" قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي
" ٢٥-٢٨ سورة طه"
أواصل بحول الله وقوته الحديث حول البسملة
الشريفة وحول الاختلاف الوارد في الروايات، وحول اجتهاد السلف من المجتهدين في
أمرٍ قطعيّ ٍ تسبب تركه في إحداث العديد من المبهمات التشريعية القطعية، وفي إحداث
البلبلة التعبدية في الصلوات الخمس حول قول الله تعالى { بسم الله الرّحمٰنِ
الرّحيم }
*- أهي آيةٌ مفردةٌ في القرآن الكريم في كل سورة
؟
*-
أوأنّها جزءٌ من آيةٍ تسبق كل سورة.
*- أو أنّها آيةٌ في سورة الفاتحة فقط وليست آية
في بقية السور؟
*- أو أنّها آيةٌ مستقلةٌ عن السّور تسبق كل
سورةٍ لعظم شأنها ومرتبتها ؟
*- أو أنّها ليست آية بتاتًا لا مستقلة، ولا في
الفاتحة، ولا في أيّة سورةٍ أخرى، بل وردت للفصل بين السورة والسورة حين التنزيل،
لذلك يكره ذكر البسملة في الصلوات الخمس المفروضة !.
وأترك بين يدي القارئ الكريم تفصيل ما ورد ذكره
أعلاه :
أولاً: الجهر بالبسملة من سورة الفاتحة في
الصلاة، اختلفوا فيه على أقوال:
القول الأول: ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه تسن
قراءة البسملة سرا في الصلاة السرية والجهرية، قال الترمذي : وعليه العمل عند
أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين ، ومنهم
أبو بكر وعمر وعثمان وعلي [1] . وهذا ما حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود وعمار بن
ياسر وابن الزبير ، والحكم ، وحماد ، والأوزاعي ، والثوري ، وابن المبارك, وروي عن
أنس رضي الله عنه أنه قال : " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم "[2]، وقال أبو
هريرة " كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجهر بها [3] ".
القول الثانى: ذهب الشافعية إلى أن السنة الجهر
بالتسمية في الصلاة الجهرية في الفاتحة وفي السورة بعدها. فقد روى ابن عباس رضي
الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ولأنها
تقرأ على أنها آية من القرآن بدليل أنها تقرأ بعد التعوذ فكان سنتها الجهر كسائر
الفاتحة [4].
قال النووي : الجهر بالتسمية قول أكثر العلماء من
الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء والقراء ، ثم ذكر الصحابة الذين قالوا به
منهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعمار بن ياسر ، وأبي بن كعب ، وابن عمر ،
وابن عباس [5], وحكى القاضي أبو الطيب وغيره عن ابن أبي ليلى والحكم أن الجهر
والإسرار سواء .
القول الثالث:
المالكية على المشهور كراهة استفتاح القراءة في الصلاة ببسم الله الرحمن
الرحيم مطلقا في أم القرآن وفي السورة التي بعدها سرا وجهرا،[6] قال القرافي من
المالكية : الورع البسملة أول الفاتحة خروجا من الخلاف إلا أنه يأتي بها سرا ويكره
الجهر بها.
وبناء على ما سبق: فالأمر فيه سعة بين أهل العلم
والأحوط الخروج من الخلاف وأن تقرأ جهراً.
ثانياً: اختلف الفقهاء أيضاً في كون البسملة آية
من الفاتحة ومن كل سورة على أقوال ، كما اتفقوا على أن من أنكر أنها آية في كل
سورة لا يعد كافراً، وهذه الأقوال الراجح منها ما ذهب إليه الشافعية وهو: أن
البسملة آية كاملة من الفاتحة ومن كل سورة ؛ لما روت أم سلمة رضي الله عنها :
" أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة : بسم الله الرحمن الرحيم ،
فعدها آية منها " ، ولما روي عن أبي
هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : الحمد لله سبع آيات ، إحداهن بسم الله الرحمن الرحيم .
