هاجم
المحلل السياسي، رامي الشاعر، ما يسمى بـ"صفقة القرن"، في مقالته
الأخيرة في صحيفة " زافترا" الروسية.
وكتب
الشاعر يقول: تعدنا وسائل الإعلام الغربية بأن دونالد ترامب، سيعلن قريباً عن
تفاصيل خطته لحل النزاع العربي الإسرائيلي.. تحمل هذه الخطة اسماً طناناً هو "صفقة
القرن"، ويدور الحديث عنها منذ وقت طويل.
وإلى
جانب ظهور بعض تسريبات الخطة الأمريكية على أعلى المستويات في دول مثل إسرائيل
والأردن وفرنسا، وصلت تلك التسريبات لبعض وسائل الإعلام. فعلى سبيل المثال، أذاعت
قناة "الميادين" التلفزيونية اللبنانية أنه وفقاً لمشروع الخطة، فلن
تُقسّم القدس، لكنها ستظل موحدةً تحت السيطرة الإسرائيلية، على الرغم من أن
إسرائيل ستتقاسم "بعض المسؤوليات" مع الدولة الفلسطينية.
وقد وصلتني معلومات بأن ترامب سوف يسمح في إطار "صفقة
القرن" بأن تكون بعض أجزاء من القدس الشرقية ضمن حدود عاصمة الدولة
الفلسطينية المزمع إعلانها.
هذا
هو الانتهاك الأول لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي ينص منذ زمن
بعيد، أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. كما تنص خطة ترامب أيضاً على تشكيل ما يسمى بـ "فلسطين
الجديدة" في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن مع بقاء قطع الأراضي التي توجد
عليها مستوطنات يهودية تحت السيادة الإسرائيلية. وهذا هو الانتهاك الثاني الصارخ
لقرارات الأمم المتحدة، التي تنص على أن جميع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي
الفلسطينية غير قانونية، ويجب تفكيكها.
لكن
انتهاكات القانون الدولي لا تقف عند هذا الحد. دعونا نذكر أن رئيس الوزراء
الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو كان قد وعد الخريف الماضي بأنه سوف يضمّ وادي الأردن،
قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها فوراً. إلا أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، نصحه
بعدم التسرع في القيام بذلك حتى يتم تنفيذ "صفقة القرن" مع العرب. هذه
النصيحة دليل آخر على نية خداع الفلسطينيين والمجتمع الدولي: فلنعقد "صفقة
القرن" مع العرب أولاً، ثم نضع الفلسطينيين أمام الأمر الواقع بضم واحدة من
أهم المناطق في الدولة الفلسطينية.
لن
تدهشني مفاجآت أخرى في النص المنشور للخطة الأمريكية. لكن، وفي الوقت نفسه، دعونا
ننتبه إلى أن الخطة الأمريكية هي "صفقة مزيّفة" في جوهرها، لأنها صممت
منذ البداية، ولمدة طويلة إن لم يكن للأبد وفقاً لتسميتها، لخداع الشعب الفلسطيني،
وحرمانه من حقوقه الشرعية في الوجود المستقل داخل الحدود المقررة له. ومعنى نشر
هذه الخطة الآن، يثبت مرة أخرى فائدتها الاستثنائية للرئيس ترامب ولرئيس الوزراء
نتنياهو. فكلاهما يمرّ بأوقات صعبة، حيث يناقش مجلس الشيوخ الأمريكي قضية عزل
ترامب، وفي تلك الآونة يصبح دعم الأمريكيين اليهود، وخاصة المليارديرات منهم، في
غاية الأهمية بالنسبة له. بينما يُتّهم نتنياهو بارتكاب جرائم مثل الرشوة والتزوير
وتقويض الثقة، و"صفقة القرن" يمكن أن تكون طوق النجاة بالنسبة له: ليتغلب
على شعبية منافسه في الانتخابات، غانتس، وربما يحصل على "الحصانة" من
الملاحقة القضائية.
