• اخر الاخبار

    الاثنين، 14 ديسمبر 2020

    نبذه عن اهم الجمعيات السرية واثرها علي المشهد السياسي في مصر في مطلع القرن العشرين .. بقلم المؤرخ والشاعر \ طارق فريد

     



    في تاريخ مصر العديد من الجمعيات السرية التي اتخذت عدة أساليب من العنف وصلت لحد الاغتيالات ليس فقط للمستعمر الانجليزي ولكن طالت ايضا الزعماء المصريين من السياسيين والمفكرين ورجال القضاء وقد تعددت الأسماء والمعنى واحد فهي جماعة سرية تعمل تحت الأرض لتنفيذ أهداف محدد وهى تتغذى على التخريب وعمليات الاغتيال والتفجيرات..

    ومن اهم هذه الجمعيات « اليد السوداء. القمصان الخضراء. جمعية الانتقام . التضامن الأخوى .الحرس الحديدى. تنظيم ثورة مصر. مصر الفتاة. التنظيم السرى للإخوان. وجماعة البلاك بلوك..وغيرها ..

    ونقلا عن الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ»  فان أول جماعة سرية عرفتها مصر فى العصر الحديث نشات علي يد المفكر الإسلامى الشهير جمال الدين الأفغانى عام 1879 تحت اسم «الحزب الوطنى الحر». وكانت رداً على التدخل الأجنبى فى شئون مصر أواخر حكم الخديو إسماعيل وأوائل حكم ابنه توفيق، وضمت إلى جوار السياسيين الكبار عدداً من الثائرين الشباب أمثال سعد زغلول وعبدالله النديم. ويواصل «بهاء الدين» ليقول إن الحكومة المصرية آنذاك كانت تطارد المنشورات الصادرة عن الحزب السرى، إلى أن ألقت القبض على «الأفغانى» ذات ليلة وهو مقبل من قهوة «متاتيا»، وساقوه إلى الحجز، حيث أمضى ليلته على البلاط مع اللصوص والساقطين، وفى الصباح وضعوه فى عربة مقفلة إلى محطة السكة الحديدية، ثم إلى السويس منفياً من مصر، وصدر فى الصباح بلاغ يبرر نفيه بأنه رئيس جمعية سرية من الشبان ذوى الطيش، مجتمعة على فساد الدين والدنيا.

    جماعة التضامن الاخوي

    ومن مذكرات سعد زغلول أنقل لكم روايته عن واحدة من اهم وأشهرالاغتيالات الشهيرة التي جسدها فيلم (في بيتنا رجل) الذي قام ببطولته عمر الشريف في شخصية ابراهيم الورداني مشهد اغتياله للسياسي الشهير بطرس غالي رئيس الوزراء في صباح يوم الاحد 20 فبراير 1920. ويذكر سعد زغلول انه توجه إلى مكان الحادث فوجدهم يضعونه فى عربة نقل وسار خلفه إلى المستشفي و أن الأطباء أجروا لغالى عملية ثم توفى فى الساعة الثامنة من اليوم التالى وتحدث سعد زغلول عن الجانى فقال إن اسمه إبراهيم الوردانى، ويعمل صيدلياً، وإنه أقرّ بفعلته عند القبض عليه قائلاً إنه ارتكبها بسبب «خيانة بطرس غالى للوطن بتصديقه على اتفاقية السودان، ونشر قانون المطبوعات ورئاسته محكمة دنشواى، وترويج مشروع قنال السويس»

    وفي نفس السياق يقول الدكتور محمد الجوادى فى كتابه «فى ضوء القمر.. إن «الوردانى» كان عضواً فى جمعية سرية تسمى «جمعية التضامن الأخوى» رغم أنه أنكر فى التحقيقات التى أجريت معه انضمامه لأى جماعة، مؤكداً أنه نفذ الحادث بمفرده. ويضيف «الجوادى» أن جمعية التضامن الأخوى التى تكونت فى الربع الأول من القرن العشرين من عدد من الشباب قامت بعدة محاولات لاغتيال مجموعة من السياسيين المصريين والبريطانيين بهدف تحرير الوطن، كان منهم الخديو عباس حلمى الثانى، والمعتمد البريطانى اللورد كيتشنر، ورئيس الوزراء محمد سعيد , غير أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، ولم ينجحوا بالفعل إلا فى عملية اغتيال السير لى ستاك سردار الجيش المصرى فى السودان عام 1924، وهو الحادث الذى تسبب وقتها فى تقديم سعد زغلول لاستقالته من منصبه كرئيس وزارة بعد عام واحد على توليه المنصب وقال «زغلول» معلقاً على الحادث: «الرصاصات التى وُجهت إلى السير لى ستاك قد صُوبت إلى صدرى» ذلك لأن الحكومة البريطانية استطاعت أن تحصل من مصر على مكاسب كبيرة بعد وقوع الحادث، وفى الوقت نفسه تم القبض على أعضاء الجمعية وحُكم عليهم بالإعدام...