وعن علي رضي الله عنه كان إذا افتتح السورة في
الصلاة يقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : إذا قرأتم : { الحمد لله رب
العالمين } ، فاقرءوا : بسم الله الرحمن الرحيم ، إنها أم القرآن والسبع المثاني ،
بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها ،
ولأن الصحابة أثبتوها فيما جمعوا من القرآن في أوائل السور ، وأنها مكتوبة بخط
القرآن ، وكل ما ليس من القرآن فإنه غير مكتوب بخط القرآن ، وأجمع المسلمون على أن
ما بين الدفتين كلام الله تعالى ، والبسملة موجودة بينهما ، فوجب جعلها منه، وهو
خلاف لما ذهب إليه الحنفية والمالكية والحنابلة [1].)
الإستنتاجات الموضوعية :
[1] - بالإطلاع على الروايات أعلاه نستنتج الآتي
:
تسن
قراءة البسملة سرًا عند الحنابلة والحنفية وقولهم كلمة " تسن " فيه
تأمّل فلا يقال كلمة سنة أو تسنّ إلّا في غير الواجب والفرض الشرعي، فالاختلاف في
كونها ليست من القرآن وارد في العديد من المصادر الأخرى.
[2] رواية أنس بأنه صلى مع رسول الله
"ص" وأبي بكر وعمر وعثمان وأنه لم يسمع أحدًا منهم قرأ بسم الله الرحمن
الرحيم.
[3] قول أبو هريرة بأنه صلى مع رسول الله"
ص" وكان النبي ص لا يجهر بالبسملة، وعدم الجهر بالبسملة الغاية منه أن
البسملة ليست من القرآن الكريم
وطالما أنها ليست من القرآن الكريم هناك سؤالٌ
يطرح نفسه :
لماذا أثبتت البسملة في القرآن الكريم وفي عهد
عثمان ؟!
ولماذا لم تحذف ؟!
علمًا أنّ القاعدة الفقهية تثبت أنّ الكلام في
الصلاة مبطلٌ للصلاة وطالما البسملة ليست آية من القرآن فالاتيان بها سرًا أو
جهرًا مبطلٌ للصلاة وهذا ما يرفضه العقل السليم .
[4] قول ابن عباس بأنّ البسملة آيةٌ أثبتت
بالقرآن وقد جهر بها رسول الله "ص
في صلاته " أنظر الحلقة الأولى والثانية
" .
[5] ذكر النووي إثبات الجهر بالبسملة لدى الخلفاء
والصحابة، ونجد التناقض ملحوظا في الروايات الآنفة الذكر في هذه الحلقة وسابقتيها
.
[6] قالت المالكية بكراهة الاستفتاح بالبسملة
وكراهة قراءتها في الصلاة فقول بسم الله الرحمن الرحيم في الصلوات المفروضة مكروهٌ
، وهذه من أغرب الاجتهادات التي أغرقت اﻷمة في المجادلات الواهية والعقيمة
والسقيمة .
إنّ إغلاق باب الاجتهاد لا يخدم اﻷمة كما أنّ
فتحه للجميع يهدم الأمة ويولد الشقاق، تحتاج اﻷمة لإعادة هيكلة هذه الاجتهادات
التي مضت عليها مئات السنين وكأنها قرآنٌ وإله ممنوع التكلم عنه، أنقذوا اﻷمة يا
أهل العلم والفتوى ،
لقد امتلأ التاريخ عندنا بالروايات المتناقضة ولا
سبيل للتدبر سوى العقل والعلم فكم من روايةٍ موضوعةٍ تخدم سياساتٍ معينة أبان ذاك
الزمان، وكم من منافقٍ من خلف ذلك أدلى دلوه فضعنا واختلفنا لا دفاعا عن النبي ولا
الإسلام ولا القرآن بل عن فتوى فلان وعلان، أللهمّ ثبّت عقولنا يامثبت العقول
وثبّت أقدامنا يوم تزل فيه الأقدام ياكريم.
=================================================
[1-2-3-4-5-6]مجمع البحوث العلمية لجنة الفتوى باﻷزهر
الشريف .
تابعونا للأهمية وانتظروا الحلقة القادمة كل سبتٍ
بإذن الله تعالى.
0 comments:
إرسال تعليق