• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 12 يوليو 2022

    قصة قصيرة بعنوان.. شكر النعمة..بقلم : محمد علي ابراهيم الجبير



    سليم احد وجهاء المدينة ، زفافه يوم الخميس الموافق  6 تموز من عام 1950م .. 

    زوجته من مدينة اخرى،تبعدُ 30 كم عن مدينته، والعادة في زفاف العروس ان يذهب الاهل والاصدقاء والشباب والصغار من ابناء المنطقة ، بسيارات يؤجرها العريس لزفاف العروس من بلدتها الى بلدته؛

     راضي صبي من ابناء منطقة الفقراء المجاورين لبيت العريس ،انتهز هذه المناسبة و صعد في احد السيارات وغايته ان يري بلدة جديدة غيربلدته التي لم يسافر منها ابداً ؛

     ارتدى راضي احسن وأفضل ماعنده من ثياب ، وهي       ( الدشداشة الصفراء المخططة )  ومن اجل ان يكمل هندامه وشياكته حسب اعتقاده ،وضع دهن شعرعادي على رأسه ليسهل تمشيط شعره ، وقام بفرك شعر رأسه وتمشيطه ،نظرفي المرآة لاحظ ان شعره بحاجة الى مزيد من الدهن،وضع قنينة الدهن باتجاه  رأسه، سقط صمام القنينة وسال الدهن على رأسه بكثرة و على دشداشته الجديدة الوحيدة ! نشف رأسه من الدهن ولم يستطيع ازالت الدهن من دشداشته الصفراء ،وبقى آثار الدهن واضحة ، واسف لذلك اشد الاسف ، ورغم ذلك هذا فإنه لم يترك فرصة الذهاب الى مدينة  العروس بسيارات الزفة ،وركب في احدى السيارات ،ولاول مرة الاولى في حياته  يركب في سيارة؛؛نعم انها المرة الاولى في حياته يركب بها السيارة ، لذا كانت فرحته كبيرة جداً ولاتوصف ، لقد شاهد في ذلك اليوم  مناظر خلابة لن ينساها ابداً، شاهد الشوارع الفسيحة والمبلطة قبل وصول سيارات الزفة الى مدينة العروس ، كما استمتع  بمشاهدة البيوت الضخمة في مدينة العروس  ، ذات الحدائق الجميلة المنسقة والاشجارالباسقة،والتي لم يشاهدها في مدينته ولفت نظره ملابس الاولاد الجديدة واناقتهم وكانت ملابسهم احسن واجمل الملابس، في الوقت الذي كان يعتقد فيه ان دشداشته  افضل الملابس وابهاها ،وقال في نفسه عندما اعود الى اهلي ، سوف اسأل امي عن سبب اختلاف ملابسي عن ملابس هؤلاء الاولاد ؟وفعلاعند عودته من زفة العرس،سأل والدته يا امي رأيت اليوم كذا وكذا،وشاهدت الاولاد الذين في عمري يتمتعون بلباس افضل واحسن فلماذا انا لاأملك سوى هذه الدشداشة التي كنت اعتقد انها افضل الملابس 

    - ياولدي ان ملابسك احسن وانظف الملابس ولايعوزك 

     شيء والحمد لله ..

    - لو انك شاهدت الاولاد ماذا يلبسون لما قلت هذا الكلام  فانني رايتهم يختلفون عني كثيراً ؛؛

    - ياولدي الناس تلبس وتأكل  وتسافر حسب امكانياتها ، ونحن كما ترى حالنا لانملك شيء ؛وانشاء الله تكبر وتعمل وتحصل على الاموال من عملك وقتها تلبس ماتشاء وتكون رجلاً معروفاً وجيهاً محترماً من الجميع 

     كما سأل والده ، لماذا يا أبي لانشتري مثل مايشتري الناس ونأكل كما يأكلون ؟ فكان جواب والده يشابه جواب والدته ،بعدم وجود امكانية للشراء او الصرف وان شاء الله تكبر وتعمل معي وتتحسن امورنا ونعيش باحسن من هذا الحال ، نلبس ونأكل بما نشتهي وماعليك الا الصبر والاهتمام بالدراسة لكي تنجح ونحقق احلامنا باذن الله .

    مرت السنين وراضي يدرس وينجح سنوياً رغم عوزهم وفقرهم واخيرا حصل على الشهادة الاعدادية ،

    -راضي ياولدي جاء وقت التقديم للحصول على وظيفة 

     - لاياوالدي انني لن ارغب في الوظيفة و سوف اعمل في الاعمال الحرة  وسيكون مستقبلي افضل منها؛

    - ياراضي اننا بحاجة ماسة  جداً للراتب و اننا في عوزتام في الوقت الحاضر ولانملك شيء !

