" طلقني ... أنت طالق"-- كلمة سهلة أصبحت على لسان زوجات وأزواج هذا الجيل ، فبعض النساء يلجأن إلى طلب الطلاق تحت ضغط أي مشكلة زوجية ولو بسيطة بحيث يتحول هذا الطلب إلى سلاح تشهره المرأة الجاهلة في وجه زوجها عند حدوث أي مشكلة أو اختلاف في وجهات النظر ،وهى لا تقدر عواقب الأمور ،فتلقي الزوجة قنبلة " طلقنى "، تلك الكلمة القبيحة، التي تطلبها الزوجة على غير وعي، وتتفوه بها على غير هدى، تذكرها وتكررها مع كل عاصفة تلوح في أفق حياتها الزوجية، تظن أنها طوق النجاة من عذابات الحياة، وحبل الخلاص من أكدار الدنيا، تقولها وهي جاهلة بعواقبها، تقولها وهي غير مدركة بأنها أمام زوج مزيف لا يعطى للأمور وزنها، فتفجر غضبه وتبدد ما تبقى في نفسه من حلم ، اذا كان عنده حلم .. فيندفع بحماقته ملقياً قنبلة أخرى في مواجهة قنبلة زوجته.. فيصرخ قائلاً: أنت طالق. فتستيقظ الجاهلة المسكينة مذهولة موجوعة.. وقد فاجأها زوجها التافه الاحمق المزيف بتطليقها كما طلبت.. ويندم كلاهما بعد ذلك.. ولكن حيث لا ينفع الندم..
وإذا أردت أن ترى الكارثة بعينك ، فما عليك إلا أن تذهب صباح أي يوم من أيام الأسبوع باستثناء أيام العطلات الرسمية الى المحكمة ، لترى بعينك ..
فتايات جميلات بعمر الورود يتجولن بين المكاتب ، هذه تستلم النفقة وتلك تحمل ملف أوراق تطالب بنفقة ، و اخرى تطلب ضم طفلها أو طفلتها ، وسيدة تطالب بحبس طليقها لعدم دفعه النفقة ، وتجد كل فتاة خلفها أمها أو أبوها يركضان معها للإيقاع بمن كان يوماً شريك حياتها.
وعلى الوجه الأخر ترى شباب أتعبته الدنيا و أرهقته الظروف المعيشية الصعبة و قلة فرص العمل و الديون .. جاء إلى المحكمة تلبية لأمر القاضي الذى أمر بإحضاره للمحكمة ، وهو مكتئب الوجه، تظهر عليه مظاهر البؤس والشقاء والتعب والإحباط، فقد فقط شريكة حياته و فقد أبناءه ، وانهارت أسرته ، وتجد نفسك أمام سؤال لا إجابة له ، لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة ؟!
أبلغ من العمر 46 عاما ، عشت 25 عاما منها بقرية في صعيد مصر ، لم أسمع مصطلح "الطلاق" خلالها ، رغم الحياة المعيشية الصعبة التى كان يعيشها أجدادنا وآبائنا في هذه الفترة العصيبة ..
فقديما كانت كلمة " طلقنى " أو " أنت طالق " كلمة صعبة على الأذن لأنها تفقد الزواج قيمته وقدسيته ، فلا تستطيع أى زوجة أن تقولها ، فالكلمة ذاتها لم تكن واردة في قاموس أى سيدة ولا يلجأ اليها أى رجل الا للضرورة القصوي التى لا علاج ولا حل لها كالرغبة في الإنجاب أو جريمة الزنا والعياذ بالله ، لأنه كانت لدينا نساء تجمع ولا تفرق، تبنى ولا تهدم، تصبر ولا تجزع ، تصمت ولا تثرثر ، تحتوى زوجها وقت الأزمات، وكان عندنا رجل حكيم، هادئ الطباع، يعي معنى الرجولة ، يقدر الزواج ويتحمل المسئولية .. لكن مع اختلاف أجواء التوتر والقلق واللامبالاة التى تعيشها الأسر والبيوت حاليا ،وبما تحيط بها من متغيرات الحياة وما يصاحبها من سوشيال ميديا خبيثة، وأنترنت ومواقع الكترونية ملعونة ، مدعومة بدراما رخيصة ترسخ لفكرة الانفصال تحت زعم الحرية والكرامة ، وأصبح الزوج أمام زوجة تافهة ، لا تقدر معنى " أسرة " ولا تعي معنى " الطلاق ، انتزعت الأمومة والرحمة من قلبها ، عندها الرغبة في الطلاق قبل زواجها ، كل ما يشغل بالها نزواتها الشخصية وتلبية متطلباتها الغير طبيعية، ضاربة بالقيم والأعراف والمسئولية عرض الحائط ، وأصبحت أداة سهلة لأصحاب الفكر المنحرف ، ووقعت فريسة للأفكار الشاذة ، تحت شعار " حرية المرأة "....
