• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

    إغتراب الوجد بين الحزن والأسى..ومضة نقدية على قصيدة " خدشت قلبي "للشاعرة الأديبة د.أحلام الحسن ..بقلم :سيد فاروق

     



    لقد ظهر الحزن في الشعر العربي الحديث كظاهرةٍ تستحق الوقوف وهو ما قررته الشاعرة أحلام الحسن في قصيدتها بدايةً من العنوان " خدشت قلبي " وآهٍ من خدش القلب وما يترك فيه الخادش من جرحٍ عظيمٍ تنوء بحمله الجبال الرواسي، وربما يستمر هذا الأسى لسنواتٍ يستعصي على النسيان فلا يزال قلب الشاعرة يصرخ من فوهة الجرح وكأنه بركان نارٍ أضرمت بالوجد.

     يقول د. أحمد سيف الدين: موضحاً أن الحزن يشكل ظاهرةً لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كانت عليه الحال في الشعر العربي القديم، ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسيةٍ خاصة، إنه يستطيع أن يحوّل حزنه وألمه إلى مادةٍ إبداعية.

    تقول الشاعرة في مستهل قصيدتها:

    يا من قد أضاعَ ما بالقلبَ وغمّني

    من عٌذرٍ أضعتَهُ أو جهلًا أضَعتني

    قل ماذا حصدتَهُ من سهمٍ رميتني

    لستُ اليومَ أبتغي قلبًا قد  أقلّني

    قد بعتَ مودّتي عن قصدٍ  وغايةٍ

    وجَنيتَ الجنايةَ في لَهوٍ وخُنتني

    نرى كيف توشم الشاعرة من باع الود الحقيقي عن قصد عامدٍ متعما بالغباء والجهل الذي أودى به إلى أن يضيعها،  وماذا عساه أن يجني الخسيس سوى الحسرة والندامة، هذا لنفسه فماذا للشاعرة من جراء هذا الفعل المشين سوى إضاعة قلبها وهذا القلب هو الذي يحملها فمآلها حتمًا للضياع، وعلى الجانب الأخر  مفارقة بين الود والخيانة في لهو وعبث .

    لقد صنعت الشاعرة من الحزن ظاهرةً محوريةً معنوية، تدخل في بنية القصيدة " خدشت قلبي "  ، وقد استفاضت نغمة الحزن، حتى صارت تلفت النظر؛ بل يمكن أن يقال أن الحزن صار محوراً أساسياً في معظم ما تكتبه الشاعرة، وقد حاولت البحث في أسباب وجود ظاهرة الحزن في قصائدها فوجدتها تنبع من تجربة حياةٍ قاسيةٍ جعلت الذات الشاعرة تتقوقع على نفسها في أسفٍ وأسى وكأننا أمام سردٍ ذاتي لقصص السير الذاتية التي تعج بالحزن وتسمع فيها أصوات الوجد صاحبة تخترق الأفق.

    وفي محاولة للخروج من حالة الحزن تتمسك الشاعرة بعزة النفس التي هي من صفاتها وديدنها حيث تقول:

    أنا نفسي عزيزةٌ لا ترضى خيانةً

     ذق من قسوةِ الهوَى ممّا قد أذقتني

    إن تمضِ وترتحلْ قد أنسى مرارتي

    كم كأسٍ بِشَرقَةٍ من هضمٍ سقيتني

    لا لم تصدقِ الهوَى في ظنّي ولم تزل

    شرياني  تَرَكتَهُ في  نزفٍ  قتلتني

    إن عزة النفس عند الشاعرة لم تسطع أن تخرجها من تلك الحالة بل تنامت وتصاعدت إلى ذروتها فلأنها عزيزة النفس لم ترض الخيانة وأحست كأنما خنجر مسموم أصابها فأودى بها صريعةً في الجولة الأولى بالضربة القاضية.

