مع اقتراب مواعيد زيارة الرئيس الأمريكى "جو بايدن" إلى المنطقة ، لا تبدو فرص نجاح جدول أعماله كبيرة ، فالسعودية لا تبدى حماسا لتلبية طلباته الملحة ، وأولها الزيادة المؤثرة فى انتاج البترول لخفض الأسعار ، وأصدقاء "بايدن" "الصهيونى" فى كيان الاحتلال الإسرائيلى ، أحوالهم متنازعة مضطربة مع حل "الكنيست" مجددا ، وفكرة إقامة حلف "ناتو شرق أوسطى" ، لا يبدو طريقها مفروشا بالورود ، وأطراف عربية مدعوة مالت للتنصل علنا من حلف الخطايا ، برغم عقد اجتماعات عسكرية بمشاركة "إسرائيل" فى أكثر من دولة عربية ، والإعلان شبه الرسمى عن نصب محطة رادار إسرائيلية فى بلد عربى على حافة إيران .
ولا يخفى السياق العام الذى تأتى فيه زيارة
"بايدن" ، فالرئيس الأمريكى مهتم طبعا بالبحث عن مخارج لمآزق إدارته فى واشنطن
، فمعدلات التضخم بالاقتصاد الأمريكى آخذة فى التصاعد ، وعلى نحو غير مسبوق من أربعة
عقود مضت ، وغلاء أسعار البنزين والمواد البترولية يفتك بما تبقى من شعبية "بايدن"
، التى نزلت من شهور تحت حاجز الأربعين بالمئة ، وخطة "بايدن" فى ترميم الشعبية
بإبداء تشدد لا نهائى تجاه روسيا ، لم تؤت ثمارها ، وتردت محاولة تعليق فشله فى رقبة
الرئيس الروسى "فلاديمير بوتين" ، وخطر هزيمة حزبه "الديمقراطى" فى انتخابات التجديد النصفى
للكونجرس ، لايزال مرجحا ، وهو يحاول تعويض إخفاقه الداخلى ، بما يتصوره إنجازات فى
باب السياسة الخارجية ، وبالذات فى مساعى تطويق وحصار النفوذ الصينى والروسى ، وإقامة
وتوسيع دوائر وأحلاف تابعة لواشنطن فى أوروبا والمحيط الهادى والشرق الأوسط ، مع إضافة
لمسة إسرائيلية فاقعة فى منطقتنا بالذات ، بدأت قبل شهور بإخراج الكيان الإسرائيلى
من دائرة التقسيم الأوروبى للتحركات العسكرية الأمريكية الكونية ، ودمجه مع دول عربية
فى حلقة ما يسمى بالقيادة المركزية الأمريكية ، والضغط لترتيب عقد اجتماعات عسكرية
إسرائيلية مع أطراف عربية بإشراف أمريكى ، والدفع لبلورة حلف سياسى عربى إسرائيلى فى
اجتماع "النقب" الشهير ، الذى خرج عنه اتفاق سرى بتعاون وتنسيق أمنى ، يراد
تطويره اليوم إلى إعلان حلف إسرائيلى - عربى عسكرى ، تحت عنوان "ناتو الشرق الأوسط"
، تحدثت عنه علنا قنوات تليفزيون إسرائيلية وصحف أمريكية كبرى ، وجرى دعمه فى الكونجرس
بدعوة لنظام دفاع جوى أمريكى مشترك بين إسرائيل ودول عربية ، كلها مدعوة للقاء قمة
مع "بايدن" فى السعودية ، بهدف دفع الأخيرة لإعلان تطبيع رسمى مع كيان الاحتلال
الإسرائيلى ، ودمجها مع كتلة دول الخليج ومصر والعراق والأردن فى حلف الخطايا الجديد
، وتبدو السعودية مترددة فى التجاوب الفورى ، ودول أخرى مدعوة سحبت موافقات سبقت ،
