• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

     سيدات العرب ..ام الخير رابعة العدوية ..بقلم_رضا رمزى (12/40)

      


    السيدة رابعه العدوية احدى سيدات العرب الزاهدات الخاشعات ..السيدة التى عاشت حياتها عكس سائر الناس فقد انعزلت عن الجميع ودابت في دنيا التصوف والعبادات وابتعدت عن الأمور الدنيوية ونسبها لم تتفق آراء الباحثين عليه فالبعض يرون أنها مولاة لآل عتيق  وآل عتيق بطن من بطون قيس  والبعض الآخر يرون أنها من آل عتيق بني عدوة ولذا تسمى العدوية  ولقبت بام الخير  وقيل إن اسم رابعة يعود إلى أنها ولدت بعد ثلاث بنات لأبيها وعاشت في البصرة خلال القرن الثاني الهجري  وقد عاشت ما يقرب من ثمانين عاماً.

    ولدت رابعه في بيت فقير وتوفي والدها وهي طفلة ثم توفيت أمها فذاقت رابعة مرارة اليتم الكامل وحرمت من الحنان والعطف والحب وبعد وفاة والديها غادرت رابعة مع أخواتها البيت بعد أن دب البصرة جفاف وصل إلى حد المجاعة ثم فرق الزمن بينها وبين أخواتها  وأصبحت رابعة وحيدة مشردة لا معيل لها ولا نصير.

    عاشت حياتها بلا بيت، وبلا مال، وبلا زواج ، غير أنه يبدو أن رابعة كانت تعزف الناي وتجيد الغناء كما كانت على قدر من الجمال والحسن  وقد نقل اليافعي نص بعض الصالحين   خطر لي أن أزور رابعة العدوية  رضي الله تعالى عنها  وأنظر أصادقة هي في دعواها أم كاذبة  فبينما أنا كذلك  وإذا بفقراء قد أقبلوا ووجوههم كالأقمار ورائحتهم كالمسك  فسلموا علي وسلمت عليهم  وقلت من أين أقبلتم فقالوا  يا سيدي حديثنا عجيب  فقلت لهم  وما هو  فقالوا نحن من أبناء التجار الممولين  فكنا عند رابعة العدوية  رضي الله عنها في (مصر) وربما (البصرة) فقلت وما سبب ذهابكم إليها فقالوا كنا ملتهين بالأكل والشرب في بلدنا فنقل لنا حسن رابعة العدوية وحسن صوتها  وقلنا لابد أن نذهب إليها ونسمع غناءها وننظر إلى حسنها فخرجنا من بلدنا إلى أن وصلنا اليها فوصفوا لنا بيتها  وذكروا لنا أنها قد تابت  فقال أحدنا  إن كان قد فاتنا حسن صوتها وغنائها، فما يفوتنا منظرها وحسنها  فغيرنا حليتنا  ولبسنا الفقراء  وأتينا إلى بابها  فطرقنا الباب فلم نشعر إلا وقد خرجت  وتمرغت بين أقدامنا وقالت لقد سعدت بزيارتكم لي فقلنا لها  وكيف ذلك فقالت عندنا امرأة عمياء منذ أربعين سنة  فلما طرقتم الباب قالت  إلهي وسيدي بحرمة هؤلاء الأقوام الذين طرقوا الباب إلا ما رددت علي بصري  فرد الله بصرها في الوقت وعندها نظر بعضنا إلى بعض وقلنا ترون إلى لطف الله بنا  لم يفضح سريرتنا فقال الذي أشار علينا بلبس الفقراء  والله لا عدت أقلع هذا اللباس وأنا تائب إلى الله عز وجل على يدي رابعة فقلنا له ونحن وافقناك على المعصية  ونحن نوافقك على الطاعة والتوبة فتبنا جمعيا على يديها  وخرجنا عن أموالنا جميعها  وصرنا فقراء كما ترى.

