وإن مفهوم تضارب المصالح قد يختلط بمفهوم الفساد الاداري إلا أن الأخير يستغرق الأول حيث أن الفساد الاداري هو عبارة عن مفهوم له أشكال وأنواع ومظاهر متعددة ومنها تضارب المصالح , ولذلك فإن مفهوم الفساد يشترك مع تضارب المصالح من حيث الأهداف والغايات حيث يتعلق بإهمال المصلحة العامة لتحقيق مصالح شخصية كما أن تعارض المصالح يشترك مع مفهوم الفساد في مظاهره السياسية والمالية والادارية والأخلاقية ,
ويشترك مع أنواع الفساد من حيث الحجم في الفساد الكبير والصغير وفقا لدرجة الموظف الوظيفية ومن حيث الانتشار فساد دولي ومحلي وكذلك من حيث جرائم الفساد الخاصة بالرشوة والمحسوبية والمحاباة والواسطة ونهب المال العام والابتزاز ومن حيث الاسباب الاجتماعية كالأسباب التربوية والاقتصادية والسياسية وضعف صياغة القانون وغموضه الأمر الذي يؤدي إلى عدم القدرة على تنفيذ القانون، ويتشابه أيضا من حيث الآثار والنتائج المترتبة على الفساد وطرق علاجه، لذا فهناك صعوبة في التمييز بين الفساد وتضارب المصالح،
إذ أن تضارب المصالح يعتبر من التدابير الوقائية لمنع الفساد فهو الجانب الوقائي لمكافحة الفساد , وبالنتيجة فإن التمييز بين تضارب المصالح كصورة من صور الفساد يتمثل بالنصوص القانونية التي تبين الصورة الحقيقية لتضارب المصالح إلا أن لتضارب المصالح صور خفية لم يتمكن القانون من التعرض إليها إلا عبر مفاهيم أخرى مثل التحيز والواسطة والمحسوبية إذ أن علاقات المعرفة والواسطة والاتصالات الهاتفية وفيتامين دال والنفوذ وتدخلات السياسيين والاقتصاديين وأصحاب النفوذ والمجاملات
وعلاقات القرابة والعشيرة قد يصعب ترجمتها قانونياً , لذا تظهر الحاجة إلى إيجاد معيار موضوعي للحكم على صحة القرار الاداري بحيث أن مصدر القرار ما كان من الممكن أن يتخذ هذا القرار وفقا لسلطته التقديرية ما لم يكن محكوماً بهذه الاعتبارات وهل استخدم سلطته التقديرية بما يحقق العدالة والأحكام الموضوعية القانونية فإن حاد عن هذه الأحكام وجافى العدالة والمنطق فإن القرار يكون معيب بعيب الانحراف باستخدام السلطة مما يرتب عليه إلغاء القرار الاداري بأثر رجعي .
يعتبر تضارب المصالح وجه من أوجه الفساد، ونجد أن له حضور قانوني في النظام القضائي فيما يتعلق برد القضاة لعدم الحيدة، ولتعارض المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ولقد كشف الربيع العربي والعولمة الاقتصادية عن تزاوج الثروة والسلطة،
ولذلك فإن الحد من تضارب المصالح يعزز من الديمقراطية وشرعية الدولة، ويندرج مفعوم تضارب المصالح في إطار التدابير الوقائية للحد من الفساد، باعتباره انعكاس للممارسة الجيدة للحكم ومؤشر على الالتزام القانوني بمكافحة الفساد،
حيث أن موضوع مكافحة الفساد يرتبط بعملية التنمية لما له من أثار اقتصادية واجتماعية في الدولة ويعتبر مصلحة عليا للحفاظ على شرعية النظام السياسي، في إطار فهم حقيقي لتضارب المصالح من أجل خلق وعي قانوني بالبناء القانوني، اذ ان التصور الثقافي السائد في يتمحور في علاقات النفوذ والمعرفة، والواسطة، والمحسوبية وعلاقات القربى والجوار والسكن والمنطقة، وعلاوة على الهوية الوطنية بدوي فلاح، مسلم مسيحي، فلسطيني مصري وبما يقسم الهوية إلى هويات فرعية وبالنتيجة صراع داخل الهويات الفرعية ومع الهويات الخارجية , مما يجعل من هذا المقال يمثل صراع القيم والأخلاق الوظيفية من مفارقات متعددة هي المصلحة العامة والشخصية من الثقافة السائدة وثقافة انفاذ القانون ،
وعلاوة على ذلك فإن الصراع يتمثل بين النخب السياسية والاجتماعية والقضائية والدينية ومستويات المشاركة السياسية والحراك السياسي والمجتمعي وبما لذلك من تأثير على مدى اتفاق المنظومة القانونية المصرية مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد
إن مصطلح تضارب المصالح يعتبر إشكالية بحد ذاته من حيث المفهوم وتحديده وتحديد صوره، وهو يتوافق ويتقاطع ويتعارض مع مصطلحات أخرى مثل مبدأ التنافي للمصالح، وتماثل المصالح، الفساد، الحياد، الشفافية، الكشف المسبق للمعلومات والكسب غير المشروع وقواعد الافصاح، وإن موضوع تضارب المصالح العامة والشخصية قد يكون واضحا في علاقات الزواج والقرابة والمصالح التجارية،
إلا أن تضارب المصالح يكون خفياً في علاقات أخرى مثل العشائرية الاقليمية والجهوية والواسطة والمحسوبية والتحيز، والصراع الطبقي ولذا فان مفهوم تضارب المصالح يعني أعلاء الشأن الخاص على المصلحة العامة وذلك عبر المحسوبية بتقديم العلاقات الذاتية والاجتماعية والمصلحية على الاعتبارات الموضوعية.