وقد سبق أن طرحت الفكرة ذاتها فى عهد الرئيس الأمريكى السابق "دونالد ترامب"
، وجرت عدة اجتماعات تحضيرية ، شاركت فيها أغلب الأطراف المدعوة هذه المرة للقاء
"بايدن" ، لكن مصر الرسمية وقت "ترامب" ، خرجت سريعا من اللعبة
المريبة ، وكان ذلك كفيلا بتقويض المسعى ، فمصر صاحبة أقوى جيش فى المنطقة ، وقد لا
تريد أن تصطدم بموقف أمريكا علنا ، وقد تفضل استجلاب المزيد من السلاح الأمريكى تحت
أى عنوان ، لكن مصر الرسمية أخذت قرارها الأساسى من سنوات ، واتجهت إلى سياسة تنويع
مصادر السلاح ، ونسج شراكات سلاح مصرية روسية وكورية وصينية وأوروبية متنوعة ، ومن
دون إغلاق الباب طبعا فى وجه صفقات سلاح أمريكى مفيدة ، يجرى تمويلها جزئيا أو كليا
من حساب المعونة الأمريكية السنوية العسكرية ، ومع التطورات العالمية الجديدة ، التى
كشفت عنها ، وإن لم تصنعها الحرب الجارية فى أوكرانيا ، فلا يبدو مغريا للسياسة المصرية
الرسمية ، أن تضع كل بيضها فى السلة الأمريكية ، وتصريحات الرسميين المصريين المعنيين
، تبدى حرصها الظاهر على عدم الوقوع فى فخ الاستقطاب الدولى ، وعلى استخلاص المصالح
الذاتية بنحو برجماتى صرف ، حتى لو تضمن اتفاقات كبيرة مع كيان الاحتلال الإسرائيلى
نفسه ، على طريقة اتفاق "الكويز" الموروث فى مجال صناعات وصادرات النسيج
لواشنطن ، واتفاقات الغاز المستجدة المتزايدة ، لكن الأمر لا يبدو على ذات السلاسة
فى خانة السلاح ، وبالذات مع اتصال حضور عقيدة الجيش المصرى ، الذى ينظر للكيان الإسرائيلى
كخطر وجودى فى أحوال الحرب والسلم جميعا ، ويغرس ويطور قواعده ومطاراته ومواضع أقدامه
فى سيناء ، وصولا للحدود التاريخية مع فلسطين المحتلة ، وينهى عمليا مناطق نزع السلاح
فى غالب سيناء ، التى كانت مفروضة فى ملاحق ما يسمى "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"
، ويحرر كامل سيناء من توابع العدو الإرهابية ، ولا يتصور مراقب منصف ، أن يخاطر الجيش
المصرى بإرثه التاريخى الفريد ، وأن يتورط فى حلف عسكرى علنى مع إسرائيل ، تحت أى ظروف
، خصوصا أن مصر الرسمية طرحت فكرة أخرى جرت إعاقتها ، وهى إقامة حلف عربى خالص باسم
"القوة العربية المشتركة" ، ووفق عليها من حيث المبدأ فى قمة "شرم الشيخ"
العربية عام 2015 ، وحين تواترت اجتماعات التفاصيل والموارد والتشكيلات بعد القمة المذكورة
، انسحبت أطراف خليجية مؤثرة مدمنة للحماية الأمريكية الوهمية ، وقوضت المسعى المصرى
، وبالذات بعد رفض مصر المشاركة فى الحرب البرية باليمن ، التى تميل أطرافها اليوم
إلى تسوية منهكة وتمديد لهدنة السلاح بعد دمار السنوات السبع .
