إن منطقة الشرق الأوسط من أكثر مناطق العالم التي تنهكها النزاعات منذ عقود. والنزاع الفلسطيني الإسرائيلي يُعد من أقدمها وأعقدها، لاسيما الجانب المتعلق منه بمطلب إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.
لقد طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخطة التي وصفها البعض بـ “صفقة القرن” للسلام في الشرق الأوسط وتهدف الخطة لتسوية أحد أطول الصراعات في العالم قائلاً: تتخذ إسرائيل اليوم خطوة كبيرة نحو السلام، وإنها ربما تكون فرصة الفلسطينيين الأخيرة للحصول على دولة مستقلة.
اقترح السيد ترامب أن تكون هناك عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية، متعهداً بأن تظل القدس عاصمة “غير مقسمة” لإسرائيل.
تتضمن “صفقة القرن” تخصيص مبلغ خمسين مليار دولار لتمويل استثمارات في الأراضي الفلسطينية ووصفت بأنها تاريخية وقادرة على إجراء تحول جذري في الضفة الغربية وقطاع غزة وفتح صفحة جديدة في التاريخ الفلسطيني وإجراء نقلة نوعية في الاقتصاد كفيلة بتأمين مليون فرصة عمل.
لقد صاغ البيت الأبيض “صفقة القرن” بأسلوب ذكي تظهر أنها تهتم بقضية إنسانية فلسطينية بتقديم المساعدة المالية “خمسين ميار دولار” وتهدف إلى حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني؛ بما أن “صفقة القرن” تشكل خطراً مصيرياً على الشعب الفلسطيني والمنطقة كلها حيث أنها تسلب الفلسطينيين أرضهم ووطنهم وكرامتهم وتضع القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية تحت قدم الاحتلال الإسرائيلي بشكل دائم.
أكد الرئيس الأمريكي بقوله ستكون هناك دولة فلسطينية بشرط الرفض الصريح للإرهاب، وسيكون هناك تجميد للبناء الإسرائيلي لأربع سنوات في المنطقة المقترحة للدولة الفلسطينية ولكن الهدف الحقيقي ماوراء “صفقة القرن” هو هزيمة الرواية التاريخية الفلسطينية وشطب الحق الفلسطيني الطبيعي والسياسي والقانوني في فلسطين ولا تهدف إلا الاعتراف بالرواية اليهودية المستحدثة.
تقرر”صفقة القرن” خطة من جانب واحد مصير كل المسائل الجوهرية المطروحة للمفاوضات بما تنسجم تماماً مع موقف الحكومة الإسرائيلية إذ تمنح أولوية لاحتياجات إسرائيل الأمنية عندما يتعلق الأمر بتوزيع الأرض؛ وتجعل كل مستوطنات الضفة الغربية جزءا رسميا من إسرائيل.
قدم السيد ترامب هذه الخطة بدعم وموافقة إسرائيلية ولم يدعُ أياً من الأطراف الفلسطينية لإطلاعه على التفاصيل التي ستدفن حل الدولتين للأبد وتشرعن المستوطنات الاسرائيلية، وتنطوي على التنازل عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية.
قد تفتح هذه الخطة التي قدمها الرئيس الأمريكي باسم إحلال السلام الباب الجديد لضم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى اسرائيل.
ومن الواضح أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ما هي إلا فرض حل أحادي الجانب على حساب الحقوق الفلسطينية، فهذا الموقف الأمريكي الجديد يخلق مشاكل للدول الأخرى في العالم التي كانت تتصرف على أساس الهيكل المتفق عليه دوليا للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين.
وعلى صعيد آخر، عبر الفلسطينيون عن رفضهم للصفقة رسمياً وشعبياً في الداخل والخارج حيث أعلنت لجنة المتابعة العليا الفلسطينية بكافة مرتباتها وباسم كافة أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل رفضها للمؤامرة الإسرائيلية الأميركية المسماة “صفقة القرن” الموجهة ضد الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وبكل أفراده في القدس والشتات والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل.
أما الفلسطينيون فإنهم يريدون دولة مستقلة تضم الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، ولن يقبلوا دولة دون أن تكون القدس الشرقية عاصمتها.
حيث يرى الفسلطنيون أن القدس ليست للبيع، وكل حقوقهم ليست للبيع والمساومة، والسبيل الوحيد للسلام في الشرق الأوسط هو تأسيس دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل عام 1967م.
فإن “صفقة القرن” التي قدمها الرئيس الأمريكي في الواقع هي صفقة بيد واحدة.
*كاتب المقال
الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عالية ،كولكاتا – الهند
0 comments:
إرسال تعليق