اعداد: ساهرة رشيد
قال ا.د.محمد عويد الساير في مقدمة الدراسة يبحث الطفل عن مشاعره داخل جسد قصصه،من
خلال
الطيور الجميلة، والفراشات الملوّنة
والحيوانات التي تَأتي إِليه من وجهة السرد
الداخلية من الطيور والحشرات ... وغيرها، ويستلهم
القارئ أي قارئ كان مضامين الأهداف والعبر من حكايات من مجرد العنوان في قصته هذه أو
في مجموعته القصصية تلك حين يكون أحد الحيوانات ورسمها ودلالته في قصته.
إِنه المبدع جاسم محمد صالح الذي كُتبت عنه قصصه المصورة
وغير المصورة للأطفال الكثير الكثير من الدراسات والأبحاث والمقالات وأديب الأطفال
جاسم محمد صالح له أكثر من مجموعة قصصية واحدة في هذا الأدب.
وعرف الساير أدب الطفل بأنه ضرب من
الأدب ربما يكون وحتماً سيكون صعباً وقاسياً
على بعض الأدباء حين يفكرون في الكتابة فيه، وذلك لأسباب كثيرة منها صعوبة إِدراك الطفل
لبعض القصص وعناوينها والوصول إلى أهدافها بالشكل الميسّر المباشر كما هو في أدب الكبار.
ومنه اختيار المضامين والأفكار المناسبة التي يروم الكاتب أدب الأطفال إيصالها إلى
الطفل، هذا فضلاً عن اللغة التي يجب ان تنماز بالسهولة والسلاسة والبساطة في العرض
والتقديم من حياة الطفل، وحسن اختيار الصور التي ترافق اللغة والأساليب في تقديم الأهداف
التي يريدها كاتب قصة الطفل... وما إلى ذلك.
كما بين مواصفات
أديب الطفولة وما يجب أن تتوافر فيه
وإلا لن يكون النجاح حليفه فيما يكتب ويقصُّ على الأطفال. ولعلّ من تلكم المواصفات،
كثرة الاطلاع على الموروث الثقافي الأدبي عند العرب ولاسيما في تاريخهم القديم وأساطيرهم
وخرافاتهم وأدبهم وتوظيف هذه الموروث بالشكل المناسب في بنية القصة الموجهة للطفل.
وأن يكون أنيقاً في نفسه وفي كتاباته باختياره المناسب من الألفاظ والتعابير
في شكل القصة، ومن ثمّ المزحة البريئة والخيال المبسط الذي يجب أن يكون دائماً في قصص
الأطفال وفي وكد كاتب قصصهم هذه لاستمالة مشاعر الطفل وعواطفه نحو القصة ولاسيما مع
توظيف عناصر الحيوان والطبيعة بمظاهرها المختلفة في جسد هذه القصص، لتكون مؤثّرة تأثيراً
كبيراً وباقياً في نفس الطفل ومشاعره منذ أول القراءة وإلى مراحل عمره المختلفة صعوداً
ونموّاً.
هذا فضلاً عن الأهداف والمضامين وهي في أغلبها التربوية والتعليمية في جسد القصص
الموجهة للطفل، وهنا على كاتب أدب الطفل في عصرنا الراهن أن يحسن إحساناً كبيراً في
اختيار مثل هذه المضامين والأهداف وأن تكون من رحم الواقع المعيش، وتؤدي إلى تقويم الفرد وتربية المجتمع التربية الصحيحة
المثلى في الأخلاق والقيم الإيجابية والكثير من الآداب التي نسعى إلى امتلاكها وامتلاك
أطفالنا لها.
والحيوان سمير أو صديق الإنسان ورفيق
دربه الطويل في هذه الدنيا في الحلّ والترحال، في اليسر وفي العسر، وفي الخير وفي الشر،
تواترت النصوص الأدبية الكثيرة والمهمة منذ الشعر العربي في العصر الجاهلي إلى يومنا
هذا على أهمية الحيوان في حياة الإنسان وإنه
لا يستطيع العيش بدونه في البر أو في البحر
في السفر أو في الثبوت، في البيت أو في الطريق أو في أماكن العمل.
