عادت السيدة" صفية" ذات الثلاثين عاما والتي تعمل مدرسة فيزياء في مدرسة بقرية مجاورة إلى بيتها في تلك المدينة التي تسكنها.. الأستاذة "صفية" تعاني يوميا في المواصلات، تستيقظ مبكرا، تسير على قدميها ما يقرب الكيلومتر إلى أقرب محطة سرفيس، تستقل الميكروباص إلى موقف السيارات ومن هناك تستقل سيارة ميكروباص تكتظ بالركاب إلى تلك القرية. القرية ليست على الطريق العمومي مما يفرض عليها أن تركب إحدى مواصلتين: إما التوك توك أو تنتظر سيارة نصف نقل لا نِمَر لها ولا أوراق، يُحشر الناس بداخلها مسافة كيلومترين. مرات اضطرت الأستاذة "صفية" إلى ركوب جرار زراعي أو عربة "كارو" حين لم تجد وسيلة نقل أخرى. السيدة "صفية" ذات الوجه القمري والجسد الممشوق والتي ارتبطت بالدكتور "ماجد" كانت تعتني بمظهرها أيّما عناية، كانت تخشى أن يعلق بثيابها شيء من الأتربة، بعد سنوات من الزواج لم يعد هذا الأمر يمثل لها شيئا، كل ما يشغلها أن تصل المدرسة في الموعد المحدد، وأن تعود مبكرا إلى منزلها لتتمكن من إعداد الغداء إلى زوجها الذي اعتاد أن يجدها في انتظاره بابتسامتها التي تضيء وجهها، يطبع قبلة خاطفة على شفتيها، تساعده في استبدال ملابسة وتتركه يتجه صوب السفرة التي تأخذ جانبا صغيرا من الصالة ثم تهرع إلى المطبخ وتجلب الأطباق تباعا، ترصها أمامه وهي تسأله عن أخبار شغله، فيرد بكلمات مقتضبة تفيد بأن كل شيء على ما يرام، وما إن يفرغ من طعامه حتى تسارع بجمع الأطباق وتلقي بها في حوض المطبخ وتعدل من هندامها وتغسل يديها جيدا من أثر الطعام وتعاود وتتشممها مجددا ثم تلحق به لتشاركه المخدع وتُدْخل عليه السرور والمتعة حتى إذا ما أخذ حاجته منها خلد إلى النوم، بينما تنهض هي إلى مطبخها تصارع الأطباق التي تكدست والإرهاق الذي حل بها..
ما حدث اليوم لم يكن مجرد حدث طارئ واستثنائي لانقطاع الغاز عن الشقة بل هو أيضا يوم استثنائي في حياتهما الزوجية التي أكملت عامها الخامس، أمضت الأستاذة "صفية" يومها كعادتها لكنها حين عادت منهكة وجدت الغاز مقطوعا عن شقتها، بعد اتصال مع جارة لها علمت أن الغاز مقطوع عن المنطقة، انتظرت لبعض الوقت في شرفة منزلها المتربة، حدثتها نفسها أن تستفيد بالوقت في تنظيف الشرفة، منذ زمن لم تعتني بها، كانت قد ألقت الورود الى القمامة بعد أن جفت، وجعلت من الأصص الفخارية خزائن لمشابك الغسيل، لقد ظنت يوما أن بإمكانها أن تجعل من الشرفة مكانا رومانسيا يجمعها به. تنهدت في حسرة، عدلت عن فكرتها وأطلت بوجهها تتابع الشارع والمارة، تترقب ما يفيد بإصلاح العطل وعودة الغاز، غير أن الغاز لم يعد، مَن عاد هو زوجها الذي لم يتحمل يوما مختلفا في حياتهما. احتد عليها، راحت تخبره أن الأمر طارئ ولا يستدعي كل ذلك، غير أنه تمادى في غضبه، وحين اعترضت قذفها بيمين الطلاق وسط دهشة عَلت وجهها للحظات قبل أن تمسح دمعة باغتتها وتستبدل الدهشة بابتسامة.. رمقته باستخفاف ثم استدارت وراحت تنفض غبارا كان قد علق بملابسها.
**كاتب القصة
كاتب وقاص مصري
0 comments:
إرسال تعليق