وبالتحيز وذلك بإسقاط الاعتبارات الموضوعية والميل لاعتبارات شخصية ذاتية وبالواسطة بتقديم أمر غير محق على الحق الأجدر بالرعاية بسبب النفوذ والمعرفة.
وإن الدولة تستند إلى وسائل متعددة بشرية ومالية وقانونية لتنفيذ أهدافها وغاياتها، وتعتبر القرارات الادارية هي امتياز ووسيلة قانونية لتحقيق المصلحة العامة وإن اتخاذ القرار الاداري هو عمل يومي متكرر وينطوي على جانب من الأهمية ويعبر عن الدولة القانونية ومدى خضوع الادارة لأحكام القانون، وإن توافر مصلحة شخصية لمصدر القرار هو أمر يعيب القرار ويعدم مشروعيته القانونية لأنه لا يكرس العدالة المجردة عن النزعات والميول الشخصية
إن تضارب وتعارض المصالح ومبدأ التنافي والنزاهة والحياد تعتبر مترادفات لغوية لذات المعنى، وورد مفهوم تضارب المصالح في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد كصورة من صور الفساد والذي يوجب على الدول تضمينه في تشريعاتها الوطنية وبشكل يحد من الفساد،
فقد عملت الدول المختلفة على اصدار تشريعات مختلفة في تضارب المصالح إذ نهج المشرع العماني والمصري على اصدار قانون خاص بتضارب المصالح، وفي الدول الغربية مثل بريطانيا ورد تضارب المصالح في مدونة السلوك البرلماني تعارض المصالح، بأنه الوضع أو الموقف الـذى تتأثـر فيـه موضوعيـة واسـتقلالية قـرار الموظـف في الوظيفـة العامـة بمصلحـة شـخصية ماديـة أو معنويـة تهمـه هو شخصياً أو أحد أقاربه أو أصدقائه المقربين، أو عندما يتأثر أداؤه للوظيفة العامة باعتبارات شخصية مباشرة أو غير مباشرة أو بمعرفته بالمعلومات التي تتعلق بالقرار.
الصورة الأولى: -اتخاذ قرارات إدارية ومالية ترتبط بمصلحة خاصة بالموظف، ومنها على سبيل المثال: -· أن يكون للموظف أو لأحد أقاربه أو أصدقائه المقربين مصالح مالية أو غير مالية مباشرة أو غير مباشرة، في الموضوع محل اتخاذ القرار سواء كان منفرداً أو بالاشتراك مع آخرين، مما يثير الريبة في موضوعيته حين ممارسته لمسئوليات وظيفته وواجباتها.
· مشاركة الموظف في أي عمل تجارى أو مهني يكون فيه تعارض في المصالح بينه وبين الجهة التي يعمل بها.
· استغلال الموظف لوظيفته لتأمين مزايا أو امتيازات غير مبرره لنفسه أو غيره.
· إجراء التفاوض أو الشراء أو التعاقد ليتوافق ومصلحته الشخصية على حساب العامة. الصورة الثانية: -الوساطة أو المحاباة لخدمة أشخاص من الأقارب أو المعارف لتحقيق مصلحة أو تسهيل مهمة ليست من حق المستفيد أو الهروب من مسئولية أو تجاوز للقانون.
الصورة الثالثة: -تعيين الأقارب أو الغير ممن لديه مصلحة معه في الجهات العامة التي له سلطة اتخاذ القرار بها أو الجهات المرتبطة بجهة عمله.
الصورة الرابعة الانتقال من الوظيفة العامة إلى وظيفة بالقطاع الخاص ترتبط بوظيفته السابقة. الصورة الخامسة: -الامتناع عن القيام بواجبات وظيفته أو تأدية خدمة أو مصلحة عامة مجاملة لنفسه أو لغيره. بعد الإفصاح عن أي تضارب محتمل من قبل أي شخص صاحب مصلحة،
فالقانون يعتبر كل حالة من الحالتين جريمة قائمة بذاتها مستوفية أركانها الثلاثة (الشرعي طالما نص عليها) والمادي والمعنوي، ويعتبرهما وحدهما دون غيرهما، يشكل كل منهما جريمة فساد.
ولنبدأ بالحالة الثانية المجردة من أي عمل أو امتناع عن عمل اعتمادا على تعريف للقانون لتعارض المصالح بأنه: "كل حالة يكون للخاضع منفعة أو فائدة أو مصلحة مادية أو معنوية تتعارض مع ما يتطلبه منصبه أو وظيفته من نزاهة واستقلال وحفظ المال العام أو تكون سببا لكسب غير مشروع لنفسه أو لغيره".
ولكن يظل الأمر حالة والجريمة فعلا أو امتناعا عن فعل يجرمه المشرع إذا ترتب عليه تحقيق هذه المنفعة. وإن تضارب المصالح يتعارض مع مفهوم تمثيل المصالح، اذ أن مفهوم تمثيل المصالح يتعلق بوجود مصالح عامة ومهنية للمشاركة في اصدار القرار الاداري بحيث تلعب دورا هاما في الحياة الادارية للمجالس واللجان المتعددة التي تعمل على مستويات ادارية مختلفة وبذلك دخل مفهوم تمثيل المصالح في إطار السلوكيات الادارية والسياسية،
إذ أنه يتعلق بمصلحة عامة وليس مصلحة شخصية التي تعتبر جوهر مفهوم تعارض المصالح، إذ أن تمثيل المصالح هو شرط لنجاح الدولة للتدخل في المجال الاقتصادي والاجتماعي وبما يساعد على عملية المشاركة في اتخاذ القرار الاداري وسهولة تنفيذه،
0 comments:
إرسال تعليق