    - سأجرب حظي في الاعمال الحرة واذا لم انجح فيها سوف اقدم طلبا للتعين في الوظيفة الحكومية 

    وباشرراضي بعمله في الاعمال الحرة وكانت بداية العمل انه اشتغل مع احد المقاولين براتب جيد ،تحسنت احواله خلال اشهر قليلة،تعلم خلال هذه الفترة اعمال المقاولات؛ورتب نفسه للعمل في المقاولات واحيلت عليه اول مقاوله اشتغلها بنفسه ، فنجح في تلك المقاولة وحصل  منها على مبالغ لابأس بها ؛؛

    تعددت المقاولات ونجح فيها نجاحاً كبيرا واصبح في عداد المقاولين في فترة وجيزة ، تمكن من شراء دار فخمة وسيارة حديثة ورصيد في البنك ، وعمل معه والده في المقاولات واكتسب خبرة فيها ، واحيلت عليه مقالات ، واصبح الوالد والولد من كبار المقاولين؛؛  وبمرور الزمن اصبحوا من الشخصيات المعروفة والعائلات الموصوفة في الثراء والحياةالمترفة راضي لم ينسى الماضي ولم ينسى دهن الشعر العادي الذي انكب على رأسه ،وسقط على دشداشته الصفراء الجديدة والتي لايملك غيرها  في حينها ..

     اختار له زوجته من عائلة غنية معروفة ، رزق منها اربعة اولاد وثلاث بنات، لايعرفون معيشة والدهم السابقة التي  قضاها في العوز والحاجة والحرمان ؛؛

    اولاده يأكلون احسن واطيب المأكولات ويلبسون افضل الملابس الراقية والغالية الثمن ؛؛

    ولا يسمع منهم  كلمة واحدة تعبرعن شكرهم ورضاهم على النعمة التي يتمتعون فيها ،وقرر ان يعلمهم كيف يشكرون الله على نعمتهم ؛

     في احد الايام قال لاولاده  ان الكثيرمن الناس بدون بيوت للسكن ولايجدون الاكل لسد جوعهم كمالايجدون ملابس تقيهم من البرد ؛ فتعجب الاولاد من كلام والدهم ولم يصدقوا ماقاله ايعقل وجود احد  بدون بيت وبدون اكل وبدون ملابس ؟

    -سوف  نذهب اليهم وترون احوالهم .

    في اليوم التالي سار الاولاد والبنات مع والدهم في السيارة ، واتجه بهم الى خارج المدينة ، حيث البيوت التي يسكن فيها الفقراء ، قسم من بيوتهم عبارة عن اكواخ من القصب والقسم الاخرغرف من طين ومسيجة بعلب الصفيح المخلوط بالطين،  شوارعهم غيرمنظمة وغيرمبلطة مليئة بالنفايات، وبقايات التراب المتماسك بسبب الامطارعلى هيئة احجار طينية يابسة ؛؛

    شاهد  أولاد راضي اولاد الفقراء الذين بمثل اعمارهم شبه عراة ملابسهم مهلهلة ، وسخة ،وجوههم متربه حفاة لايملكون احذية ولاملابس ،ومع ذلك وجوههم مستبشره والسعادة بادية عليهم من خلال لعبهم ومرحهم  اوقف راضي سيارته وسأل احدهم :

    -ماذا اكلت في صباح هذا اليوم ؟

    - خير من الله، اكلت خبز مع الشاي والحمد لله والشكر  

    نزل راضي من السيارة  ونادي الاطفال  للتجمع،وزع عليه مساعدات مالية مجزية لشراء ملابس واحذية ومؤكولات ، وكل ذلك واولاده ينظرون الى هؤلاء الاطفال الفقراء الذي لايملكون شيء سوى القناعة والسعادة رغم العوز والفاقة وكلما سألهم شخص عن احوالهم حمدوا الله وشكروه .

    فكانت زيارة راضي لهؤلاء الاولاد الفقراء  درس بليغ لأولاده ، عرفوا من خلال مشاهدتهم لحال الفقراء،ان هناك اولاد ليس لديهم داركدارهم ، ولاملابس مثل ملابسهم ولايوجد لديهم ما يأكلون، عادوا من زيارة الفقراء بعد ان تعلموا كيف يحمدوا الله ويشكروه على النعمة التي هم فيها، و اصبح راضي يسمع من اولاده  كلمات الشكر والحمد على النعمة..



    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: قصة قصيرة بعنوان.. شكر النعمة..بقلم : محمد علي ابراهيم الجبير Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top