من
هنا يكون نشر "صفقة القرن" الآن هدية لكليهما، فحتماً سيعلن الرئيس
الأمريكي أنه، وبينما يحلّ المشكلات الملحة حول العالم وليس فقط في الشرق الأوسط،
يحاول الديمقراطيون عرقلته من خلال مواجهته باتهامات سخيفة، تقف حائلاً أمام
سياساته التي تهدف إلى ضمان مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الرئيسية
في منطقة الشرق الأوسط. من جانبه سيعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أن صداقته مع
ترامب، وضمان تنفيذ "صفقة القرن" هي نتيجة لسياساته الحكيمة ومناوراته
الاستراتيجية الماهرة، في حين أن الأشخاص الذين يطالبون بالتحقيق في سياسته
المحلية اليومية، هم أهل الدسائس والحاسدين من السياسيين وقادة المعارضة. وفي كل من
الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، سيتم تركيز الاهتمام العام على كيفية قبول
الخطة الأمريكية في المنطقة والعالم، وليس على المشكلات الشخصية للرجلين.
بالإضافة
لذلك، يجب الاعتراف بأن كلا الرجلين قد اختار الوقت المناسب بعناية شديدة. ففي ٢٣
يناير، التقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين
نتنياهو وعدد من القادة في إطار منتدى الهولوكست العالمي الخامس تحت شعار "الحفاظ
على ذكرى الهولوكوست، ومكافحة معاداة السامية"، إلا أن الأهم من ذلك بالنسبة
للرأي العام الإسرائيلي، هو لقاء الرئيس الروسي بوالدة المواطنة الإسرائيلية
المدانة في روسيا بتهريب المخدرات، نعمة يساكر. وذلك أيضاّ يصب في مصلحة نتنياهو. في
النهاية، لا ينبغي لأحد أن يقلل من أهمية المنتدى من وجهة نظر تعاطف المجتمع
الدولي مع اليهود، ممن قدموا تضحيات رهيبة في سنوات الحرب العالمية الثانية، وتحدث
نتنياهو مرة أخرى في المنتدى الدولي كداعم للنضال الحاسم ضد معاداة السامية،
وكمدافع عن اليهود في شتى بقاع الأرض.
لقد
حضر إلى المنتدى المكرّس لذكرى ضحايا الإبادة الجماعية الفاشية ضد اليهود، ومكافحة
معاداة السامية، حوالي 50 من قادة العالم والشخصيات السياسية البارزة، حيث يعد
موقف المجتمع الدولي من الهولوكوست مثالاً للحزن على اليهود الذين ماتوا في
معسكرات الاعتقال، وقام بقتلهم النازيون الألمان بمساعدة شركائهم من اللاتفيين
والليتوانيين والقوميين الأوكرانيين وأتباع الفاشية من دول أخرى. لقد راح ضحية معاداة
السامية ومعاداة اليهود ثلث عدد اليهود حول العالم، وتلك مأساة بشرية كبرى. والمنتدى
في إسرائيل، بالطبع، هو مثال حي على تصميم معظم الشعوب في العالم على عدم تكرار
مأساة مروعة كهذه مرة أخرى.
في
الوقت نفسه، وبينما نحزن مع اليهود على موت ملايين الأبرياء في أوروبا، من الصعب
ألّا نتذكر الشعب الفلسطيني، الذي يعيش إلى جانب الشعب الإسرائيلي، ويعاني اليوم
من صعوبات فظيعة في المعيشة، في ظل ظروف نظام الاحتلال. وهو النظام الذي أنشأه
اليهود، الذين تحمل ذاكرتهم التاريخية آلام المعاناة والاضطهاد، والتي كان من
المتوقع أن تشكّل حصانة ضد تحول الأراضي الفلسطينية إلى معسكر اعتقال ضخم.
