كلما رأيت إليه، وجدته يتفحص مكونات وجوده
التي تنقلت مثل عصفور مصاب من شدة حرب، الى اخرى اكثر قهراً وانكساراً، من أحلام المسرح
وضجيجه، الذي يثير الدهشة والارتباك معاً، ليحط عند مدينة سردية لم يلجها في السرد
العربي غير نفر قليل، كانت سرديات ناتلي ساروت، محفزاً اساسياً، وكان زكريا ثامر المعلم
الامهر الذي فتح الطريق، فيما اشار ابراهيم أحمد وخالد حبيب الراوي وهو يقدم عربته
التي اثارت جدلاً، الى أن ثمة وسيلة سردية تختصر القول ، وتقدم الغايات المطلوبة، حيث
كانت الرغبة، وقف صلاح زنكنه مراقباً تلك المسافات بين السرد القصير المشحون بالحكاية،
وذاك المترامي الأطراف، كانت الحرب أرضاً خصبة لاختيارات زنكنه، شخوص مأزومة وسط نداءات
موت وتوابيت وأوجاع أرامل، والازمات تلك تحتاج الى ارساليات برقية سريعة، الشخوص التي
يتعامل معها زنكنه، تحتاج دائماً الى طوق نجاة، وغالباً ما يكون السارد هو الراوي الموثق
لما يحدث، الأناث اللواتي منحتهن الحروب شهادات حرمان بامتياز، كان صلاح زنكنه، يقف
عند أبواب مأسيهن ليتحول الى موثق يمكن الركون اليه في ما يمكن أن نسميه وثائق الحرب
الاجتماعية، الوثيقة السردية لدية تأخذ اليسر والسهولة دون تقعر لغوي، وايهامات اشارية،
كل شيء متحقق منه، ومفحوص بدقة، ومخطط له، لهذا تأتي سرديات زنكنه القصيرة جداً، وكأنها
محفزات ادانية، حتى تلك التي كانت تبتعد عن الحرب وتشير الى الأفعال القهرية السياسية،
الشخوص ترى، وتقوم بالمهام الدلالية وايصال الرسالة الى متلقيها، فيما يتخذ زنكنه دور
المدون الذي يشارك في بناء الأحداث لمرات، والابتعاد عنه لمرات كثيرة، عين زنكنة شديدة
الملاحظة، فاعلة في اختيار الشخوص التي تحفز على الأسئلة، والمانع بتاً لأي اجابة،
زنكنه بطبعه الانساني لا يتعامل مع الاجابات كثيراً، لهذا عمد الى خيارات السرديات
القصيرة جداً، اثارت هذه السرديات كثيراً من اللغط، وحدة التعامل، والابعاد في أحايين،
لكنه ظل وفياً لاختياراته حتى وانموذجه الدفاعي عن حريات الانثى وكوناتها التي لا تخرج
من انكسارت الزمن وقهريات وجوده، زنكنه يرى في الانثى أجمل وأرق وسائل التعبير السردي،
حتى وأن كانت هذه المرأة تقف عند حافة الانهيار، ينبش ليكتشف لب السرديات الحكائية،
يلمها ببطء ثم يتعمد اختصارها، واعادة بنائها باختصار يؤدي أغراضه، من عمق هذا الفهم
انتقل زنكنه، ليقيم له صرحاً جمالياً مغايراً، اختار وجدانيات الروح ليقدم سرداً شعرياً،
اوقفه في مطاف أولئك الذين ملأ الحب قلوبهم بالأمل وعشق الحياة، يتحرك بسهولة ويسر
بين همين أساسيين الانسان المستلب، المأخوذ الارادة، والانثى الحبيبة التي تشعل الروح
بالأماني وتأخذه الى براري الامان والألفة والترقب، وهذا ما يبحث عنه صلاح زنكنه، العارف
بكل ارثيات النفس البشرية واطمارها الكونية، اهتمت النقدية العراقية باشتغالات زنكنه
الجمالية، واشارت اليه كواحد من سراد البلاد المهمين، وهو المواضب على الديمومة والبقاء
عند مكتشفاته واناثه الراويات ، الخالقات لكل ما يمكن ان يضع زنكنه عند الصف الأول،
إن كان هناك ثمة صفوف، وأجيال، السارد الفاعل كما يقول كونديرا، هو الذي يتخلص من عقد
الايدلوجيا المبشرة، وينتمي الى الانسانية بكل فعاليتها، وهذا ما هو عليه صلاح زنكنه،
فاعل بصخب، محتج بهدوء، مدون بصدق الاختيار والتأثير.
0 comments:
إرسال تعليق