إن الناظر في حقيقة المقاطعة، وما آلت إليه من
تضارب في الهدف والمقصد، وجد نفسه أمام تساؤلات تجعله في حيرة، فما هو الهدف الحقيقي
للمقاطعة؟ ومن هو صاحب الفكرة ابتداء؟ وهل حققت المقاطعة ما قُصد منها؟ وهل دفعت مفسدة
وجلبت مصلحة؟ كل هذه تساؤلات لا بد وأن توضع تحت مجهر الحكمة، إذ لا بد من إدراك: هل
الهدف من المقاطعة هو ما يروج له؟ أم هو وهْم من نسيج أعداء الأمة؟!
بداية لا بد وأن نفكر بعقلانية وحكمة، بعيدا
عن ردات فعل عاطفية؛ لا تأتي إلا بمصائب وخيمة، وحلول خطيرة عقيمة، فلو قلنا بأن المقاطعة
كانت لإضعاف الداعمين ودعمهم لليهود؛ فهل حققت ذلك؟ ولو قلنا بأن المقاطعة كانت لتقليل
خطر العدوان على أهلنا في فلسطين؛ فهل تحقق ذلك؟ ولو قلنا بأن المقاطعة أقل ما يمكن
عمله من أجل أهلنا في فلسطين؛ فهل حققت مصلحة في ذلك؟ ولو قلنا بأن المقاطعة اصطياد
عصفورين بحجر؛ فهل حققت ذلك؟!
بعد كل هذا.. نجد بأن العاقل يدرك أن المقاطعة
ومصلحتها؛ وهْم وحق مزعوم أريد به باطل، ودليل ذلك جملة خطيرة تروج لها أيدٍ خبيثة
-لتحقيق ما كانت المقاطعة من أجله- وهي: (قاطعوا من لم يقاطع)! فالعاقل والمتزن دينا
وعقلاً، يدرك بأن الحقيقة المخفية عن الكثيرين، أن المقاطعة ما كانت ولم تكن ولن تبقى
إلا لزيادة الشرخ بين أبناء الأمة.
إن حقيقة المقاطعة ليست إلا لزيادة الفرقة، وزيادة
الفجوة الاجتماعية، بل والدينية والعرقية، فهذه حقيقة وواقع لا يمكن لأحد ردها أو تكذيبها،
حتى وصل بنا الحال إلى أن يقاطع الجار جاره، والأخ أخاه، والحبيب حبيبه، أجل؛ هذه هي
حقيقة دعوى المقاطعة المزعومة، والله لم تكن لإضعاف دعم، ولا لهدم قوة للعدو الغاصب
وأعوانه، بل هي ضربات موجعات لجسد الأمة، لزيادة جروحه ونزيفه، كي تزداد الفرقة والكراهية
بين أبناء البلد الواحد، بل المنطقة الواحدة، بل والبيت والأسرة الواحدة! فليحذر كل
واحد من كثرة فخاخ أعداء الأمة، فلا يغرنكم صورة مقربة مليئة بالزهور والورود، فلو
رجعت خطوة إلى الخلف ونظرت جيدا؛ لوجدت طريقا مليئا بالأشواك والحفر، فالمسألة لا تحتاج
سوى لشيء من العقلانية والمنطقية، تحت مظلة دين أوجد حلا لكل نازلة أو معضلة، هكذا
يجب أن تكون نظرتنا لما يلامس الصالح العام مباشرة، ولو كانت المقاطعة منهجية، وذات
تخطيط دولي، لكان الأمر غير ذلك، لكنها ليست إلا فتنة من فتن أعداء الأمة، ودليل ذلك
ما صرنا إليه من قطيعة بين الأحبة؛ بدلا من مقاطعة تحقق ما يزعمون تحقيقه، فالله المستعان.
0 comments:
إرسال تعليق