هكذا
أيضاً يعتقد كثير من الأشخاص داخل إسرائيل بالمناسبة. فقد كتب الصحفي الإسرائيلي،
جدعون ليفي، في صحيفة "هآرتس" عن المنتدى الأخير: " إن عدم ذكر
ضيوف إسرائيل كلمة واحدة عن الجرائم التي ترتكبها الدولة (الإسرائيلية)، وتذكّر
الهولوكوست، وتجاهل دروسه، هو نفاق لا مثيل له". كلمات مريرة، ولكن جوهرها
واضح: فالإنسانية تتذكر مأساة اليهود، لكنها لا تبذل سوى القليل لوضع حد للأحداث
المأساوية في فلسطين. والجدير بالذكر أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان من بين
القليل من الزعماء الذين وصلوا إلى القدس، وقاموا بزيارة الأراضي الفلسطينية،
والتقى بوتين القيادة الفلسطينية، تعبيراً عن تضامن روسيا مع نضال الشعب الفلسطيني
في قضيته العادلة، وحقه في تقرير مصيره وإعلان دولته المستقلة، وفقا لما نصت عليه
قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
ان قسما
كبيرا من الشعب الفلسطيني ليس
طرفاً في "صفقة القرن". فإذا وافق على الشروط التي سيضعها ترامب، فسيظل
هناك دائماً سبب كي تستمر إسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية، وإذا رفض الخطة
الأمريكية، فسوف يوفّر لإسرائيل ذريعة للبدء في مراجعة الظروف المجحفة التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني
اليوم، وستبدأ عملية الضم الأحادي الجانب للمناطق الفلسطينية الأكثر أهمية وخصوبة،
ما سيؤدي إلى تقليص الأراضي الفلسطينية، والضغط على السكان المحليين خارج ما يسمى
بـ "الأراضي التوراتية".
لقد
امتنع عدد من الدول العربية عن انتقاد الخطة الأمريكية، بينما يحاول السياسيون في
تلك الدول الابتعاد عن التعليق عليها بعبارات غامضة. وهذا، في رأيي، أمر طبيعي
للغاية، ويحدث حينما تتخلى الدول عن سيادتها الحقيقية، وتنفذ "نصائح" قادة
الناتو بطاعة عمياء، وترتعش حينما تسمع الصيحات من وراء المحيط. إن إخضاع الدول
لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعطت لنفسها حق القرار فيما هو جيد أو
سيء للمنطقة من وجهة نظرها، أفقد حلفاء الولايات المتحدة حق إبداء الرأي، وأصبحوا
مجرد مروجين للسياسة الأمريكية. والآن تعلم الولايات المتحدة الأمريكية حق العلم،
أنه حتى وإذا اعترضت الشعوب، وعبّرت عن موقفها السلبي تجاهها، فإن الخطط الأمريكية
سوف تنفذ بشكل أو بأخر في عدد من الدول العربية. وإذا كانت دول الشرق الأوسط فيما
سبق تطرح خططها الخاصة لتسوية الأزمة، فإنها تفضل الآن أن تقف في انتظار التعليمات.
فما
الذي يمكن قوله هنا؟ أذكر خلال حرب يوم الغفران، أن دول الخليج العربي كانت قد
اتخذت قراراً مشتركاً بوقف إمدادات النفظ عن الغرب، حتى ترفض أوروبا دعم إسرائيل،
ولممارسة الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تزوّد إسرائيل بالأسلحة
دون انقطاع. يصعب عليّ أن أتصور أمراً كهذا في الوضع الراهن، حتى لو أخذنا في
الاعتبار أن غالبية الجماهير في هذه البلدان سيعارضون "صفقة القرن". لقد
نجح الناتو في تكبيل أيدي وأقدام الدول العربية، وحتى مهد الإسلام، وموطن الحرمين
الشريفين أصبحت غير قادرة على الاعتراض على الولايات المتحدة اليوم، على الرغم من
كل تصرفاتها المعادية للعرب. ترتبط العديد من الدول العربية بالغرب من خلال عقود
استعبادية إلى حد كبير، حتى بات وصفها بـ "وحدة التحكم عن بعد" لواشنطن
وصفاً دقيقاً. في الوقت الذي تخيف فيه واشنطن باستمرار دول الخليج بالتهديد الوهمي
لإيران.