وجاءت الدراسات الأدبية والنقدية الكثيرة التي تناولت أثر الحيوان في حياة الإنسان
الشاعر وغيره منذ العصر الجاهلي، فجاء ذكر الحصان والفرس والناقة والثور والحمار الوحشي
والكلاب والزواحف والطيور في أغلب النصوص الشعرية وحتى في النصوص السردية القصصية وغيرها،
لتؤكد وتبيّن أهمية الحيوان في حياة الإنسان وأثر هذه الأهمية في حياته ومن ثمّ في
أعماله واختراعاته والنصوص الأدبية الإبداعية التي تعدُّ الوثيقة الأولى والمشاعر الخالصة
لهذا الأديب أو ذاك حين يستنطق وظائف الحيوان ويأتي بما في نصه الأدبي الإبداعي في
لوحة شعرية أو مشهد قصصي أو في عتبة العنوان أو في خاتمة النص الأدبي الشعري وغير الشعري.
في قصص القاص وكاتب الطفل جاسم محمد صالح في المجموعات القصصية وبعض القصص المنفردة
التي أهداها إلي. رأيت توظيفاً كبيراً ومهماً للحيوان بأنواعه في هذه القصص- وهو يستثير
الطفل وينمي عاطفته بهذا التوظيف المثالي الذي جاءت عتبة العنوان الأولى في قصصه، أو
في جسد البنية القصصية لأية قصة كتبها للطفل في مراحل عمره المختلفة.
إذا ما تكلّمنا عن العنوان العتبة الرئيسة الأولى للنص الأدبي، والمفتاح الأولى
الذي يلقي به المبدع للقارئ ويضعه في يده ليكشف بعدها أغوار النص ودلالاته وأهدافه
ولاسيما في قصص الأطفال وماهيته. مشيرا إلى
بعض العناوين في مجموعات جاسم محمد صالح القصصية التي تستأثر بالحيوان وتوظّفه
ليكون النقطة المباشرة للتأثير والإهتمام في نفس الطفل ومشاعره.
ولنأخذ مثالاً على ذلك الدرس والنقد والتحليل، فذلك من مسلمات العمل النقدي
ومما يسعى إليه مقالنا النقدي هذا ومن حق الكاتب والطفل أيضاً.
في مجموعته البطة البيضاء، نرى أن عنوان المجموعة في توظيف الحيوان من أول وهلة
في عتبة العنوان هذه. واللون الأبيض يميز هذه البطة علماً أن أغلب البط هو من ذي اللون
الأبيض تأكيداً في الدلالة على النقاء والصفاء وفسحة الأمل.
إذن من دلالات هذه الحيوان في توظيف الحيوان واللون يكمن في الآتي:
الحيوان← الطير← البطة ←البياض تراكمية
العناوين في توظيف الحيوان.
دلالة الأمل والتفاؤل.
سعة الخيال وبساطته في اختيار
العنوان.
عزيز القارئ لمقالي ولأدب الأطفال ولاسيما في القصص القصيرة الموجهة للطفل في
كل مكان وفي أي زمن عند الأستاذ القاص وأديب الطفولة جاسم محمد صالح.
والمثل السابق من التفاصيل هو لحفظ
التشكيل السابق لكي بين للقارئ ما أرد الوصول إليه، من خلال الخطاطات الآتية:
تراكمية العنوان في توظيف الحيوان، مجيء عناوين لقصص أخرى داخل هذه المجموعة
القصصية في توظيف الحيوان، ومنها : الحمار الذي رحب عملاً.
الحمار الرمادي.
الخفاش
الذي يرى. قفزة
الضفدع.
فضلاً عن عنوان المجموعة المركزي والأول، وهو البطة البيضاء.
في دلالة التفاؤل والألم وجدت العناوين للقصص الآتية في توظيف الحيوان بأنواعها
وصفاته في المجموعة القصصية (البطة البيضاء) عند القاص جاسم محمد صالح:
دلالة التفاؤل والأمل الحمار الذي
وجد عملاً.
الحمار الرمادي.
الخفاش الذي يرى.