    ويصف «الجوادى» في مشهد ربما يهم الدراما المصرية طقوس انضمام الأعضاء الجدد إلى جمعية التضامن الأخوى السرية بقوله: «كان العضو الجديد يؤدى البيعة فى مكان مجهول يذهب إليه وهو معصوب العينين، ويظل كذلك وهو يجيب عن أسئلة توجه إليه، ثم يضع يده على المصحف والسيف ويقسم على الإخلاص والسرية وإلا كان جزاؤه الإعدام، وبعد خروجه من المكان المجهول تُرفع العصابة عن عينيه. وهى طقوس تشبه إلى حد كبير طقوس الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين التى تكونت فيما تلا ذلك من أعوام.

    جماعة اليد السوداء

    طبقا لما ورد في كتاب د. سامية محمد عبد الرحمن عن الجمعيات السياسية والاحتماعية والدينية ودورها في المجتمع المصري في الفترة من 1882 الي 1936 طبعة مكتبة الاداب فان جماعة اليد السوداء بقيادة عبد الرحمن فهمي كانت من اكثر الجمعيات تنظيما ودقة وحرفية وأخذتها حركة 6 ابريل في مصر شعارا لها وعرفت باسم جماعة الإغتيالات وكانت أولى مهماتها قتل رئيس مجلس الوزراء محمد سعيد باشا، والذى كان يمثل خطر لهم فى ذلك الوقت. وبدأت الجماعة السرية مع ثورة 1919 حيث تم تشكيل مجلس أعلى للاغتيالات وتكوين لجنه رئيسية تضم أعضاء من أهمهم أحمد بك ماهر وعبد اللطيف الصوفانى وكانت مهمتهم تحديد الشخصيات التى من المقرر اغتيالها.

    وتجمع التقارير الصحفية أن "جمعية اليد السوداء" كانت أشهر هذه الجماعات بسبب دورها فى حشد المصريين أثناء الثورة، وتهديد كل مَن يتعاون مع سطات الاحتلال بالقتل. وكان للجماعة لجنتان "مستعجلة وتنفيذية" حيث تتولى الاولى كتابة منشورات سريعة بأمر من عبد الرحمن فهمى بينما الثانية تتولي تنفيذ الاغتيالات .

    وكان من اشهر اعضائها سيد محمد باشا المعروف بحميته ووطنيته فى العمل ليل نهار بلا كلل أو ملل فقد نجح فى التحصل على اكبر عدد من التوكيلات بمفرده ولعل البعض يظن ان هذا الامر كان هيناً وربما يكون كذلك لو انه كان فى جو من الحرية لكن الانجليز والسلطة المصرية كانت تمنع التوكيلات وتقبض على من يروجون لها . وهنا كانت خطورة وصعوبة الامر وعلى الرغم من ذلك فقد كان سيد باشا من اكثر من جمع العدد الاكبر من التوكيلات ..وهو مالفت أنظار كل من حوله وبالتالى أنظار الرجل الكبير سعد زغلول شخصياً .

    ..اصبح سيد باشا موضع اعجاب وثقة كل اعضاء الوفد فهو شخص نشط ودئوب وشعلة من الوطنية والذكاء وذات يوم أقترب منه المحامى أمين يوسف " والد مصطفى وعلى أمين " وانتحى به جانباً وحدثه بصوت خفيض " أن قيادة الثورة أختارته للعمل فى الجهاز السرى للثورة فرحب على الفور من دون أن يسئل عن هذا الجهاز وماهو دوره او طبيعته ومن هى قيادته ومع من سيعمل ..كل ما أدركه سيد باشا انه عمل سرى وانه من الاعمال الخطيرة .وتحت الارض نتيجة الاحكام العرفية المفروضه على مصر بواسطة السلطه العسكرية البريطانية ..

