سنوات
عديدة مضت إلا أنني ابدا لا أنسي هذا الموقف فقد كان مدرس التربية الفنية في المرحلة
الابتدائية فنانا بحق وكانت له إبداعات كثيرة ومتفردة .ومع أنني في هذه المرحلة
كنت انظر إلي مادة التربية الفنية علي أنها من المواد الهامشية التي لايجب
الاهتمام بها أو الاعتناء .
هكذا
علمونا إلا انه كان يريد أن يستنطق فينا المواهب المدفونة وربما استوعبت ذلك
متأخرا عندما كبر سني .المهم أن أستاذ التربية الفنية أصدر فرمانا هذا نصه .يكلف
كل تلميذ برسم لوحة فنية يعبر فيها عن آماله للمرحلة المستقبلية ولكل منا حرية
الاختيار للرسم الذي يناسبه ومايروق له ..وتضمن الفرمان مهلة ثلاثة أيام لانجاز
المطلوب وإلا كان الجزاء علقة ساخنة وأدناها الضرب علي أطراف الأصابع ..ياله من
جزاء رادع ومؤلم ..المهم انه في صبيحة اليوم المحدد تلاقينا نحن التلاميذ قبل
طابور الصباح كل منا يريد أن يعرف ماذا فعل الآخر .وأعتقد أنني كنت أري في لوحتي الأضعف
علي الأقل أنني لم أكن امتلك وقتها أدوات الرسم ..وزاد من خوفي أن أحدا من الزملاء
لم يبارك ما قمت به .
المهم
جاء وقت الحساب فإذا بالأستاذ يتفحص لوحات الزملاء وكان من نصيب الأول والثاني
الوقوف كتفا بكتف أمام السبورة تمهيدا للجزاء الرادع والمنتظر .وكلما اقترب مني
ازددت توترا ورعبا .وأصابني الدوار وتمنيت أن تحدث مصيبة يكون الأستاذ أحد أطرافها
حتي اخرج من هذا النفق المظلم ..وهاهو يمسك بكراستي ويلتفت ذات اليمين وذات اليسار
.قائلا هذا هو الفن ..أي فن ؟؟؟مستطردا كلامه هذا ما أردت وظننت في بداية الأمر انه
يسخر مني ويهزأ توطئة للجزاء الرادع ..فإذا به يطلبني للوقوف بجواره وأدركت في هذه
اللحظات أنني فنان كبير وموهوب المهم أن الأستاذ تمادي في مدحي وهو يعدد محاسن
ماقمت به ..وكيف أنني اجدت في التخيل وحرصي علي اختيار الموضوع الذي يناسب سني .
وفهمت
انه لم يكن يقصد الإجادة في رسم الشخصيات بقدر التخيل في ترتيب الأولويات وقد رأي أنني
نجحت في ذلك ..وعلمني مدرس التربية الفنية أن الإنسان لايملك إلا الاجتهاد
والمثابرة قدر ما يستطيع ولن يكلف الله نفسا إلا وسعها أما النتائج فلا دخل له بها
..فهي مكتوبة ومقدرة وماقدره الله سيكون وفرق كبير بين التواكل والتوكل علي الله ؛
فالأول ممقوت أما الثاني فهو الذي يؤتي
ثماره شريطة الأخذ بالأسباب المشروعة والتي تتفق مع قناعات الإنسان .درس مهم تعلمته
من مدرس التربية الفنية فقد كان رائعا وفنانا ويكفي انه مدحني وسمح لي بالوقوف إلي
جواره ؟؟
*كاتب
المقال
باحث
وكاتب إسلامي مصرى
0 comments:
إرسال تعليق