    وقد دخلت  رابعة طريق العباد والزهد ببكاء وخوف والتهجد في الليالي الطوال  فكانت تحضر حلقات المساجد والأذكار واتخذت حياتها في حلقات الذكر والوعظ والإرشاد ومغالبة النفس  فتعرفت على (حيونه) وهى عابدة من أكبر عابدات البصرة  وقد تاثرت رابعة بها جدا فكانت رابعة تزورها وتقضي الليل معها  وتخلوا وتنشد (راحتي يا إخوتي في خلوتي_ وحبيبي دائماً في حضرتي_ لم أجد لي عن هواه عوضا_ وهواه في البرايا محنتي_ حيثما كنت أشاهد حسنه_ فهو محرابي إليه قبلتي_ إن أمت وجداً وما ثم رضا_ وأعنائي في الورى وأشقوتي)

    وقد أكدت خادمتها التي لازمتها طوال حياتها  عبدة بنت أبي شوّال ان لرابعة أحوال شتى   فمرة يغلب عليها الحب  ومرة يغلب عليها اليأس  وتارة يغلب عليها البسط، ومرة يغلب عليها الخوف  ولكن العشق الإلهي كما رأينا يبقى طابعها المميز  ورائدها في تصوفها  فهذه أبيات في إنشادها العشق الإلهي (فليتك تحلو والحياة مريرة_ وليتك ترضى والأنام غضاب_ وبيني وبين العالمين خراب_ إذا صح منك الود فالكل هين_ وكل الذي فوق التراب تراب)

    بعد ان تجاوزت رابعة نطاق المحبة وصارت إلى مقام الإشراف فقد حجت أكثر من مرة وذكر في المراجع أن رابعة قد حجت بيت الله حافية تمشي على الأقدام آخذة بوصية عبد الله ابن عباس لبنيه عند موته فقد قال وا أسفاه  أأظلم بصري حتى لم أعد أرى الكعبة  فسمع صوتاً يقول ( يا إبراهيم  لست أعمى  لكن الكعبة ذهبت للقاء رابعة) فتأثر إبراهيم  ثم رأى الكعبة وقد عادت إلى مكانها ثم شاهد رابعه تتقدم فقال لها   أي رابعه  يا لجلال أعمالك  ثم ما تلك الضجة التي تحدثينها في الدنيا  فالكل يقولون  ذهبت الكعبة للقاء رابعة فأجابته  يا إبراهيم  وما تلك الضجة التي تثيرها أنت في الدنيا بقضائك أربعين عاما حتى تبلغ هذا المكان فالكل يقولون إبراهيم يتوقف في كل خطوة ليصلي ركعتين فقال إبراهيم ( نعم مضيت أربعين ربيعاً اجتاز هذه الصحراء) فقالت رابعة ( يا إبراهيم لقد جئت أنت بالصلاة  أما أنا فقد جئت بالفقر) ثم بكت طويلاً  وهذا ما قاله المؤرخون عنها  فمنهم من وقف معها ومنهم من وقف ضدها  فالبعض يراها تبالغ في تصوراتها وخيالها  لأنها اعتبرت أن تشوقها للجنة إنما يشكل خطيئة تقترفها  كما يروي عنها                ( دخل جماعة على رابعة يعودونها من مرضٍ ألم بها  فسألوها  ما حالك قالت والله ما عرفت لعلتي سبباً ..عرضت عليّ الجنة فملت بقلبي لها فأحسست أن مولاي غار عليّ فعاتبني  فله العتبى) وهنا تعني أن الله عاتبها لهذا الميل  لأنه مولاها وحبيبها  فتابت .

    ما هذا العشق الالهى والزهد المجرد من مغريات الدنيا الفانية..انه عشق رابعة رضى الله عنها وهى من عظيمات سيدات العرب

    * المصدر: كتاب سيدات العرب للكاتب رضا رمزى

    حقوق الطبع والنشر محفوظة للكاتب ولموقع "الزمان المصرى"

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed:  سيدات العرب ..ام الخير رابعة العدوية ..بقلم_رضا رمزى (12/40) Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top