الذي صرخت بوجهه .
وبصوت خافت جدا قالت له..
أرجوك سامحني إن كنت أخطأت بحقك..
أنا والله لا أحمل لك أي غضب أو بغض..
أرجوك سامحني يا أخي..
إلتفت إليها الرجل وهو لا يصدق مايسمعه منها.
وبدأ الناس ينظرون إليها بتعجب من موقفها.
وقبل استقرار القطار بمكانه تماما ، وقبل احتضان عجلاته لقضبانها ،نزلت منه ..
وسقطت تحت القطار واحتضنت عجلاته ونالت حتفها وتهشم رأسها وتلاشى جسدها على امتداد القضيب وتحطم هاتفها ...
تعالت الصرخات والعويل والنواح حتى أسمعت طيور السماء نبأ وفاتها
وتمزقت كل الأوراق التي يمكن أن يستدلوا على شخصيتها منها.
ماتت ومات خبرها عن أهلها..
وما من أحد يمكنه معرفة من كانت ؟؟؟؟؟
ومن أين أتت وإلى أين كانت تتجه ؟؟؟؟؟
الله أعلم بحالها ...
وبعد أيام مكثها ذلك الرجل ( الذي كان يحدق بها ) بالمستشفى بسبب انهياره مما رأى
إذا به يحكي ما حدث لأحد أقاربه ويصف ملامحها له ، فوجىء بأنه يعرفها ، وأن أهلها يبحثون عنها بكل مكان.
وقد إتهموها بالهرب وطعنوها في شرفها وسمعتها .
ذهب الرجل لأهلها وقص عليهم ما قد كان وعلى قدر حزنهم كانت فرحتهم واطمئنانهم على أنها لم ترتكب أي خطيئة..
فأقاموا عزائها وهم مرتفعين القامة ومن وقتها أصبح هذا الرجل ذا شأن عال عند الجميع .
عذرا على الألم الذي قد أكون سببته لكم.
ولكن هل يمكن أن أعلم من حضراتكم ما مدى إستفادتكم من تلك القصة..؟
ووضع عنوان مناسب للقصة حسب ما ترونه مناسبا للأحداث ...
تحياتي لحضراتكم..
إلى اللقاء مع قصة أخرى ..
0 comments:
إرسال تعليق