قفزة الضفدعة،
وأما عن سعة الخيال وبساطته في آن معاً عند القاص جاسم محمد صالح في مجموعته
القصصية هذه، فكان مع العنوان المركزي الأول (البطة البيضاء)، وكان مع بعض العناوين
الأخرى التي لامست توظيفاً ملماً للحيوان غير مباشر إلّا إنه من الأهمية بمكان وتخصص
من مثل عناوين قصصه : الأرض
التي توقفت عن الدوران.
السماء تمطر ذهباً.
الشمس والطيور.
مدرسة الغابة.
في مجموعة قصصية أخرى موجهة للطفل.
ولناخذ مجموعة أخرى وهي (الحصان الأبيض)، وهنا سطوة الحيوان، الحصان وقوته وشهرته
أكثر بكثير من البطة فشهرتها وقوتها وسطوتها المعرفية والوراثية والثقافية والأدبية
والتاريخية.
وهذا العنوان انفتح الى عناوين فرعية أخرى استثمر القاص جاسم محمد صالح الحيوان
استثماراً غير مسبوق في توظيف وتوصيف مهمين لعنوان القصة وجسدها وبنيتها ومضامينها
وأهدافها. وهذه العناوين دلّت كلّها على الحركة والحياة وبث الروح حتى مع شعرية الأشياء
الجمادات، وهذا من أثر توظيف الحيوان (الحصان) وحركته وحيويته وقوته وسرعته، كذلك الأمل
والتفاؤل بهاته الحركات وهذه الحياة المفعمة بالحيوية والنشاط وهذا من دلالات الأبيض
وخصائصه الفيزيائية، ولاسيما مع الحصان الذي جاء بتضاد محبب إذن أغلب ألوان الحصان
هو الأسود أو الأسود الذي يميل إلى الاحمرار كما يعلم الجميع ويشاهدها الجميع ويعرفه
الجميع.
هذه الدلالات والوظائف لعنوان المجموعة الأولى وعتبتها المركزية الأولى كانت
في الآتي: عنوان مركزي← الحيوان← السرعة والقوة والحركة
عناوين قصصية فرعية
قصة الطيور قصة القطار قصة الشاحنة الكبيرة
عنوان
مركزي← الأبيض ←التفاؤل والأمل بهاته الحيوية
عناوين قصصية فرعية
قصة العم جابر قصة الأرض الطيبة قصة الفرح الأخضر
هنا وضحت -والله أعلم- الدلالات من استنطاق الحيوان الحصان، مع دلالات اللون
ولاسيما هذا اللون المحبب الذي يدلّ على الصفاء دائماً والنقاء دائماً والأمل دائماً.
أيان العنوان عن الحركة والحياة لصفاء وأمل وحب للعمل والمستقبل، بمضامين تربوية تثقيفية.
ورجا أ.د. محمد عويد الساير
أولياء امور الاطفال والأطفال أنفسهم
أن يتابعوا هذه القصص بشغف القراءة والمتعة العلمية والتربوية
لهذه القصص ويتبنوا أفكارها وأهدافها والدعاء لمن كتبها ونشرها وصوّرها.
في المجموعة القصصية الأخرى من المجموعات القصصية الكثيرة الموجهة لأدب الطفولة.
منها الأولى بـــ : (مجموعة السمكة الملونة)، وهنا تفرّعت
المجموعة إلى أحاديث الغدر من الآخر العدو وهو الإنسان أو المكان أو الزمن... أحياناً.
قراءته لهذه المجموعة رسمت في باله خيالاً واسعاً لتصوّر هذا العداء للحيوان حتى مع
مظاهر الطبيعة الفلكية التي جاءت في عناوين بعض هذه المجموعة وفي جسدها المكاني في
ما ترمي إليه من أهداف ومضمون.
ويوظفها الاديب جاسم محمد صالح بعضاً من قصصه داخل مجموعته القصصية هذه الحيوان
الطيور ليصل بالطفل إلى آفاق رحية من الدلالات ويوسّع من مداركه الذهنية بغية الهدف
والمضمون من كل قصة فطف فيها هذه الطيور مع شعرية الأشياء أو مع أحاديث الإنسان والزمن،
ومن تلكم العناوين الفرعية التي جاءت في عناوين هذه المجموعة القصصية:
(قصة الشجرة والطيور، قصة حديث الطيور، القفرة الطائشة (الكنغر)). وأما في مجموعته
القصصية الأخرى التي وضع لها القاص جاسم محمد صالح عنواناً يستوظف فيها العصافير المقاتلة
ودفاعها من خلالها العناوين الفرعية عن الوطن والحيوان فجاء العنوان الرئيس (العصافير
تقاتل) لينفخ على دلالات عدة منها -وكما هو بان من العناوين الفرعية- :
-البطولة الخالدة.
