ذلكَ الأديم المتحجرُ
تنورُ أُمي
هلْ يَستوي الجرحِ القديمْ
أثرَ السُحنةِ في وجهها
الجنوبي ؟
هي تعرفُ أن الصوتَ
صدىً من شجرةِ
جدي المباركةْ والنهرُ ((دهلةٌ))
أيامَ الرضاعةِ
لكن الضفةَ الاخرى
لم تروِ عطشِها
وصوتُ السنابلُ المحشو بالفلقِ
تُحجرُهُ
كفُ مسحاةٍ وآثارُ جوعٍ
على جدرانِ
قريتِنا القديمة
يمثل العنوان (تنور أمي) بؤرة
دلالية في النص الذي يتمحور حول ثنائية الأم والتنور، وهذه البؤرة الدلالية ليست
ثنائية ضدية تحدث أشكالية بقدر ما هي ثنائية تكاملية، فالعنوان جاء مختزلاً لكثير
من المعاني، ومكتنز بالدلالات الشعرية، لأن تكثيف المعنى وأختزال اللغة في النص هو
تكثيف للفكرة. على الرغم من بساطة تركيبة النص، ومحدودية مساحته اللغوية.
******
الأم أيقونة مقدسة في الشعر
العربي الحديث، فهي من أهم الصور والرموز التي وظفها الشعراء في شعرهم. تحمل
كثيراً من المعاني والإيحاءات، فالأم أضافة الى كونها تكوين بيولوجي فهي الأرض
والوطن، دالتها في ذهن الشاعر أكثر حضوراً، حين ينتزعها من إطارها الواقعي إلى
إطار رمزي أخر، فتعيد توازنه.
*******
نص الشاعر "رجب الشيخ" وجهته
الأم دون أن يحمل بعداً رمزياً، فهو يفيض بالمشاعر الصادقة، التي تربط الشاعر بأمه
أرتباطاً خاصاً، تلك الإيقونة التي أتسمت بالقداسة والنقاء، فشكلت البؤرة الدلالية
للنص الشعري.
النص يعطينا صورة حسية عن حالة
الشاعر المتشوق لأمه ورغيف خبزها، المتمثل بتنورها.
التنور من متعلقات حياة الأمومة
وممارساتها اليومية، التي قدس كلا منهما الأخر. ودالة التنور عند الشاعر ترتبط
بحنينه إلى أمه، ونزوع إلى الذات، وهو جزء من تكوينه وصيرورته، يرى في القرب من
أمه ذات (السحنة الجنوبية) ملاذاً أمناً ومنجى من الوهن الذي يعيشه. يرجو من
خلالها العودة إلى الطفولة الأولى ليظفر بالقرب منها وهي غائبة عنه.لإن الطفولة
ملتصقة بالأم، تراه يحنّ الى رغيف خبزها الأسمر الذي هو أصالة سومرية. وحنين الذات
وأحتمائها بالماضي وأستعادة ذكرياته، فيلتحم بها كالتحام الروح بالجسد، من أجل
التخلص من عالمه الحسي المؤلم، وصهر ذاته في كينونة جديدة.
إن الكشف عن دلالات اللاوعي لدى
الشاعر يؤدي بنا الى فهم النص، لإن اللاوعي (هو نواة وجودنا، حيث أن اللاوعي هو
مستودع الرغبات وبالتالي فهي حقيقتنا)، على حد قول المحلل النفسي الفرنسي "جاك
لاكان".
0 comments:
إرسال تعليق