    ماذا عساها أن تفعل وقد أوردها الحزن والأسي مورد الهلاك، وإذا قلنا إن كل شيء يولد صغيراً، ثم يكبر، إلا الحزن فإنه يولد كبيراً، ثم يصغر، وهذه إحدى الجمل الشائعة عن الحزن، الذي يعد ظاهرة في الأدب العربي القديم والحديث، ويرتبط أكثر ما يرتبط بالشعر، الحزن في الأدب قديم قدم الإنسان المبدع، نقع على بعض مظاهره في الملاحم والأساطير، وقد أشار العديد من النقاد إلى الحساسية الخاصة، التي تميز المبدع عن سائر أبناء عصره، ولاحظوا أن الفرق بين الشعراء وغيرهم يتجلى في التكوين النفسي للشاعر، وعلى الرغم من أن البشر جميعهم يشعرون بالألم، فإنهم يعانون الحزن بنسب متفاوتة، ولأسباب متعددة، فإن هناك فرقاً بين أن يعاني الإنسان الحزن، وأن يجعل من الحزن فلسفة، ويجسّد تلك الفلسفة في الأدب كما فعلت أحلام الحسن في قصيدتها " خدشت قلبي " الشاعرة تستشعر الحزن بل وتجسده تجسيدًا عظيما وفي هذا إقرارٌ بأن الشاعر أكثر حساسيةً للحزن عن سائر البشر .

    إن أصبر وأحتسب ربّي ليسَ خاذلي

    يا قيدًا أحاطَ بي هيّا قم  وفُكّني

    عن حُبّ ٍ صَنعتَهُ من وهمٍ  وخِيلةٍ

    فشّارٌ  قوَامُهُ  قولًا  هل صَدَقتني

    لا ترمِ  ضميرَهُ  في حقلٍ  مُلغّمٍ

    قد طالَ سباتُهُ في نومٍ  يُخيفُني  

    إن ثقافة الشاعرة الدينية وموروثها القيمي الإنساني يحيلها إلى لحظة الخلاص الروحي من حالتي الحزن والأسى، فليس لها سوى السلوى والصبر والاحتساب وفي هذا يقين الانعتاق والخلاص  بالأنس الذاتي بخالق البشر، وهو الإيمان الجاز بمعية الله سبحانه وعصمته لأمته وهي على يقينٍ تامٍ بعدم خذان المولى لها فقد انقطعت أسباب الأرض ولم تبق إلا أسباب السماء.

    ويستمر السياق الدامي المتنامي لحالة الأسى إلى أن تحوّل الحزن إلى إطارٍ ذهنيٍ وجداني، وإلى أسلوبٍ شعري؛ بحيث يعجز صاحب الحزن أن يحدد لك أسبابه ومصادره، فقد تداخلت الأسباب والمصادر، وانصهرت في عاطفة أو حالة وجدانية شاملة، لا مهرب منها ولا غنى عنها، فالحزن عند صاحب الحزن شيءٌ دائمٌ لا عارض، وهو قدره، وما أخذ به نفسه في مواجهة الكون المحتمل والواقع المريض ورغم وضوح الأسباب عند الشاعرة أحلام الحسن وهي أسبابٌ ذاتية لما مرت به في حياتها الإجتماعية إلا أنه لازال عالقا في وجدانها حد الثمالة، ومن ثم أصبح الحزن عندها ظاهرةً في إسهاماتها الشعرية تستحق الوقوف والتأمل.

    والجدير بالذكر أن الشاعرة الأديبة د.أحلام الحسن لها إسهامات أدبية وشعرية أثرت بها الواقع الأدبي المعاصر من تقديمات للكتاب المعاصرين في كافة الأجناس الأدبية (شعر - رواية -  قصة قصيرة) ولها العديد من المؤلفات الشعرية والنقدية الرفيعة المستوي والتي تقدّم قيمةً مضافةً للأدب العربي كما أن لها إسهامات أدبية وعدة مقالات وكتب في العروض ومن بين هذه الإسهامات الأدبية التجديد في بحور الشعر فقد أخترعت بحر (الحلم) وكتب عليه عدة شعراء من الوطن العربي، وقد تمت إجازته وتوثيقة رسميا، وتقع الدائرة العروضية لبحرُ الحلم المستحدث بين التفعيلات الٱتية:

    مفْعالن فعولتُن مفْعالن فعولتن

    مفْعالن فعولتن مفْعالن فعولتن

    ولبحر (الحلم) جوازاته التي قررتها الأديبة في صياغتها وتوثيقها له وهو مشتق من أسمها فالحلم مفرد (أحلام) كما أنه حائزٌ على الاعتراف به والإجازة

    موثّقٌ بالجهات الرسمية

    وبالمجلات المحكمة طبقا لقواعد التوثيق المتعارف عليها في الجهات المعنية والمنوطة في هذا الصدد.

    وهو نفس البحر التي كتبت عليه الشاعرة عدة قصائد من بينها قصيدة " خدشت قلبي " التي بين أيدينا وتناولناها بشيء من التفصيل المختصر  وهذا جهد المقل وعلى الله السداد.

    وفي الختام يطيب لي أن أتقدم بخالص الشكر الجزيل للشاعرة الأديبة أحلام الحسن على ما تقدمه من أدبٍ رفيعٍ وقيمةٍ مضافةٍ تسهم في ارتقاء الخطاب الأدبي المعاصر .

    ا****************

    " خدشت قلبي "

    يا من قد أضاعَ ما بالقلبَ وغمّني

    من عٌذرٍ أضعتَهُ أو جهلًا أضَعتني

    قل ماذا حصدتَهُ من سهمٍ رميتني

    لستُ اليومَ أبتغي قلبًا قد  أقلّني

    قد بعتَ مودّتي عن قصدٍ  وغايةٍ

    وجَنيتَ الجنايةَ في لَهوٍ وخُنتني

    أنا نفسي عزيزةٌ لا ترضى خيانةً

     ذق من قسوةِ الهوَى ممّا قد أذقتني

    إن تمضِ وترتحلْ قد أنسى مرارتي

    كم كأسٍ بِشَرقَةٍ من هضمٍ سقيتني

    لا لم تصدقِ الهوَى في ظنّي ولم تزل

    شرياني  تَرَكتَهُ في  نزفٍ  قتلتني

    لم يعرف فؤادُكَ الإخلاصَ ولا الهوَى

    يكفي ما فعلتَهُ يا هذا خذلتني

    من حفلٍ لمحفلٍ  في أُنسٍ وبهجةٍ

    أسررتَ المَضَرّةَ  العمياءَ وبِعتني

    إن أصبر وأحتسب ربّي ليسَ خاذلي

    يا قيدًا أحاطَ بي هيّا قم  وفُكّني

    عن حُبّ ٍ صَنعتَهُ من وهمٍ  وخِيلةٍ

    فشّارٌ  قوَامُهُ  قولًا  هل صَدَقتني

    لا ترمِ  ضميرَهُ  في حقلٍ  مُلغّمٍ

    قد طالَ سباتُهُ في نومٍ  يُخيفُني  

    عن قلبي فلا تسل دعني في موَاجعي

    لوعاتٌ  بنبضِهِ  من حالٍ  يشدّني

    لا تطلب  موَدّةً  من قلبٍ  أهَنتَهُ

    إحساسي جرحتَهُ  ياهذا  ولُمتني

    عد وارجع هُنيهَةً واذكر ما نسيتَهُ

    لا تجرح مشاعري لا لا تستفزّني

     أنا نوعٌ  إثارتي كرهًا قد تزيدني

    فاذهب غيرَ عائدٍ ما كنتَ  تهمّني

    قد ماتت محبّتي في قبرٍ دفَنتُها

    لا تنبش تُرابَها يكفي ما كوَيتني

    هيهاتَ فلن تُعيدَ الأيّامُ  ما مضى

    حيًّا كنتُ بالهوَى في جُبّ ٍ دفنتني !!

    ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: إغتراب الوجد بين الحزن والأسى..ومضة نقدية على قصيدة " خدشت قلبي "للشاعرة الأديبة د.أحلام الحسن ..بقلم :سيد فاروق Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top