-الدورية الشجاعة.
-الفدائي الصغير.
-أما أين وطني؟
-الأشجار تورق من جديد.
هذه العناوين كلّها تدل على المقاتلة في سبيل العيش ورسم الحياة الرغيدة الهانئة
في أقسى الظروف ولاسيما مع الظروف التي يمرّ الطفل العراقي المعاصر، وهنا تأتي المضامين
والأهداف بشكل مغاير عن المجموعات القصصية الأخرى في أدب الأطفال عند جاسم محمد صالح
في القتال من أجل الحياة، والقتال من أجل الوطن، والقتال من أجل لقمة العيش مثل هذا
الطفل مثل هذه العصافير وقتالها وصبرها من أجل الحياة.
كانت السطور السابقة في دراسة ماهية العنوان ووظيفته ودلالاته التراكمية المحببة
في توظيف الحيوان وصفاته عند القاص جاسم محمد صالح ، وهو توظيف لطيف وكبير ومنوّع وفق
إليه القاص في طرح المضمون والهدف من كل قصة أرادها وكتبها فيها واختار لها مثل هذي
العناوين لمجموعته برمتها، أو لعناوين الفرعية الداخلية في كل مجموعة.
وأَمّا عن بنية القصة وجسدها المكاني، اقتطف نماذج للتحليل والنقد والتعليق
لنرى كم مات تأثير الميدان كبير وتوظيفه وتوصيفه عريضاً عند القاص وما يكتب وما يريد
من هذا التوظيف، وإليك مثلاً قصته (الحصان الأبيض)، إِذ تنفتح هذه القصة في افتتاحيتها
على وصف هذا الحصان بمشهد القاص:
(نظر المروض العجوز إلى الحصان الأبيض الجديد فهو جميل وعيناه واسعتان فاقترب
منه وأخذ يتلمس خصلات شعره الناعمة).
الوصف آلية من آليات السرد يستثمر القاص لوصف هذا الحيوان من أول مفتتح قصته،
ومن ثَمّ إلى الأطفال، في مشهد سردي آخر يقول فيه:
(تساءل الأطفال عن سرّ اهتمام المروض العجوز بهذا الحصان الأبيض الجديد ولكن
لا أحد يدري؟!).
الدهشة والاستغراب من العناية بهذا الحصان عند الطفل، إنه سابق الحلية ومفرّع
الحيوانات الأخرى في السيرك مكان العمل عنصر السرد الذي يظهر في مشاهد سردية أخرى من
مشاهد القصة هذه.
وأما الهدف والمضمون من القصة هذه فهو فرحة الأطفال وبهجتهم بحركات هذا الحصان
في ذلكم السيرك يقول القاص:
(بعد أيام من التمارين المتواصلة تمكن الحصان الأبيض من أن يؤدي أَصعب الحركات
وأجملها لدى الأطفال والتي تدخل الفرحة والبهجة إلى نفوسهم).
هنا كمن هدف القصة وهدف توظيف الحيوان فيها أفضل توظيف وأتمّه وهو الراحة النفسية
لعمل هذا الحصان الأبيض داخل السيرك، والبهجة والأمل والفرح الغامر حين يرون حركاته
وما يقوم به مع المروّض العجوز من أجل وسم هذه الفرحة، وهذا ما جعل خاتمة النص تواكب
هذه الفرحة وتكافأ العجوز وحصانه على ما قاما به، وذلك ما يظهر في خاتمة القصة حين
يقول فيها القاص:
(في حفل افتتاح عروض السيرك قدّم الحصان
الأبيض مع مروضه العجوز أجمل العروض التي جعلت الأطفال يصفقون إِعجاباً حتى أصبح الأطفال
لا يحبون من عروض السيرك إلّا فقرة الحصان الأبيض مع مروضه العجوز.
