• اخر الاخبار

    السبت، 5 مارس 2022

    عايد الطائي يكتب عن : بابل و بورسيبا ونهر النبي إبراهيم

     


        تركت الشعوب والقبائل إرثاً ليس بقليل سواءٌ أكان مادياً أم معنوياً،منقولاً أم غير منقول، فالمادي بعضه لمّا يزل شاخصاً أمام العيان وبعضها إندثر في باطن الأرض أم فوقها فأختفى بعد أن أكلته الآفات أو ماملكت أيدي الناس والسموات والأرض من تقلبات في المناخ أو عوامل التعرية العديدة .

     أما المعنوي فإن إختفاؤه ربما لم يتم نقله أو تواتره بأمانة أو أنه لم ينقل أصلا أو يصل إلى الخلف عن طريق السلف من الأجداد فبقي غامضا ومجهول.

      من القصص التي لمّا تزل متداولة بين الشفوي تارةً وبين الأقلام تارةً أخرى ولآلاف من السنين الماضية ولم ندرك حقيقتها إلى الآن وإن ذكرت في كتب سماوية أو تدوين أو شفوي كونها وعلى مايبدو أنها قد تعرضت للتحريف أو للسرقة أو لضعف المعرفة بها أو أنها لم تدون بشكلها الحقيقي فبقيت أسيرة بين أيدي أهل الفرضية والإعتقاد والتصور ،لهذا بات من الصعب قبولها أو إثباتها ولو بعد حين .

       إن من بين القصص التي لم يتم إثبات مكان حدوثها القطعي هي قصة نبي ألله إبراهيم ع ومجادلته الملك "النمرود" الذي تمكن بطريقة وأخرى ليصبح أحد أكبر الجبابرة والعتاة في الأرض وحين أعلنها جهارا ونهارا أنه هو الذي يحيي ويميت وبيده مفاتيح كل شيء ولكنه لم يتصور قط أن شخصاً من عامة الناس سيقف أمامه ويجادله بأمره وقوته وجبروته وكما ورد في سورة البقرة الآية ٢٥٨ " ألم ترَ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه أن آتاه المُلك إذ قال إبراهيم ع ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأُميت . قال إبراهيم فإن ألله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغربِ فبهُت الذي كفر . وألله لايهدي القومَ الظالمين ".

      إن علو منزلة إبراهيم ع وضعف منزلة نمرود قد جعلت الأخير يتحين الفرصة للإنتقام وكان آخرها أن أمر جنوده بجمع الحطب ولعدة شهور كي يرمِ بها إبراهيم ولكن مشيئة ألله تعالى حينها جعلها بردا وسلام.

     وبعد ذلك أصبحت لإبراهيم ع مكانة وشهرة وتقديس لما عُرف عنه بالحكمة والمعرفة والإيمان بوحدانية ألله بين أبناء قومه أو الأقوام الأخرى، وإن مكانته ع أخذت بالإزدياد سنةً تلو الأخرى وحقبة بعد أخرى وزمن بعد زمن.

       أراد الحكام والملوك تمجيد ذكرى هذه النبي وبأشكالٍ عدة، فمنهم من بنى المعابد وبحسب معتقداتهم ومنهم من شيد الحواضر ومنهم من حفر القنوات المائية ومنهم خلَّده في معانٍ سامية رفيعة.

      كان لمدينة بورسيبا نصيب من هذا التمجيد إذ قام الملوك بتشييد معبداً أسماه البعض من الكتاب القدامى والمحدثين بإسم "معبد نابو" مع العلم أن كلمة نابو ليس لها معنىً يذكر الأمر الذي أتصوره بأنها تعني "نبو" أو "نبي" للدلالة إلى صاحب الحكمة والمعرفة والثبات ألا وهو النبي إبراهيم ع الذي تزامن وجوده بوجود الحوادث التي أشرنا إليها فضلاً عن أحداث لاحقا سنأتي إلى ذكرها.

      إن إرتباط العاصمة بابل بمدينة بورسيبا لم يكن إرتباطا عشوائيا أو عفويا بل إرتباطا فرضته الأحداث والوقائع وجعلتها مدينة لها قداسة ولها شأن كونها إحتضنت نبي لم يجرؤ أحداً قبله أن يقف بوجه متجبر عاتٍ، ولهذا إنتهى بها الذين عاصروه من الحكام والذين جاؤا بعده فمنهم من أشارت إليه الكتابات القديمة هو الملك حمورابي سادس ملوك الدولة البابلية القديمة ١٧٩٢-١٧٥٠ قبل الميلاد والملك البابلي نبوخذنصر الثاني ٦٠٤-٥٦٢ قبل الميلاد بالإضافة إلى ملوك وحكام آخرين .

     إن مايعنينا في هذا المقال هو مايسمى ب "نهر نابو" و "أو قناة نابو" أو "نهر النبي"، الذي يوصل بين مدينة بابل العاصمة من خلال فرع من مجرى نهر الفرات مع المدينة المقدسة بورسيبا التي تقع جنوبها وعلى بعد عدة أميال منها والذي قام بشقه وتأهيله بعض الملوك ليكون مجرىً مائياً للزراعة والإرواء والنقل والإحتفالات السنوية الخاصة بعيد الربيع أو عيد الزواج المقدس أو عيد السنة البابلية "أكيتو" أو عيد إعادة تنصيب الملك لسنة جديدة أو تخليداً لذكرى نبي قد أحدث تغييراً في واقع الحياة الدينية والعبادات والسلوكيات الأخرى والتي إعتاد عليها الملوك والشعوب ليجعلوها طقوسا سنوية ثابتة.

      لم يقتصر تخليد ذكرى النبي والنهر والطقوس المرافقة فقط للإزمنة التي حدثت فيها ومنها المتزامنة مع وجود أقوام إرتباطا أحداث بوجودهم أيضا ومنهم اليهود حين أتى بهم نبوخذنصر الثاني مرتين في بداية القرن السادس قبل الميلاد بعد أن غزا مملكتهم وأسقطها واسكنهم المناطق القريبة من بورسيبا جنوب بابل ومن بينهم أربعة أنبياء وهم دانيال وحزقيال وأرميا وأشعيا وربما سمي النهر بإسم نهر اليهودية نسبة إلى المجموعات اليهودية التي أسكنوها هناك وأتخذوا الزراعة حرفة لهم .

      كما أتصور أن التسمية الحديثة ب نهر إليهودية ربما بسبب عائدية الأرض إمرأة يهودية كانت متنفذة إسمها سارة خاتون أو لنفس السبب السابق لوجود تجمعات يهودية تسكن هذه المنطقة والمجاورة النهر وبخاصة أثناء الوجود العثماني والبريطاني ولغاية هجرتهم في بداية خمسينات القرن الماضي.

     لم يتبق من نهر اليهودية اليوم سوى مساحات قليلة جدا بسبب عدم وجود التخطيط المدروس والتجاوزات الحاصلة على مقترباته وأكتافه وحتى مساره الذي إختقى أو تقلص كثيرا في بعض المناطق فضلا عن جعله مكتب للنفايات والمياه الآسنة ومياه الأمطار وغيرها من الأسباب التي تحول دون إعادة تأهيله ليكون معلماً من معالم النهوض بذاكرة لمدينة وشعوب وتأريخ كبير لإثبات الحقائق .

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: عايد الطائي يكتب عن : بابل و بورسيبا ونهر النبي إبراهيم Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top