ومن المعلوم بالبداهة ، أن كاتب السطور ضد أى تطبيع
مع كيان الاحتلال الإسرائيلى ، وفى أى مجال كان ، ومن باب أولى ضد الفجور التطبيعى
، البالغ ذروته فيما يسمى "الاتفاقات الإبراهيمية" ، وصولا إلى حلف الخطايا
الشرق أوسطى المدعو إليه أمريكيا ، وإن كانت الطرق لا تبدو سالكة تماما لمدمنى اقتراف
الخطايا القومية ، ولأسباب تبدو ظاهرة ، بينها صدمة إسرائيل من عودة النبض جزئيا لمفاوضات
إحياء الاتفاق النووى الإيرانى باجتماعات "الدوحة" ، مع عودة الرياض وطهران
لمفاوضات بينية شبه علنية فى بغداد وفى غيرها ، وتنشيط وساطة "مصطفى الكاظمى" رئيس الحكومة العراقية
، الذى لا يمكن له ولا لخلفه أن يشارك إسرائيل فى أى حلف ، بعد صدور قانون إجماعى للبرلمان
العراقى يحرم ويجرم التطبيع ، ويحكم على مقترفه بالإعدام ، ثم أن لا شئ يجرى على الطرف
الآخر يصلح مبررا لتقارب ولا لثقة ولا لشبهة تفاؤل ، فثمة أزمة حكم متحكمة فى الكيان الإسرائيلى ، وتناوب
لحكومات ضعيفة التمثيل ، بعد حل الكنيست المنتظر للمرة الخامسة فى نحو أربع سنوات ،
وتوالى إجراء انتخابات ، لا تسفر عن نتائج حاسمة ، اللهم إلا فى لعبة تشاكس وتبادل
بين عناصر وفرق اليمين الإسرائيلى الأكثر تطرفا ، الرافضة مبدئيا لأى تسوية مع الفلسطينيين
، الداهسة حتى لاتفاقات "أوسلو" على هزالها ، المستهترة بمشاعر ومقدسات المسلمين
والمسيحيين فى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ، المستقوية بدعم أمريكى بغير شروط ولا
حدود ، والمصممة على ابتلاع وتهويد القدس والضفة الغربية كليا ، وهو ما يؤدى موضوعيا
إلى احتدام واشتعال حركة المقاومة الفلسطينية الشعبية والمسلحة ، وخلق أجواء يومية
ساخنة ، تزيد من "سواد وش" الأطراف
العربية المطبعة مع إسرائيل ، وتنزع أقنعة السلام المزعوم ، فما بالك بجرم المشاركة
فى حلف الخطايا ، وبدعوى الاستعانة بالقوة الإسرائيلية فى دفع الخطر الإيرانى ، وإحلال
العداء لإيران محل العداء لإسرائيل ، وإثارة الرعب من قنبلة نووية إيرانية محتملة ،
بينما لدى "إسرائيل" بالفعل مئات من الرءوس النووية ، وكأن القنابل الذرية
حلال لإسرائيل ، وحرام على أى طرف إسلامى أو عربى ، وقد لا يوجد أحد عاقل ، ينكر حقائق
التوسع الإيرانى ، وتمدد نفوذ طهران من شاطئ الخليج حتى حواف البحرين الأبيض والأحمر
، وقد انتفخ وتوحش النفوذ الإيرانى على حساب الوجود العربى ، ولأسباب تتصل بخيبة العرب
وتوارى المشروع القومى الجامع ، لكن مواجهة الخطر الإيرانى لها سبل أخرى ، فإيران من
حقائق المنطقة الأصلية ، وليست كيانا مصطنعا غربيا كإسرائيل ، الكيان الإستعمارى الاستيطانى
الإحلالى ، بينما الوضع مع إيران له توصيف مختلف ، فهو اختلال فادح فى توازن المنطقة
، سببه الجوهرى غياب التصور العربى الجماعى ، وترك "الجامعة العربية" لمصائر
التحلل الرمى ، ورمى اتفاقات الدفاع العربى المشترك فى سلال المهملات ، وإدمان نظم
بعينها لدفع تكاليف الحماية الأمريكية ، ثم تحولها إلى ميل أكثر خطورة وهوانا ، قوامه
الدفع لإسرائيل مقابل الحماية ، والركوع وراء "إسرائيل" فى حربها ضد طهران
، ووضع الأراضى العربية والأجواء تحت تصرف إسرائيل وقواتها ، ومن دون التفاف إلى معالجة
الخلل الأصلى ، وإدراك أنه لا مكان للضعفاء تحت الشمس ، فبوسع العرب لو أرادوا ، أن
تكون لهم صناعات سلاح ومشروع نووى ، لكن بعضهم يفضل ما يبدو لهم طريقا سهلا ، ويعرضون
دولهم للبيع فى سوق النخاسة ومزادات حلف الخطايا .
Kandel2002@hotmail.com
0 comments:
إرسال تعليق