أعضاء جامعتنا مرحبا بكم في هذه الأمسية الأدبية .أهديكم سلال من الرياحين لأرواحكم النقية ولوفائكم. هلموا أساتذتي الكرام لنعانق الإبداع في أبهى تجلياته و لنحلق في رحلة رائعة في ثنايا هذا النص المفتوح العابر للأجناس .نحل في بلاد الرافدين، مهد الحضارات، بلاد بابل الشامخة ضيوفا على شاعرنا العراقي المبدع "محمد العبودي" والذي لطالما أتحفنا بنصوص عميقة وازنة متنوعة المعاني : سخرية الحياة،عقود العذاب، ذبيح في المزاد..ولئن كانت ريشته تكاد تعتكف على توصيف الواقع في العراق الشقيق في ظل هذه الحرب المستعرة بسبب الارهاب والتطاحن الطائفي .. نحلل في هذه الأمسية الأدبية نص :
ازدواجية المسارح
متابعة رائقة إزدواجية المسارح،محمد العبودي
المكان،
بناء شاهق
وسط المدينة.
تحيطه مرافئ مزدحمة
بالعجلات تحمل
جنائز المدعوين…..
المدّعوون،،،،
فقط الذين رفضوا
البقاء على قيد
الموت….
صانعو الأدوار،،،،،
مجموعة الكهنة
المغامرين….
الممثلون،،،
العبيد….
المشهد الأول،،،
وسط المدينة
على إحدى العجلات
جنازة لمشرّد
كتب عليها أحد النبلاء…!
المشيعون
رجال أعمال
وبعض الوجهاء يتسيدون
المشهد.
المشهد الثاني،،،،
حفلة تنكرية،،،
الحضور..
مجموعة من اللصوص
يتنكرون بزي الدعاة…..
المشاهدون..
اصحاب الحانات
اذ اخذوا بالتصفيق الحار للدعاة……!
المشهد الثالث،،،،
معركة بدائية….
المتخاصمان،
يحملان ذات الهوية،
يتكلمان ذات اللغة،يدينون بذات الدين….!
الدوافع إرضاء
من يختلف عنهما بذات اللغة، وذات الهوية، وذات الدين…!
الأليات العسكرية..
سلاح مميت كتب
عليه لحل النزاعات المذهبية "الجهل"
المنتصرون…
أصحاب الدين على
ذاتهم..
أصحاب القومية
على ذاتهم… ،
النتيجة
الجميع خاسرون…
المشهد الرابع،،،،
تجارة الملائكة….
البضاعة
هلاك العقول.
اصحاب رؤوس الأموال
بعض كبار مدعي
الأخلاق
المصنّعون..
بعض من أهل العلم
والمعرفة…
المروجون…
بعض الرؤساء المتنفذين…
الضحايا…
هؤلاء الذين يرون
عين الباطل ويزعمون أنه الحق….!
المشهد الرابع.،،،،
حوار..
المتحاوران
ـ إسلامي
ـ ملحد
الموضوع…
وجود الخالق
الأدلة
ـ الإسلامي..
يستدل بقول الله تعالى: ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا
وهدى وبشرى للمسلمين)النحل102.
ـ الملحد، يزعم
أن لا وجود للخالق وكل شيء جاء من الطبيعة وذكر القرآن قولهم…( وقالوا ما هي الا حياتنا
الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر)الجاثية24.
ونتيجة لهذا الحوار
تموت شعوب وتقتل وتسبى وتفجر الأماكن وتزهق الأرواح وهم يدركون بالفعل حقيقة الله.
ويستمر ذات الحوار
ليستمر ذات الدمار.
المشهد الخامس،،،
سياسة…
ـ الدستور
خطوات السيطرة على الشعوب..
ـ المشرعون
أقران الشيطان
ـ المصوتون
حلفاؤهم…
ـ المنفذون
ألمستفيدون المتنعمون المترفون….
ـ الضحايا
النبلاء الذين
سلبت حقوقهم .وتستمر المشاهد ويستمر الجمهور بالتصفيق…. .
هو نص لا ككل النصوص.
