• اخر الاخبار

    الخميس، 3 ديسمبر 2020

    الدكتور عادل عامر يكتب عن : الضوابط الأخلاقية للفن

      



    الحديث عن الضوابط الأخلاقية للفن؛ لو أطلق للقلم العنان فيه لاحتاج الباحث إلى صفحات طوال، يضيق بها المساحة المتاحة للبحث، ويضيق بها كذلك الوقت المطلوب للبحث، ولذا سنتناول في ورقتنا هذه نظرة عامة على المبادئ الأساسية للضوابط الأخلاقية للفن، من حيث نظرة الإسلام للأخلاق والجمال والفن، والصلة بين الإسلام والفن والأخلاق، وهل وجود ضوابط أخلاقية للفن تلغي حريته، وتقيد إبداعه؟ وسوف تدور ورقتنا عن النظرة العامة للضوابط، ثم أعرِّج على ضابط واحد منها بالتفصيل، تاركاً تفصيل بقية الضوابط للورقات الأخرى، أو لمناسبة أخرى.  

    بداية يعتمد هذا البحث بالأساس ، وهو: الفن الإسلامي وما هو، وكيف نحكم على فن ما بأنه فن إسلامي، وهل نعتبر الفن الذي يدعو للخُلُق هو المعتبر فناً فقط، أم أن دائر التعريف تتسع، وقد اختلفت وتباينت الآراء حول تعريف الفن.  

    ولذا سيكون حديثنا عن الفنون بتعريفها التقليدي، من حيث الفنون الصوتية وتشتمل على: فن الشعر، وفن الغناء، وفن العزف على الموسيقى. وفنون حركية، وتشتمل على: فن التمثيل، وفن الرقص. وفنون يدوية، وتشتمل على: فن التصوير بأنواعه، وفن الزخرفة، وفن العمارة  

    إن العلاقة بين الفن والأخلاق والسلوكيات الحميدة؛ لابد أن تكون علاقة وطيدة كالحبل السُّري بين الأم وجنينها الذي تمنحه نبضات الحياة في أحشائها، فالأمل والأمنيات أن نجد "الفن" هو الذي يمسك بمقود الحياة على الأرض لتهذيب الواقع المُعاش في المجتمع وليس لتقليده أو النقل حرفيًا عنه؛ من أجل أن يحوذ الرضا من فئة أو شريحة معينة، لا تمثل سوى قاع الحواري والشوارع الخلفية، فإذا ما قام الفن بهذا الدور التقليدي؛ فقل على الفن والمجتمع والأخلاق وبأعلى الصوت: على الدنيا السلام!  

    وقد ينبري البعض ـ من وجهة نظرهم ـ بالتساؤل المشروع: ما كُنه تلك العلاقة الوطيدة بين الفن والأخلاق وبين من يعملون به من الفنانين ؛ وبخاصة من المطربين الذين يواجهون الجمهور كل ليلة بالحفلات العامة أو على خشبة المسرح أو شاشة السينما؟ فالمقصود ليس المعنى الحرفي للأخلاق، فلم أطلب أن يخرج الفنان أو المطرب على الجمهور وهو يمسك بـ "مسبحة" بين يديه مثلاً؛ فالعُرف السائد في المجتمع هو الذي يجب أن يحكم تلك اللقاءات الجماهيرية؛ لأن القيم الأخلاقية متغيرة ومتنوعة ومختلفة بحسب كل مجتمع وتركيبته وطريقة ممارسته لسلوكياته، فالذي يحدث في المجتمعات الأوروبية والأمريكية بالذات؛ لا يمكن أن يحدث داخل قاعات الفنون بالمجتمعات العربية المحافظة، وإلا كان تقليدًا ممسوخًا ومستهجنًا، قد يقبله البعض من الشباب اللاواعي ولكن ترفضه ـ حتمًا ـ الأغلبية الواعية برسالة الفن الهادف وعلاقته بمكارم الأخلاق. للفن نسق جمالي قائم بذاته بعيدًا عن القوانين الاجتماعية، يتسم بالكلية والرمزية التي بموجبها تصبح استقلاليته، أداة للتفاعل مع باقي منظومة القيم الأخرى بما فيها الأخلاقية. العمل الفني يمثل تجربة رمزية تندرج في عالم المتخيل الذي يمنحنا قدرة على إنتاج وقائع وصور وأحداث قد تكون صادمة وغير مقبولة في واقع الحياة العادية الجارية، فللفن تعالي أخلاقي يعيد صياغة الواقع بحيث يجعلنا قادرين على قراءته بشكل خلاق.  

    انطلاقًا من هنا لا يمكن الحكم على أخلاقية العمل الفني اعتمادًا على تلائمه مع النسق القيمي الأخلاقي، بل على الانطباع الذي يثيره فينا والإحساس من مجمل العمل الفني.  

    ونتفق جميعًا أن الفن رسالة سامية؛ والفنان الملتزم هو حامل مبادئ تلك الرسالة وخير موصِّل لها ولبنودها الراقية؛ ولهذا تظل تصرفاته وسلوكياته دائمًا تحت أنظار جماهيره وعاشقي فنه، فإذا ما خرج عما هو مألوف في مضامين التواضع دون غرور أو تعالٍ على تلك الجماهير، فإنها تقوم بإسقاطه من حساباتها إلى غير رجعة.  

