• اخر الاخبار

    الاثنين، 19 أغسطس 2024

    لم أجد تفسيرا لهذا السر..قصة قصيرة للأديب العراقى الكبير : عيسى عبد الملك

     


     

     بيوت محلة السكك في المعقل صغيرة، من غرفة والقليل من غرفتين. الناس فيها محشورَون كدجاج في اقفاص. ولضيق مساحات البيوت وخلوها من السطوح المـؤهلة للنوم،في الليل، يفترش شباب المحلة  أرض الشارع الذي يشطرها إلى شطرين ولكن بعد أن تهدأ حركة قطعان صخول المحلة التي  لكثرتها  سمي الحي باسمها ( كم الصخول) يومها كانت تلك  الصخول تسرح وتمرح بأمان دون راع  طوال اليوم. وحفاظا على ضروع اناث الماعز او الصخول كانت  تلف بقطع قماش على شكل أكياس . هنا نشأت ونشأ شقيقي محمد علي الذي اطلق اول صرخته في العام ٤٥ بعد الالف وتسعمائة. كان يعتبر كل حي السكك اهله ولذا كان يصلح  تلفزيونات بيوت السكك لقاء  رغيف خبز حار. يدور ظهرا على الأبواب يساعدالنساء في تسعير تنانير الطين  وهن يخبزن و

    يكتفي برغيف خبز واحد لا أكثر! عبثا حاول ابي منعه من هذه العادة التي لا زمته حتى بعد أن تخرج من جامعة البصرة. في طفولته اقتنى محمدعلي

     تيسا نمت له قرون طويلة اسماه عنترة. كان يتناطح والتيس كل يوم حد الاعياء. ذات يوم في غفلة ترك باب بيت حجي ناصر سائق القطار ومؤذن جامع المعقل مفتوحا. دخل عنتر ولما وجد تيسا في غرفة نوم الحاج يتحداه، لم يملك نفسه من مهاجمة ذلك التيس المتحفز للعراك وكان ان كسر مرآة كنتور حجي ناصر.

      محمد علي هذا ومنذ أربعين عاما غادرنا واستقر في فيينا. أكثر من مرة دعتني زوجته الزا لزيارة عاصمة الفن والجمال فينا عسى ان تخفف زيارتي من حنين محمد إلى العراق وكم الصخول بالذات، ولكن اسبابا قاهرة حالت دون ذلك. مرت السنون ماتت الزا الطيبة وبقي محمدعلي وحيدا في النمسا وفي فينا بالتحديد  ولادمانه التدخين اعطبت قصبات حنجرته وهو الآن يتنفس من قنينةاوكسجين صغيرة يحملها معه. ولأنه  فنان  صنع لها عربة تجر باليد. ولإدارة  شؤون شقته، خصصت له السلطات عاملتين تتناوبان على ذلك كل.اسبوع.

    قبل أيام وفي موجة الحر التي بلغت أكثر من خمسين  مع انقطاع تيار الكهرباء كنت قد تسربلت بالعرق حينما رفعت سماعة الهاتف على محمد علي..

    آلو، محمد شلونك؟

     شلوني ميت من الحر!

     صدگ تحجي.؟

     اي والله درجة الحرارة ثلاثين.! صرخت بس، واحنا بفرن،

      حر البصرة يسلق بيضة دونما نار.!

     هكذا بدأنا الحديث.

     ولا اكذب ان قلت اننا لم نتطرق إلى معاناة الناس عندنا، لا نسبة مدمني المخدرات المخيفة ولا البطالة والفقر أو اكتظاظ سجون البلد بالخارجين على القانون والشواذ ومنتهكي الحرمات  ولا مأساة انقطاع الكهرباء، وخوف عاقبة الأمور لم اشتم  النظام . امسك محمد لحيته المدببة البيضاء التي تشبه لحية تشيخوف. وقال يا لأ يام كم الصخول الجميلة لن تعود. اشتقت لخبز تنور ام  علية او عباس ورائحة الشارع وطيبة الناس وشط العرب والطبكة.!

    لم اكمل الحديث معه إذ قطع تيار الكهرباء وعطل النت طبعا. اغلقت التلفون ورحت افكر في سر حب العراقيين للعراق وانا اقرأ نعي د. حمودي الحارثي وموته في الغربة وقلت مودع الله عبوسي وربما غدا اقول مودع الله محمدنا .!!

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: لم أجد تفسيرا لهذا السر..قصة قصيرة للأديب العراقى الكبير : عيسى عبد الملك Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top