قرر مدير السيرك أن يبدل اسم السيرك إلى سيرك الحصان الأبيض الجميل وكافأ المروّض
العجوز بأن يستمر في عمله في السيرك ولم يفكر أبداً بالاستغناء عنه).
وعن قصته (السمكة الملوّنة) يستثير القاص والكاتب جاسم محمد صالح مشاعر الأم
في كل مخلوق من خلال هذه السمكة التي أبقى على صفاتها (الملونة) فقط. مشاعر الأم هذه
هي المشاعر نفسها عند الإنسان والحيوان والطير والشجر (أممٌ أمثالكم). هذه السمكة يوظّفها
القاص جاسم توظيفاً مثالياً لخوف الأم على صغارها في الماء من أي عدوّ كان، فهو يقصّ
علينا هذا الخوف المشروع الحقيقي في مفتتح القصة:
(قالت السمكة لصغارها:
-احذروا أن تضعوا في فمكم شيئاً لا تعرفونه).
الحذر الواجب ولاسيما مع الصغار من الأطفال مع أي مخلوق، ومشاعر الأم المتعبة
التي أنجبت وصبرت ونصبت.
أما عن السمكة الصغيرة مع الطفل الصغير، فيبدو أنها كانت بعيدة عن النصيحة وكثيراً
ما خالفت هذه النصائح. إذن وظيفة أخرى من وظائف الحيوان الأم الصغيرة، ومضمون هذا التوظيف وهدفها هو السماع لكلام الكبار ولاسيما
الأم والأخذ بنصائحها وارشاداتها مهما كانت وكيفما كانت حتى مع الزجر والروع فإنها
هي لصالحنا وخوفاً علينا وحرصاً علينا وحرصاً منها على حياتنا.
يقول القاص في مشهد سردي آخر عند مخالفة هذه الصغيرة لنصائح أمها:
(سمع الصغار كلامها وأخذوا به إلّا السمكة الصغيرة فإنها كثيراً ما كانت تخالف
نصائح أمها ولكن ذات يوم بالقرب من شاطئ النهر رأت السمكة الصغيرة دودة مغروسة في قطعة
حديدية مدببة، وهناك خيط رفيع يخرج منها إلى الأعلى، ضحكت السمكة الصغيرة وهي تتصور
أن ما تراه لعبة جميلة أو شيئاً آخر، فسبحت بهدوء نحوه وبقيت فترة تداعبه ولكن راودتها
فكرة في أن تضعه في فمها).
هنا يكمن الحدث وقمة الحبكة قي القصة الموجهة لأدب الطفل عند القاص جاسم محمد
صالح في قصته هذه، وهذا ما يشعرنا ويشعرنا أطفالنا بخوف كبير من العدو وما يصنعه وما
يريد الوصول إليه بعدما تخلّت هذه السمكة الصغيرة عن نصائح أمها وخالفت أخواتها الأسماك
بضرب نصائح الأم عرض الحائط؟! فما الذي حدث لها...؟!
(فجاءة شعرت السمكة الصغيرة بوخزة وجرح تسيل منه الدماء وشاهدت الخيط وهو يُسحب
بهدوء إلى الأعلى وبدأ يؤلمها فعرفت بأن الشيء الذي انغرس في فمها هو (الشص) الذي حذرته
أمها من الاقتراب إليه...
لذلك أخذت تصارع ألمها وتصيح بأعلى صوتها:
-النجدة.. النجدة.. النجدة.. ).
وهنا تأتي الأم مسرعة متعاونة مع بقية أسماك جلدتها لتنجد سمكتها الصغيرة هذه،
يقول القاص في المشهد السردي الختامي الأخير من قصته هذه:
(سمعت الأم صراخها وجاءت لتنجدها وتعاونت مع بقية الأسماك في قطع وإخراج (الشص)
من فمها.
شكرت السمكة أمها واعتذرت عن فعلها وأقسمت أن لا تخالف كلامها بعد اليوم).
هنا وضح كل شيء في جسد القصة عناصرها ←الشخوص السمكة الأم.
السمكة الصغيرة.