استرفد فيه الشاعرالمسرح وسيلة فنية للخوض في المتناقضات التي باتت سمة لواقعه. فكل
التفاصيل : الشخصيات ،العلاقات، الأمكنة... تبطن عكس ما تظهر. فإذا أنت بين ازدواجية
المسارح :ما يقدم من مشاهد في القصيدة يقوم على التقابل ليظل فكرك رهين مستحثات معقدة تحفزه لفهم معماريةهذا
النص الشعري -المسرحي.
لكأن قصيدة النثر
ينقصها الغموض لتستنجد بالمسرح متوسلة بالأقنعة
. 😄
على أن المسرح
والشعر ما انفصلا أبدا منذ الإغريق. فهما سليلا روح إبداعية واحدة كما يقول الشاعر
الفرنسي جان كوكتو :"إن المسرح والشعر حصانان من دم جنية".
العنوان: نبدأ
من عتبة النص الأولى العنوان والذي ورد مركبا إضافيا ليحيلنا على ثنائية متناقضة .إذ
تعرف الازدواجية:"المتناقضين المحددين بالتبادل فيما بينهما"
أما المسرح فهو
أعرق الفنون هو ذاك الفضاء المخصص لتقديم عروض فنية على خشبة مرتفعة أمام جمهور والمسرح.
أب الفنون لأن العرض المسرحي قد يعتمد مختلف الفنون من أدب وشعر ورقص وغناء ورسم ...ففي العنوان إشارة الى التناقض الذي ستنبني عليه
المشاهد كما فيه إشارة الى توظيف الشاعر لتقنيات المسرح في قصيدته: مشاهد ، ممثلون،
أدوار....أقنعة.. فالإزدواجية هي الخيط الناظم لمعاني القصيدة القائمة على التقابل.
المتن : ازدواجية
المسارح هي التيمة التي انبنت عليها مشاهد النص بكل جزئياتها .فالتقابل سيحكم صورها
ومعانيها .
ترفع الستارة ليقدم المكان : هو مكان من الأمكنة
الممكنة ونقاط الاسترسال... تبوح بتشابه واقع مدننا: مكان يضج بالحركة (وسط المدينة/مرافىء
مزدحمة/العجلات) .
ولئن كان ظاهره
التمدن والتحضر (بناء شاهق/المدينة) إلا أنه مُعٓادٍ للحياة :
تحيطه مرافىء مزدحمة
بالعجلات تحمل
جنائز
المدعوين....
فقط الذين رفضوا
البقاء على قيد
الموت
مدينة تقتل فينا
حب الحياة "مدن الملح"حيث يعيش المتسلقون وتجار الدين
والممثلون والمسحوقون
كل من ارتضى الخضوع (الأحياء -الأموات). أما الذين رفضوا البقاء على قيد الموت فقد
حملوا في جنائز؟! (الأموات-الأحياء).
ويعلوا صدى صوت درويش داخلك ساخرا من هذه المفارقة العجيبة
:
أيها الأحياء تحت
الأرض عودوا
فإن الناس فوق
الأرض قد ماتوا
فإذا حياتهم أشبه
بمسرحية توزع فيها الأدوار خالية من الفعل والحرية وإعمال العقل..
صانعوا الأدوار
...
مجموعة الكهنة
المغامرون
الممثلون
العبيد
وغيرهم ممن يتحكمون
في المشهد من وراء الستار. لا يظهرون في الصورة ولكنهم أصحاب القرار.
إذن المكان مفتوح
على صور لمدن كثيرة باتت متشابهة. نجد من خلال بحث للناقد والشاعر عبد الله رضوان صورة
هذه المدينة في المعطى الشعري العربي الحديث :"أن المدينة لا تكتفي بسلبية العلاقات
مع بعضها وإنما تدمر أبناءها وتورثهم كل أشكال التوجع الإنساني"( في مؤلفه المدينة
في الشعر العربي الحديث)
الزمان: هو الحاضر:(تحيطه/تحمل)
الدال على الاستمرار فواقع مدننا متشابه متكرر
وتوظيف العجلات
في المشاهد ليس اعتباطيا دلالة على هذه الدائرة المفرغة، هذه المتاهة ،هذا الأفق المسدود.
فحتى المرافىء رمز التواصل مع الآخر منفذ التغيير بات مزدحما بالجنائز. بات بوابة للموت.