تلقت
أوروبا أيضا أنباء النشر الوشيك لخطة السلام الأمريكية بشكوك كبيرة. حتى أن الصحف
الغربية والإسرائيلية علّقت على موقفها من "صفقة القرن" على النحو
التالي: لن تطرح دول أوروبا الغربية خطتها البديلة للسلام، إلا بعد أن تنهار خطة
الرئيس الأمريكي أمام أعين العالم بأسره. وبالنسبة للرئيس الفرنسي، إيمانويل
ماكرون، فقد جاء تعليقه منصفاً: لن يكتب النجاح لأي خطة سلام على الإطلاق، إذا لم
يرغب الجانبان في تحقيق السلام من خلال الجهود المشتركة. أعتقد أن الفلسطينيين لن
يقدموا على تغيير الحدود بين الدولتين، إلا من خلال تبادل بعض الأراضي، وبالتأكيد
ليس من خلال ضم أحادي الجانب لأراضيهم من قبل إسرائيل.
وفي
إسرائيل نفسها، يرى العديد من السياسيين والمحللين السياسيين أن المسار الذي
اختاره نتنياهو، والذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية، لن يؤدي إلى تحسين
الأوضاع في إسرائيل في المنطقة، بل على العكس، سيزيد الطين بلة، ويؤدي إلى تفاقم
الأوضاع. وستقدم "صفقة القرن" إسهاماً كبيراً في ذلك، لقدرتها على تحويل
المواجهة السياسية في المنطقة إلى مواجهة عسكرية. وحول ذلك قال رئيس الوزراء
الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، إن اعتزام نتنياهو ضم وادي الأردن هو عمل سياسي
شعبوي واستفزازي من شأنه أن يضر بأمن إسرائيل، ويؤثّر سلباً على صورتها في العالم،
في الواقع لا يمكن أن يكون لهذا الإجراء أي
فوائد سواء من الناحية الدبلوماسية أو من وجهة النظر الأمنية.
في
وجهة نظري، أرى أن التصريحات المتعلقة بالضم المحتمل لوادي الأردن تحمل هدفين. الهدف
الأول هو أنها بمثابة بالون اختبار لاستكشاف المدى الذي يمكن أن تذهب به الولايات
المتحدة الأمريكية لدعم تطور الموقف. ولم يرفض الأمريكيون، كما أصبح معروفاً، هذه
المبادرة وإنما تعاملوا معها حتى "بتفهم". الهدف الثاني، هو إثارة نوع
من ردود الفعل في العالم العربي، وهنا رأينا مرة أخرى أن الدول العربية، بما في
ذلك الأردن، الواقع على الضفة الشرقية من نهر الأردن، لم تتمخض عن أي إدانات حادة،
وإنما شيء من قبيل التدخلات غير المحورية. ليصبح مفهوماً الآن أن نية ضم وادي
الأردن لم تعد مجرد "فكرة"، وإنما أضحت هدفاً سياسياً واعياً يحدده
نتنياهو لولايته الجديدة.
كفلسطيني،
أعتبر نفسي مضطراً ببساطة للتعبير عن وجهة نظري حول كيفية سير الأمور في الشرق
الأوسط عقب نشر "صفقة القرن". وبصرف النظر عمّا إذا كانت وجهة النظر هذه
صحيحة أو خاطئة، فإن الوقت وحده سيحدد، لكن محللين سياسيين في سوريا والعراق
وإيران يدعمون وجهة النظر هذه، ناهيك عن الفلسطينيين، لأنها تستند إلى الحقائق
والعوامل المختلفة التي تحرّك المنطقة اليوم.