باقي الأسماك.
المكان ←النهر← الماء .
الحدث ←ضياع هذه السمكة إِلّا قليلاً...
آليات السرد في جسد القصة← الوصف السمكة
الكبيرة والصغيرة .
الشص العداء
الحوار حوار الأم مع الأسماك.
حوار الأم مع السمكة الصغيرة.
حوار السمكة الصغيرة مع الأم.
وبقي توظيف الحيوان واستثمار مدلولاته هو الأم عند القاص وهو ما أردنا البحث عنه في مقالنا هذا دراسة ونقداً واختياراً في العنوان والبنية.
وأما في قصته التي وسمها بــ: (حديث الطيور) يوظّف القاص جاسم محمد صالح الحيوان
الطير توظيفاً جمالياً من خلال اللون ومن خلال الصوت، ولو أن هذا التوظيف لا يخلو من
رقة ضدية بين هذه الألوان التي يكتسيها هذا الحيوان الطير بأصنافه المختلفة والفرق
يتضح جلياً لون البلبل وجماليته وبين لون الغراب وقبحه.
وليس الألوان فحسب وإنما في الأصوات أيضاً بين هديل الحمام ونعيب الغراب. وهذا
ما يريده القاص من هذه الضديات بين الألوان والأصوات كلّا على حدّة.
وأما الحديث فكان مستمراً لعناصر السرد في الشخوص الطيور، وفي المكان وفي الزمن
وفي الحديث.
وأما الآليات فكمنت في الحديث أصلاً
الحوار المباشر.
السرد المباشر . الحديث الذاتي السردي.
الحوار الداخلي .
ولكن في الوصف أيضاً وصف الطيور البلبل. الحمامة.وصف الحديث الغراب.
وصف المكان الغابة.
الأشجار.الغصن.
حركة الطيور وأصواتها.
وفي اعتقادي وضح لكل شيء من القصة من عناصر السرد وآلياته، ولم يتبقَ لي إلّا عن أحدّث قارئي عن هدف
هذه القصة ومضمونها فهو معرفة أصناف الطيور وأنواعها والمقرّب المحبب إلى الإنسان من
خلال اللون والصوت.
ومعرفة المعادي البغيض المكروه لأصناف الطيور وأنواعها، وبغض الإنسان من خلال
اللون والصوت أيضاً.
ولتستمع إلى حديث الطيور عند القاص جاسم محمد صالح، وإلى جسد قصته هذه التي
يقول في بنيتها المكانية:
(على أغصان إحدى الأشجار، حطّت بعض الطيور...
تحرّك البلبل الملون في مكانه وبعد أن تمرّد كثيراً قال: أنا أسعد الآخرين بصوتي
الجميل.
هنا هدلت الحمامة وقالت مزحة: أما أنا... فالأطفال يحبون هديلي وهم يستمعون
إليه بفرح.
زقزقت العصفورة الصغيرة وهي تقفز من غصن إلى غصن آخر قائلة: الصغار يحبون زقزقتي...
ودائماً يقلدون صوتي حينما يلعبون.
....
هنا جاء دور الغراب في الكلام، فالجميع قد تكلّموا.. تلفّت يميناً وشمالاً علّه
يقول شيئاً... ولما لم يجد شيئاً يقوله.. انتفض من مكانه طائراً وهو ينعب بصوت قبيحٍ
قاق قاق قاق
فزعت الطيور من صوته وفرت هاربة إلى أوكارها.... ).
لم يكن هذا كل شيء عن توظيف الحيوان في قصص القاص والأديب والاديب المميز جاسم محمد صالح في بنية القصة وجسدها المكاني،
وبين عناصرها وآليات السرد فيها، وإنما كان ما سمح به المقال وما جاءت به النفس بعد
فرحها بنتاج هذا الأديب وتخصصه الأدبي المُثقف، وللإخوة من دارسين وباحثين ونقاد في
أدبنا العربي المعاصر أن يحاوروا نصوصه الموَظّفة للحيوان ويأتون عليها بدراسات ودراسات
من جوانب عدة فهي والله تستحق وفيها من الأفكار المنهجية العلمية البحثية ما يسع الجميع.
0 comments:
إرسال تعليق