تنبني القصيدة بعد هذا التمهيد على خمسة مشاهد مرقمة
ولكن المشهد الرابع تكرر مرتين؟؟؟!مشاهد تجسد مشهديات متغايرة يختلف فيها الممثلون
في كل مرة
المشهد الأول:الموت
محرك الأحداث في هذا المشهد .إذ تسلط الأضواء على إحدى العجلات ،على واحد من هؤلاء
الذين أحبوا الحياة ورفضوا البقاء على قيد الموت:جنازة مشرد كتب عليها أحد النبلاء!
ويغدو الموت مشهدا
إعلاميا يتصدره الوجهاء ورجال الأعمال الذين يتنكرون للمسحوقين في حياتهم ولكن يتاجرون بموتهم .يتدافعون في موكب تشييعه.
لنزداد سخطا على هذه المدينة الآسنة التي يتاجر أهلها المتنفذين بموتاهم على هذه الازدواجية
البغيضة على هذا النفاق الاجتماعي. نوشك أن نسمع أنين هذا المتشرد النبيل الميت من
هذا الوطن في قول الشاعر العراقي سعدي يوسف :
يا بلادي التي
لست فيها
يا بلادي الطريدة
ليس لي منك إلا
شراع المسافر
راية مزقتها الحناجر
والنجوم الشريدة
المشهد الثاني:
فيه الشخصيات مقنعة
لصوص يتاجرون بالدين
دعاة ما يعرف بشيوخ السلاطين المطهرين للمفسدين. فيقابلون بالتهليل والتبجيل من أصحاب
الحانات رمز العابثين والمتهالكين على
اللذات.
أصحاب الحانات إذ أخذوا
بالتصفيق
الحار للدعاة
يتحكم التناقض
في هذا المشهد. فرجال الدين المزيفون أصبحوا في وئام مع العابثين . والتصفيق دليل على
هذا الرباط الوثيق بينهم .هذه الازدواجية عراها احمد مطر الشاعر العراقي الثائر على
الزيف الناقد للدعاة المتاجرين بالدين في قوله:
إن لسانك يلهج
باسم
الله
وقلبك يرقص للشيطان
أوجز لي مضمون
العدل
ولا تفلقني بالعنوان
لن تقوى عندي بالتقوى
إن لم يعتدل الميزان
شعرة ظلم تنسف
وزنك
لو أن صلاتك أطنان
كل ما في المدينة
ينتصر للمادة حيث يسود المال والشيطان. ودور الدعاة كتابة صكوك الغفران. فالمدينة ذات
تجلٍّ سالب.
إنها كما يصفها
السياب أشبه بمبغى كبير أو كابوس:
وتلتف حولي دروب
المدينة
حبالا من الطين
يمضغن قلبي
ويزرع فيها رماد
الضغينة
المشهد الثالث:
تبلغ الازدواجية اوجها في هذا المشهد الذي ينقد السياسة المتبعة
حيث من المفترض
ان يؤدي التجانس بين مكونات المجتمع الى الوئام والوحدة . فإذا به في أوطاننا العربية
يفضي الى العداء؟!!والاصطفاف مع العدو ضد أولي القربى!
ذات الهوية+ذات
اللغة+ذات الدين#متخاصمان/معركة بدائية
فيحضر المعجم الحربي
بكثافة دلالة على هذا العداء الشديد:الآليات العسكرية/سلاح/النزاعات المذهبية...
ليسود الجهل فإذا
الإخوة الألداء غنيمة للآخر الحميم وسوقا لتجارته
المربحة.
الآليات العسكرية
سلاح مميت كتب
عليه
لحلّ النزاعات
المذهبية
لتتجرع العراق
،سوريا،اليمن،وليبيا... من أبنائها كؤوس العذاب
وتتقلب في جحيم الحروب .فالتفجيرات الارهابية خبزهم اليومي بسبب النزاعات المذهبية
والولاءات للقوى الأجنبية...
والنتيجة الجميع
خاسرون
وإذ واقع أمتنا
العربية يتكشف لك بكل خيباته :تتناحر فيه القوى السياسية وتسحق الشعوب من طغاة كل ما
يطلبون السيادة والحكم .