بادئاً
ذي بدء، فإن العداوة تجاه إسرائيل على المستوى الشعبي تزداد. وأتوقع تطور الوضع
على هذا المنحى في جنوب لبنان، وفي جزء كبير من سوريا، وفي جنوب ووسط العراق، وفي
الأردن واليمن وحتى في جزء من المملكة العربية السعودية. وسوف ترتفع حدة العداء
بين إيران وإسرائيل، خاصة بعد انتشار معلومات عن المساعدة التي قدمتها المخابرات
الإسرائيلية للأمريكيين في عملية قتل الجنرال قاسم سليماني.
والعداء،
مع الأسف، سوف يتخذ شكل حرب العصابات على مستوى الشخصيات، أو على مستوى الذئاب
المنفردة من الانتحاريين. وكلما ازدادت رقعة الأراضي التي ستضمها إسرائيل، كلما
ارتفعت حدة هذه العمليات، التي سوف تهدد المواطنين الإسرائيليين. تفيد تقارير
مكافحة التجسس الإسرائيلية بأنها تفشل
سنوياّ من خمسمئة إلى ألف عملية إرهابية، والحديث هنا يدور بالأساس عن
عمليات يائسة، أو عمليات لأشخاص أجبروا على الوصول لمرحلة عدم الاتزان. فإسرائيل
لم تواجه أبداً مقاومة من حرب عصابات منظمة، ويمكن أن يصبح ذلك محنة كبيرة لشعبها،
إذا ما كانت هذه الحرب على نطاق واسع. أضف إلى ذلك أن طعن الكرامة العربية يمكن أن
يتسبب في اندلاع موجة جديدة من الإرهاب في الشرق الأوسط.
كل
ذلك يمكن أن يصبح حقيقة لعدة أسباب أخرى. أولها هو الانقسام الفلسطيني، وحتى
العداوة بين قادة السلطة الفلسطينية وقادة حماس في قطاع غزة. كان الإسرائيليون في
وقت من الأوقات يرحبون بهذا الانقسام، أما اليوم فيأسفون بشدة لذلك، حينما أصبحت
وحدات حماس اليوم أفضل تدريباً وتجهيزاً عن ذي قبل، بل أصبحت تتحدى الوحدات
المصرية على حدود قطاع غزة. ولم يعد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يتمتع بأي سلطة
في غزة: فبعد أن استولت حركة حماس بالقوة على السلطة في القطاع، أصبحت تتجاهل
منظمة التحرير الفلسطينية بالكامل، بما في ذلك مكونها الرئيسي حركة فتح، وبالتالي
قيادة السلطة الفلسطينية.
في
المقابل، اتهمت فتح حماس، نهاية شهر ديسمبر الماضي، بالترويج للخطة الأمريكية بشكل
جوهري، حيث لم يعجز زعيم الحركة، إسماعيل هنية، عن تمثيل الشعب الفلسطيني، وإنما
ساهم في تمثيل أولئك الذين يتآمرون على الشعب الفلسطيني. وكما نرى، فإن الانقسام،
وتدهور العلاقات بين المنطقتين اللتين يعيش فيهما الشعب الفلسطيني، سيرغم
الإسرائيليين على التعامل مع قوتين لا يتفقان فيما بينهما. في الوقت نفسه، أعلن
محمود عباس، أن تنفيذ "صفقة القرن" سوف يجبر القيادة الفلسطينية في
الضفة الغربية على اتخاذ تدابير ضد إسرائيل، تستطيع السلطة الفلسطينية القيام بها
بكامل إرادتها: فسوف تسحب اعترافها بإسرائيل، وهو إجراء سيمس العالم العربي
بأكمله، ولن تنسق السلطة جهودها في الحفاظ على الأمن مع الجيش الإسرائيلي. وكلا
الإجراءين سيؤديان إلى الفوضى.
وفي
هذه الأثناء، يذكّر المحللون السياسيون، المطلعون على الخطة الأمريكية، بأنها تنص
على قيام دولة فلسطينية كنتيجة لاتفاق ثلاثي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحماس.