وبالتأكيد لم يعفى الرجال من المسئولية ، فقد استيقظنا بعد نوم عميق ، وغفلة طويلة، لنجد زوج تافه أحمق ، مستهتر ، عديم المرؤة والنخوة، ينظر للزواج على أنه المتعة الجنسية الجسدية فقط ، خاملا ، كسولا ، لا ينفق على بيته ، أصبحت المقاهي مجلسه ، والانترنت متعته ، مازال يعيش أحلام اليقظة، ووقع فريسة المخدرات والانحراف الأخلاقي ، وأصبحت وظيفته اللهث وراء المواقع الإباحية وما بها من خيالات ليصطدم بواقع المسئولية من إنفاق ورعاية أسرة مكونة من بيت وزوجة وأولاد ، فلا يجد أمامه الا الهروب من الواقع الأليم ، فليجأ الى كلمة السر " الطلاق "- نعم يلجأ إلى الطلاق ، فهو الحل السريع والسهل بالنسبة له ، وهو لا يفكر في تبعاته الخطيرة من تفكك أسرة وانحراف زوجة وضياع أولاد ، وانهيار مجتمع .... كل هذا أصبح بيئة خصبة لانتعاش حالات الطلاق، فانهارت البيوت التي أُسست على الحب ، وأصبحت كبيوت العنكبوت ، وأصبحت كلمة " طلقنى "، أو كلمة " أنت طالق "، كلمة عادية تذكر في معظم البيوت ، ولاتفه الأسباب ، الا ما رحم ربي ، وأصبح الطلاق ظاهرة اجتماعية خطيرة تدق ناقوس الخطر ، وتهدد كيان المجتمع وقيم الأسرة ، التى أصبحت أكثر عرضة للتفكك والانهيار وسط انتشار غير مسبوق لحالات الطلاق ....
كثرة حالات الطلاق بصفة خاصة والانفصال والخلع والمشاكل الأسرية بصفة عامة ظواهر تحتاج إلى حلول سريعة وجذرية, لتطويقها قبل أن تصبح أزمة لا يمكن حلها ، ونظراً لكثرة الشكوى بين أفراد الأسرة الواحدة، وحدوث الهدم الكامل لها، وضياع مستقبل أطفال لا ذنب لها، من كثرة التفكير في الصراعات الداخلية، وعدم توفير الجو الأسري والنفسي والاجتماعي السوي ، فلابد من وقفة حاسمة وجادة بوجود مؤسسات اجتماعية تهدف إلى تقديم إرشاد نفسي لجميع فئات المجتمع سواء المقبلين على الزواج أو بمن يمر بصراع أسري أو طفل ضائع داخل هذه الأسر، ولتبدأ تلك المؤسسات من داخل المحاكم الشرعية تمتد إلى تقديم العون للأسرة , وتضافر الجهود لمعالجتها"،وإذا كانت المؤسسات الحكومية غير قادرة, فإن المسؤولية الدينية والاجتماعية والإنسانية, تحتم على الخطباء والآباء والأمهات, وإدارات المدارس والجامعات, أن تنهض بأداء مسؤولياتها, لوضع خطط مناسبة لتضييق دائرة هذه الظواهر, وعدم السماح بتصاعدها ودراسة أسباب بروزها".قيل أن يؤدي إهمال هذه القضايا الي تفاقمها ، وبالتالي تعصف بكيان المجتمع .
0 comments:
إرسال تعليق