    وكم من فنانين حازوا الكثير من الشهرة والمجد؛ لكنهم ضاعوا في زوايا النسيان جرَّاء ممارسة داء التعالي والغرور الذي يصيب ضعاف النفوس البشرية في كل زمانٍ ومكان.  

    إن مواد الميثاق الأخلاقي لا تحتاج إلى صحائف مكتوبة في متن دستور الوطن؛ ولا إلى الإعلان عن عقوبات مغلظة لمن يخرج عن إطارها؛ ولا تحتاج ولا تحتكم إلا إلى يقظة الضمير الإنساني الذي تعنيه مصلحة الوطن والمواطن، هذا الضمير الذي يظهر واضحًا وجليًا، ابتداء من الاختيار الراقي لكلمات العمل الذي يخرج به الفنان إلى ساحة الجماهير في الحفلات العامة أو الأعمال المسرحية والسينمائية، دون اللجوء إلى ممارسة الإسقاطات الحركيَّة الفجَّة التي تنسف مقاصد اللفظ والدلالة المتعارف عليها؛ وتعطي المستمع أو المشاهد ما يشي بعكس الاتجاه على طول الخط، فالجماهير الواعية تعرف جيدًا كيف تضع الفنان بأخلاقياته وسلوكياته في الميزان.  

    وأحسبني لن أبتعد كثيرًا عن هذا الموضوع؛ إذا ما ألقيت بمسئولية تدشين مبادئ السلوكيات الأخلاقية السويَّة على عاتق أجهزة الإعلام المتمثل في المادة الصحفية المقروءة والإذاعية المسموعة والتليفزيونية المرئية، فمن خلال تلك المواد التي لابد أن يتوخى مقدموها أن تكون رفيعة المستوى لفظيًا وحركيًا؛ ووجوب التزام من يظهرون فيها ـ كضيوف ـ أدبيًا بمدى انعكاسات الصوت والصورة على المتلقي الذي يتابعهم عبرها؛ لتكتمل دائرة الضوء في سماء الفن و الفنانين بكل التلقائية والعفوية المطلوبة، دون اللجوء إلى محاولة التشدق بترديد نظريات علم الجمال عند علماء الغرب، فنحن من كتبنا السطر الأول في كتب التاريخ عن الذائقة الجمالية وتأثيرها الإيجابي على مفاهيم الأخلاق في حياة الشعوب.  

    ان الفن الملتزم بالأخلاق يلعب دورا اكبر واهم من اصحاب الخطب والمواعظ. لاسيما اذا كان فنا نقيا صافيا خاليا من المطامع والغايات المادية. وأن الفنان الحقيقي الصادق يستمد ما يدور حوله من وقائع ومن احداث التاريخ ويجسدها على شكل عمل فني يساعد على اعادة صناعة الانسان وقيمه الاخلاقية عن طريق وسائل جمالية.  

    لابد لنا من تأسيس قاعدة متينة رصينة من الفن الحي الملتزم .فن يحيي البطولات ويحيي القيم العربية الاصيلة. فن يحيي اخلاقنا الاسلامية .وذلك لا يتم الا من خلال وضع برامج ومناهج واعداد دروس في الفن تشمل جميع المراحل الدراسية. وأن اخلاق ابناؤنا اليوم بحاجة الى ايجاد وسائل لمعرفة تشذيبها وصقلها , ليس فقط بالمواعظ والتعاليم والتهديد والترهيب والتخويف. أنما بطرق انسانية اكثر اشراقا وتفتحا وحبا .  

    العمل الفني الإبداعي وإن بدى ظاهريًا غير أخلاقي، فإنه في العمق أخلاقيًا، لأن بغيته تحريك الوعي وحثه على التغيير من خلال سلطة المتخيل، لا من خلال مصارعة الوعي الأخلاقي للمجتمع. والأعمال الفنية التي تسعى لهتك الأخلاق لمجرد الهتك، تصل بالفنان إلى هدم سلطة الخيال، وتحويل العمل الفني إلى أداة تسوق لخطاب ردئ، هذا الهتك بلا مبرر فني لا يثير أي إحساس جمالي. بل الإحساس بالرفض للعمل الفني ويعوق تلقيه.  

     على الفن تجاوز الخطوط الحمراء داخل الخيال، الخطوط الحمراء في الواقع تضع الفرد في مواجهة مع السلطة، أما في الفن فإنها تضع المجتمع في مواجهة مع نفسه، حيث أن حرية الإبداع أوسع من حرية التعبير.  

     حرية الإبداع بقدر ما هي واسعة فإنها لاعتبارات سياسية ودينية وقيمية حساسة أيضًا، قد يقع الفنان في فخ خطاب الكراهية أو تهمة الإساءة للأخلاق العامة، أو المعاداة والعنصرية، لذلك يجد نفسه مجبرًا على احترام الحد الأدنى من القيم الاجتماعية المتواضع حولها، والفن لأنه نظرة ذاتية للوجود، على الفنان أن يترجم رؤيته وحساسيته الذاتية ضمن إطار رقابة ذاتية، في البدء تمنعه من إتباع الذوق العام وترديده بصورة مجانية، تمنعه من أن يكون إنتاج أخلاقي  

    *كاتب المقال

    دكتور القانون العام

    عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

    مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

    مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

    مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

    مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

    نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

    نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

    عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

    عضو منظمة التجارة الأوروبية

    عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

    محاضر دولي في حقوق الانسان

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الدكتور عادل عامر يكتب عن : الضوابط الأخلاقية للفن Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top