﴿قُلْ
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إنَّما
يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبابِ﴾
لم
يتجاوز مرحلة التعليم المتوسط ولا يعلم الفارق بين الألف و (كوز الذرة) كما يقال
فى لهجتنا المحلية ولا يعلم ان كانت الصلاة تجوز
بدون وضوء او تيمم أم لا وأصبح الدكتور البروفسور العلامة الجهبز عبقرى
الزمان والمكان وفارس الفرسان وغيرها الكثير من الألقاب التى نراها بين الفينة
والآخري على صفحات التواصل الاجتماعي او تباع فى السوق بعد ان يتم استخدام أجهزة تصوير حديثة عن طريق الاصطناع بالتقليد
او التخليق عن طريق برامج الفوتوشوب وما أكثرها ويسرى عليها ما ينطبق علي تلك
الشهادات الصادرة عن بعض الدورات التدريبية
الوهمية او الصالونات التى تقوم بها بعض المراكز التدريبية التى نجد فيها ايضا العجب العجاب وبين ليلة وضحاها
نجد الخبير والمدقق والمستشار التحكيمي الدولى الذى لم يبارح المقعد الذي يشاهد
عليه حلقات توم وجيري والمسلسلات
الكرتونية.
العجيب
فى الآمر مدى التفاهة التى وصل اليها
الممنوح له تلك الصفة او اللقب وهو يعلم علم اليقين انها لا تقدم ولا تؤخر شيئا فى
نظرة المجتمع السوى له ولكيانه الفعلى عند اختبارة فى اى موقف من المواقف فهو مجرد وعاء خالى من الداخل مهما ارتدي من
ثياب .
وتجده
بكل وقاحة يقوم بالتهليل والتكبير وربما يقيم سرادق لتلقى التهاني والتبريكات
بالفوز الساحق منقطع النظير وكأنه دك حصون
عكا وفتح أسوار اورشليم .
لا شك
انه يجد من المنتفعين ذوي المآرب الخاصة والمتسلقين فى سوق البغال من يسجد دعما له ابتهاجا وشكرا
بحصولة على الدرجة العالمية فى فنون الخداع الأكاديمي ويوما بعد يوم يصل
هذا الجهبز العلامة إلى مرحلة البروانايا والعظمة وحب الذات والنرجسية ويظن انه
فعلا وصل الي ما لم يصل له انسان من قبل
فهو اول الهابطين علي سطح الشمس فى القرن الواحد والعشرين .
ربما
البعض يتذكر ما سبب مقولة "آن لأبي حنيفة ان يمد رجليه "
ونعيدها هنا من باب التذكير لنخلص منها
الي بعض الدروس التى تعضد ما ذكرته فى الحروف السابقة وهذه المقولة جاءت بعد ان
كان العالم الجليل أبو حنيفة يجلس مع
تلامذته في المسجد وكان يمد رجليه بسبب آلام مزمنة في الركبة وكان قد استأذن طلابه
أن يمد رجليه لأجل ذاك العذر وبينما هو يعطي الدرس، جاء إلى المجلس رجل عليه
أمارات الوقار والحشمة. فقد كان يلبس ملابس بيضاء نظيفة، ذا لحية كثّة عظيمة، فجلس
بين تلامذة الإمام. فما كان من أبي حنيفة إلّا أن عَقص رجليه إلى الخلف ثم طواهما
وتربّع تَربّع الأديب الجليل أمام ذلك الشيخ الوقور وقد كان يعطي درساً عن دخول
وقت صلاة الفجر. وكان التلامذة يكتبون ما يقوله الإمام، وكان الشيخ الوقور، ضيف
الحلقة، يراقبهم وينظر إليهم. فقال الضيف لأبي حنيفة من دون سابق استئذان: «يا أبا
حنيفة إني سائلك فأجبني». فشعر أبو حنيفة أنه أمام مسؤول ربّاني ذي علم واسع
واطلاع عظيم فقال له: «تفضل واسأل».
فقال
الرجل: «أجبني إن كنت عالماً يُتَّكل عليه في الفتوى، متى يفطر الصائم؟». ظنّ أبو
حنيفة أن السؤال فيه مكيدة معينة أو نكتة عميقة لا يدركها علمه. فأجابه على حذر: «يفطر
إذا غربت الشمس».
فقال
الرجل ووجهه ينطق بالجدِّ والحزم والعجلة، وكأنه وجد على أبي حنيفة حجة بالغة
وممسكاً محرجاً: «وإذا لم تغرب شمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة فمتى يفطر الصائم؟!»
بعد أن
تكشّف الأمر وظهر ما في الصدور وبان ما وراء اللباس الوقور، قال أبو حنيفة قولته
المشهورة التي ذهبت مثلاً وقد كُتِبَتْ في طيّات مجلدات السِّيَر بماء الذهب: «آنَ
لأبي حنيفة أن يمد رجليه».
ان
الشهادات الفخرية والدكتوراه وغيرها من الألقاب التى تمنح من خلال بعض الدورات
التدريبية الوهمية الغير مقترنة بدراسة فعلية نتاج طبيعي لحالة من حالات التجريف
الفكرى والعقلي والثقافى فى المجتمعات وحالة من حالات الشعور بالنقض وعدم الثقة
بالنفس فى القدرة على الدراسة والتحصيل
وللاسف تقوم الدول بتغزية هذا
التوجه بمنح شهادات لمن لا يستحق وجميعنا يعلم ذلك وللاسف هناك جامعات عريقة راسخة المسمى فى الذهن تقوم بمنحها
لراقصين او مطربين مهرجانات او
تعقد شراكات مع ورش تدريبية وهمية لتكون
راعيا لها ربما لان هناك دعم مادي او ربما لأنهم أصبحوا قدوة فى المجتمعات بعد
اعتلال المعايير فى التقييم .
مصيبة
المصائب اننا نجد فى بطاقات الرقم القومي
وهو وسيلة التحقق من الشخصية حسب
قانون الدولة المزارع الذي لم يطرق باب المدرسة يوما المهنة فى تحقيق الشخصية له
بمسمى "خبير ارشاد زراعي" مع
احترامي للمزارع وكل المهن لكن كما اقول دوما لكل مقام مقال وعلى الدول والجامعات
ان تضرب بيد من حديد علي كل من يقوم بتسهيل تلك الظاهرة او الاستمرار فى ترويجها
حرصا على عدم تدمير بنية المجتمعات؟
احد
المثقفين فعلا الذي استمر فى قراءة المقال رغم كثرة الحروف يطرح عليكم السؤال 《كيف يتم
تدمير المجتمعات بسبب لقب فخرى او وهمي ؟》
وجهة
نظري ان ما يحدث الان من إرسال ابنائنا طلاب الثانوية العامة الي "روسيا" وأخواتها
بمجاميع ٥٠% من الثانوية
العامة والعودة لنا بعد خمس سنوات أطباء
جراحين هو الرد المناسب لسؤالك واشكرك على
القراءة فى زمن ضاعت فيه الكلمة وانتشرت فيه الألقاب فى سوق البغال .
**كاتب
المقال
المحامى
بالنقض والإدارية والدستورية العليا
محاضر
مركزي بالهيئة العامة لقصور الثقافة
قاص
وروائي عضو اتحاد كتاب مصر
0 comments:
إرسال تعليق