وفي ظل الظروف الحالية يظل هذا الاتفاق طوباوياً، ولا يمكن تنفيذ الخطة الأمريكية
إلا بالقوة، سواء من جانب إسرائيل أو من جانب الناتو. وفي كلتا الحالتين، فإننا
نتحدث عن سفك دماء جديد. ولم يعد أمام الفلسطينيين ما يخسرونه، لكن ماذا إذا ما
امتدت شرارة المواجهات للمنطقة بأسرها؟
تجدر
الإشارة أيضاً إلى أن قادة السلطة الفلسطينية حذّروا الإدارة الأمريكية من أن
الخطة الأمريكية، لن تتسبب في إحلال السلام في فلسطين، بل ستسبب في احتجاجات واسعة
النطاق في الضفة الغربية وقطاع غزة. تكمن عبثية الوضع حقيقةُ في أن ترامب، والوفد
المرافق له، ممن كانوا على اتصال مع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية بشأن "صفقة
القرن"، لم يبذلوا على أقل تقدير أي جهود تذكر في التشاور بشأن خطتهم مع
الطرف الذي سيلعب الدور الرئيسي في تحقيق السلام: مع الشعب الفلسطيني. لذلك فمن
غير المستغرب أن يعتبر الفلسطينيون خطة ترامب بمثابة "مؤامرة أمريكية صهيونية".
يرى
المحللون السياسيون في الشرق الأوسط بإنصاف أن "صفقة القرن" لعبت دوراً
إيجابياً في إعادة اللحمة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد
أجبرتهم على اتخاذ مواقف موحدة. وهذا يهدد فعلياً بإنشاء جبهة موحدة ضد الخطة
الأمريكية، والقضاء على خطر ضم الأراضي الفلسطينية. وإذا كان محمود عباس قد اعتمد
في وقت سابق على المساعدة الأمريكية في الحفاظ على مستوى معيشي محتمل بالنسبة
للفلسطينيين في الضفة الغربية، فإن قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل عام
٢٠١٧، تسبب في إلغاء التعاون بين السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية
تقريباً. وبالنسبة للسياسيين الفلسطينيين فقدت الولايات المتحدة الأمريكية
وحلفاؤها في الناتو كل مصداقيتهم كوسطاء في تسوية أزمة الشرق الأوسط، بينما دعت
منظمتان فلسطينيتان، لهما باع طويل في النضال من أجل التحرير الوطني هما جبهة
التحرير الفلسطينية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إلى التمرّد على المكائد السياسية للولايات
المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
ربما
ليست تلك هي نهاية الفشل الذي تتكبده الخطة الأمريكية، لكنني أؤمن بثقة أن مغامرة
ترامب في "صفقة القرن" ستواجه فشلاً ذريعاً. وستتكبد نفس الهزيمة التي
منيت بها جميع خطط السلام الأمريكية السابقة، التي طرحتها الولايات المتحدة
الأمريكية على مدار الأعوام السبعة والعشرين الماضية، بدءاً بالاتفاق الشيطاني
اللئيم في أوسلو. علاوة على ذلك، فإني آمل أيضاً أن يغادر الساحة الدولية جميع
السياسيين والاستراتيجيين الشرق أوسطيين، ممن يروجون النشرات والبيانات تحت تأثير
وسائل الإعلام الغربية، وبمباركة الإمبرياليين الجدد من حلف الناتو. فقد حان وقت
مغادرتهم، لإفساح المجال للشباب، المدافع عن مصالح الشعوب، المقاتلين الحقيقيين، الذين
لا يرغبون في انقسام الحركات الشعبية، بل يطمحون في جبهة موحدة مستقلة، ويحلمون
بسيادة الشعوب العربية على أراضيها. وينبغي أن تكون ملتهم الأولى هي فضح وتعطيل
خطط الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، ممن يريدون الحفاظ على
استعباد الدول العربية، وهو ما يجب ألا تسمح به الأجيال الجديدة تحت أي ظرف من
الظروف.
**الكاتب
والمحلل السياسي رامي الشاعر
المقالة
تعبر فقط عن رأي الصحيفة
0 comments:
إرسال تعليق