وضعت القلم على الورقة ، لكى أترجم مشاعري ووجعي ،لما أراه أمام عيني في غربتي ، فتساقطت دموعي قبل أن أكتب حرفا واحدا، وتساءلت من أين أبدأ وكيف أبدأ ؟
وهل ستستطيع الكلمات أن ترسم ما أراه الأن أمام عيني وأشعر به ؟ فأوقات كثيرة تقنع ذاتك بالسعادة حتى إذا كانت زائفة أو مؤقتة لتستطيع ان تتحمل قسوة الغربة .
فهناك من كتب الله لهم الرزق فى أوطانهم ووسط اهلهم وهناك من كان رزقهم فى الغربة ، فإنها اقدار الله ، يكتبها لمن يشاء وكيف يشاء ، فرضينا بقدر الله وأرتضينا بالغربة ،وفارقنا اهلنا واوطاننا ،وتعايشنا وارتضينا بالغربة وبمرور الأيام والشهور والسنين التى اخذت من اعمارنا الكثير رأينا الكثير من معادن الناس المختلفة فمنهم من خذلنا ومنهم طيب الاصل الذى صان العهد فكان لنا الوتد والسند والوطن ، فالبحث عن صديق في الغربة امر مهم ، وان كان هذا الصديق وفيا ومخلصا فهو توفيق ورزق من الله ، فالصداقة امر لا غنى عنه ، ويحتاجه الانسان في حياته، فالصديق المخلص الوفي مثل العملة النادرة التي نبحث عنها دائما، ولا يخفى على احد ان هذه العملة اصبحت قليلة الوجود في هذا الوقت، بل ومستحيلة في الغربة في بعض الاحيان ،فالانسان بعيدا عن الوطن والاهل يحتاج إلى ذلك الصديق الذي يشعر بأن هنالك من يستطيع اللجوء إليه في وقت المحنة والحاجة. فالصداقة ليست تلك الصحبة في مطعم ولا مجموعة من الاصحاب في رحلة أو سكن او زملاء في عمل، بل هي اكبر من ذلك بكثير، لان صديقك هو الاخ الذي لم تلده امك كما قالوا في المثل القديم .
وفي الغربة لا تختار الأصدقاء ، ولكنك تجد نفسك معهم في السراء والضراء، وتشارك في مجاملات وأحاديث ليس لك عليها سلطان ، لعدم وجود توازن فهى ليست أسرتك أو بيئتك الأقرب والمؤثرة فيك تأثيرا كبيرا؟ وهنا يبدأ المغترب في اكتساب صفات غير حميدة في الغربة ، ويفقد بعض السلوكيات الحميدة مع مصاحبة هذا الكم الهائل من كرنفالات المغتربين. فيشترك في أحاديث الغيبة والنميمة، ويتحدث في قضايا بلده في ظروف لا تصلح أصلا للقضايا الوطنية، ويقبل ذلك مرغما وطائعا في آن واحد، على الخوض في كل الشؤون. وهو لا يستمع إلي صديقه وصديقه لا ينصت إليه، ولكنهما يتحدثان حتى لا تقتل العزلة والوحدة أيا منهما، فالمغتربون شرائح متنافرة من البشر، تركت بلادها هربا من أزمات ومشاكل أو بحثا عن متع زائلة، أو رغبة في ثراء سريع، أو لأن الفقر والحظ التعيس يطاردها في الوطن.. فجاءت تحتمي منه في عالم المغتربين ..
وصديقك في الغربة لا تعرف عنه شيئا، وهو المالك الأوحد لماضيه، يخلقه ثم يزينه، ثم يسد كل مناحي العيب والضعف فيه، وأخيرا يقدمه إلى أصحاب الغربة على أجمل هيئة ،
لهذا يتساوى في الغربة، للوهلة الأولى، الصعلوك والكبير، المتخلف والمتحضر، الحاقد والمتسامح، العبد والسيد.
وصديق الغربة، يظل تجزيئيا وعاجزا عن النظر نظرة شمولية، فهو لا يرى أبعد من محيطه الأناني، ولا يتمكن من استشفاف آفاق بعيدة سواء كانت في ماضيه أو محيطه الجديد. وصديق الغربة لا يهنئك على نجاح، ولكنه يتصل بك إذا ألفت بك مصيبة أو أحاطت به قارعة ليعرف إن كانت ستصيبه هو أيضا أم ستظل بعيدة عنه.
والحق أن أمراض الغربة النفسية والعصبية والوجدانية ليس لها حصر، ولذلك تتوقع أي تصرف أو رد فعل دون مقدمات منطقية تؤدي إليه. أحيانا لا تعرف إن كان مجتمع الغربة غابة، ليست بها رحمة أو تعاطف، أو هو امتداد لمجتمع الوطن، ولكنك ترى فيه النفوس عارية تماما من كل القيود
وكالعادة أتساءل :
هل صديق الغربة كالسراب ؟.. يحسبه الظمآن ماء ، فإذا جاءه لم يجده شيئا ، هل هو صديق تلتقي مصالحه مع مصالحك في مرحلة معينة، ويركلك بقدمه مع أول تصادم أو إختلاف معه؟ لماذا لا يفرح صديقك في الغربة لفرحك ، ولا يبكي لحزنك ؟ ، لماذا تجد المغترب كالغراب يصيح في كل مكان عند المصائب والأزمات ..
هل ينقلب الأبيض أسود، والأسود أبيض بين عشية وضحاها في أى مكان أخر غير عالم المغتربين ؟
هل المغترب رجل شرير؟
معاذ الله، فنحن أيضا من المغتربين ، وعشرات الأصدقاء لنا من المغتربين ، وهم من خيرة البشر خلقا وأدبا ، ولا يحق لنا أن نعمم صفات في قوم نحن منهم .
أكتفي بهذا القدر .... وللحديث بقية .........
0 comments:
إرسال تعليق