    ..بدأت المعركة بين انجلترا وسعد ..انجلترا استعانت برجلها القوى اللورد اللنبى وسعد استعان برجله الخبير القديم عبد الرحمن فهمى مؤسس الجهاز السرى وتم اختيار سيد محمد باشا لتأليف أول لجنة سريه لطلبة المدارس العليا ..عمل سيد باشا بذكاء وحرص شديد فى تأليف هذه اللجنة فقام بأختيار طلبة من الموثوق فيهم فقط وكان الاختيار يتم من كل مدرسة مندوبيين أثنان فقط وتكون مهمته :

    أولا توزيع المنشورات ثانياً عمل البيانات ثالثاً أصدار جرائد سرية ( لآن الجرائد لن تنشر شيئاً عن الثورة بسبب الرقابة والاحكام العرفية ) . رابعاً تنظيم الاضرابات . خامساً مقاومة أعداء الثورة . سادساً تأليف فروع لهذه اللجنة وبنفس طريقة عملها فى القاهرة ؛ وأن يكون العمل سرى وتحت الارض ؛ ويجب أن يعلم أعضاء اللجان أن مهمتهم خطرة قد تؤدى الى الاعدام . سابعاً عمل شبكة أتصالات بين اللجان الفرعية بحيث يمكن ان تصل اليها فى أسرع وقت وفى أى مكان . ثامناً تنبعث من لجنة القاهرة خلايا صغيرة لاتزيد عن أثنين وتكلف كل خلية بعمل واحد من الاعمال السابقة . وكل ذلك فى سرية تامة . تاسعاً .أن المسئول عن كل هذه الاعمال هو سيد محمد باشا ويتم التنفيذ بأوامره وتحت مسئوليته وحده ...

    و لم يكن سيد محمد باشا هو فقط اول المتواجدين فى الجهاز السرى للثورة فعبد الرحمن فهمى كان الرجل الاخطبوط الذى طالت أذرعته كل مكان فى مصر وافريقيا واوروبا واسيا وله العديد من الاذرع الضاربة فى كل المجالات وفى مقدمتهم الداهيتين احمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى .

    عباس محمود العقاد عضوا بالجماعة

    عُرف عن الأديب الكبير الراحل عباس محمود العقاد مواقفه الحاسمة والواضحة من السلطة، ورغم أنه كان صديق الزعيم الراحل سعد زغلول، لكن ذلك لم يمنعه من الاستقالة من حزب الوفد، ومعارضة الزعيم مصطفى النحاس، وكذلك عرف بهجومه على الملك فؤاد، الذى تسبب فى دخوله السجن لمدة 9 أشهر.

    وبحسب كتاب "العقاد فى الميزان لمناسبة كتابه عن معاوية رضي الله عنه " تأليف سليمان بن صالح الخراشى، فإن الزعيم الراحل سعد زغلول قرب إليه العقاد خلال الثورة وبعدها، ولقبه بـ"جبار المنطق"، وأطلق له عنان الحرية فى الكتابة والنقد، فحرر فى صحيفة "البلاغ" وساهم فى منشورات "جماعة اليد السوداء"

    وفي دراسة بعنوان"عباس العقاد ونشاطه السياسى فى مصر: 1919- 1930" من إعداد مشتاق طالب حسين خفاجى وخيرالله حسين عبيس الحجامى، نشرت فى مجلة العلوم الإنسانية، التابعة لكلية التربية للعلوم الإنسانية بجامعة بابل، المجلد 35، مارس 2018، فإن جماعة اليد السوداء، كانت من أبرز الجميعات السرىة التابعة للجهاز السرى لحزب الوفد وتأسست عام 1919، وكان العقاد قد انضم إليها فى العام نفسه وأصبح يحرر ويصيغ منشوراتها المناهضة للاحتلال، ولم يكتف بذلك بل قام بتوزيع تلك المنشورات الثورية بنفسه والتى عملت على إثارة الرأى العام، وكانت لقاءاته السرية تتم مع أبرز رجال الجهاز السرى لحزب الوفد، وهم محمود فهمى النقراشى وأحمد ماهر، الذى تولى رئاسة الجهاز السرى فى عام 1920.

    ورغم القبض على عدد كبير من أعضاء الجماعة السرية، لكن ذلك لم يثن على عزيمة العقاد بحسب الباحث، واستمر عمله السرى فيها فضلا عن عمله فى صحيفة الأهرام، فكان عمله فى جماعة اليد السوداء مقترنا بمهامه الأساسية التى تمثلت فى الدعاية الهادفة الى تنشيط الوعى القومى وتوضيح مشكلات السياسة وتبسط مفاهيم الحركة الحزبية....

    والي اللقاء في الحلقة القادمة .....

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: نبذه عن اهم الجمعيات السرية واثرها علي المشهد السياسي في مصر في مطلع القرن العشرين .. بقلم المؤرخ والشاعر \ طارق فريد Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top