طيلة مدة عملي في مجال حقل الآثار والتراث و لعدة عقود ، واجهتني أحداث وعايشت مواقف ، بعضها كان عابرا لمدة ربما لاتتجاوز عدد من الساعات حين التحري وحين الإستشارة وحين المسح ، وبعضها يتجاوز الأيام والأشهر والسنين .
في كلا الحالين يشاء القدر وظروف العمل أن
نلتقي بسبب أو بآخر مع فرد أو مجموعة عابرة كانت أم مستوطنة قرب الموقع الأثري
نفسه أم في الطريق المؤدي إليه ، فمنهم الشيخ الكبير ومنهم الشيخة الكبيرة ومنهم
بأقل من ذلك ومن شرائح ومستويات مجتمعية عدة .
وفي جل الأحايين بل جميعها نلتقي حيث الذين
يملكون من طيب الكلم ونقاوة القلوب والسريرة، والفِطرة تتبعها وربما تطغي عليها حين
تشترك .
وبين هذا وذاك تجد آخرين من يبعثون في نفسك
السرور تارة والأمل تارةً أخرى وتأتيك الخلجات متزاحمة للبوح بما تكنه المشاعر من
طيبها ورونقها وفي صفحات الوجوه وفلتات الألسن لكلمٍ طيبً عجيب، والأطفال يغذونها
بتلك البسمات الرائعة والقهقهات الهادئة الخجلة حين تأمر الشفاه لترتفع لتظهر ما
استطاعت ولو بأقل تقدير مقدم الأسنان القابعة في مستوطن الأفواه التي تبعث الأنفاس
الطيبة لترافق أسراب الحمائم والقطا حيث تريد وتجد مستوطناً لها في غياهب الحياة.
وما مهند ذلك البرعم الودود الطيب إبن الطيبين
الذي لايتجاوز عمره الإثني عشرة سنة والذي يسكن واهله جوار تل أثري يرجع بتأريخه
إلى آلاف من السنين الماضية .
ومهند الذي صال وجال في ساحة من ساحة الفضيلة
ليقدم وصفة جديدة من وصفات الكرم الحاتمي حين يجلب أقداح الشاي مرة وأخرى ماءاً
عذباً كعذوبة صوته وحركاته وسكناته، وحين يستقبلنا بصباحٍ فاتحته مباركة وحين
يودعنا بكلماته العذبة كعذوبة الماء وعذوبة السلوك ويده الكريمة حين تلوح لنا
بوداع ساعات العمل الأخيرة في حقل التنقيب عن الأثر.
مهند إنموذجا وآخرين من جابوا الحياة وجابت بهم
حيث تركوا في نفوسنا وقلوبنا أثراً ثمينا لايقل قيمة عن أثر نفيس عثرنا عليه في
حقل للتنقيب.
0 comments:
إرسال تعليق