ويتساءل السياب
مذهولا كيف يخونون بلادهم التي بها تتحقق كينونتهم
:
إني لأعجب كيف
يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن
يكون
فكيف يمكن أن يكون؟
المشهد الرابع
يتكرر مرتين دلالة على تواصل النزيف في مختلف مجالات الحياة حيث يغدو أصحاب المال و
ثلةمن الدعاة المزيفين وثلة من العلماء ومن الساسة سببا في هلاك العقول بما يروجون
من أفيون قد يكون ذاك الفكر الاقصائي التكفيري
كما هو جلي في المشهد الرابع
مكرر ينفتح فيه
النص على النص الديني الذي وظفه المتحاوران لبلوغ نتيجة متناقضة ولاذكاء رحى الحروب
بمعارك مفتعلة ظاهرها نصرة الدين وحقيقتها "فرِّقْ تٓسُد"
ونتيجة لهذا الحوار
تموت
شعوب وتقتل وتسبى
وتفجر الأماكن
وتزهق
الأرواح وهم يدركون
بالفعل حقيقة الله
لعبة الموت باختلاق
الخلافات لتتواصل الفوضى الخلاقة!!!!؟ فتزدهر اكثر تجارة
مربحة في العالم
تجارة الأسلحة .
المشهد الخامس
تتواصل اللعبة القذرة
لعبة السياسة.
يختلف المشهد قليلا ولكن غايته واحدة. فهذه
الدساتير تكتب لحماية المتنفذين لاعطائهم الشرعية لسيطرتهم على الشعوب وقمعها. وللقوى
الاستعمارية لحماية مصالحها باسم ارساء الديمقراطية أو حماية الحريات ...أو القضاء
على الارهاب..
المشترك بين المشاهد
غياب الشعوب أو حضورها السلبي (القطيع) :
وتستمر المشاهد
ويستمر
الجمهور بالتصفيق....
ونمتلىء مرارة.
فما هذه القصيدة إلا صور عارية من واقعنا بدون زينة. حقيقة باردة صاعقة كالموت . ورغم
أنك قد تعجب من عدم اهتمام شاعرها بجمال الإيقاع ولكنك بعد الفراغ منها تشعر بأن ايقاعها
داخلي مختلف. قام على المشهدية والازدواجية .
قام على الفكر
لا النغم. وما هذه الرتابة التي يقوم عليها إلا تجسيدا لواقع جاثم بتناقضاته منذ عقود
.
وعلى الجملة: فإن
نصنا رااائق عميق. كان حضور المسرح فيه وظيفي بتقنياته ودلالاته.فقد أفادت قصيدة النثر
اليوم من كل أشكال الابداع .وقبل أن ننهي هذا العمل علينا أن نقف عند التكرار الملفة
في النص .لقد شمل الصيغ الصرفية (الجموع)
تكرار التراكيب(ذات
اللغة/ذات الهوية/ذات الدين.... على ذواتهم ..بعض بعض ..ذات الحوار ذات الدمار وتستمر.
ويستمر.. )بل وشمل التكرار إعادة مشهد يؤدي نفس المعنى بممثلين مختلفين المشهد الرابع.
والتكرار في المسرح
هام .له رمزيته. قد
أستخدمه بعضهم
للاضحاك باعادة بعض الشخصيات نفس الجملة طوال العرض. وقد أستخدم في نصنا لنقد هذا الواقع
الذي اشبع بالفساد والمفسدين حتى باتت مدننا متشابهة يسودها رجال الساسة والأعمال ورجال
الدين المزيفون ولئن انتهى التحليل فالعرض يستمر في الواقع....
كل التحايا العامرة
بالمودة والتقدير لشاعرنا المبدع "محمد العبودي "ليشدو حرفك الرفيع بأعذب
الأشعار وليعلو نجمك 🌠ولزهرتنا الغالية 💝وافر الشكر والامتنان لدعمها الدائم والشكر موصول للأستاذة فوزية السلاوتي😇 على التصميم الجميل ولكم جميعا
فرسان جامعتنا شاعراتنا وشعرائنا بيادر من الورود والياسمين 🌺🌺 لمتابعتكم ووفائكم
****المصدر: جامعة زهرة المغرب للفنون الأدبية العالمية
17 ديسمبر
2021
0 comments:
إرسال تعليق