• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 22 مارس 2022

    العالم الارجواني في... نهر الرمان ..دراسة نقدية ..بقلم :يوسف عبود جويعد

     

     


     

    إن الروائي الحاذق الفطن الذي يعمل على تطوير أدواته السردية، يكون منشغلاً دوماً في إيجاد منابع جديدة ومبتكرة وحديثة، للحصول على المادة الخام أو الفكرة التي يمكن توظيفها ومعالجتها فنياً، لتدخل عالم السرد، والروائي شوقي كريم حسن، ومن خلال روايته (نهر الرمان) وعنوان فرعي (تجربة موت)، يدعونا لندخل مساراً سردياً جديداً، في تجربة لا تخلو من الخطورة، أو المغامرة، إذ يدخل الى المشفى لإجراء أكبر وأخطر عملية، وهي عملية القلب المفتوح، والتي تشبه إلى حد بعيد صراعاً بين الموت والحياة، بين النجاح والفشل، ومن خلال هذا المنفذ سوف نلج معه لمتابعة أحداث هذا النص السردي الروائي، وهو تحت وطأة عملية الاستسلام التام لمشرط الطبيب، الذي سوف ينقله الى العالم الارجواني، لينفصل عن كل شيء، ورغم صعوبة هذه اللحظات الحرجة، إلا أنه استطاع (واقصد هنا الروائي) أن يقتنص مادته الخام، ليقدمها في هذا العمل الفني، فالإحساس مختلف، والافكار مختلفة، والخوف والقلق والرحيل الى المجهول، خلال ساعات العملية، تنذر بالعزلة التامة عن العالم.

    وهكذا يسحبنا الروائي الى المنطقة التي جعلها بؤرة الأحداث ونقطة الانطلاق، ما الذي يدور في رأسه، كيف أحس هذه اللحظات، وكيف يرى القائمين على إجراء هذه العملية، الطبيب، والطبيبة المخدرة، والسيدة التي تجلس على الكرسي، الاضاءة، اللون الأبيض، رائحة الادوية والمعقمات، الهمس، الجانب الآخر من هذا العمل الفني، هو استحضاره رغم الوهن والضعف والاستسلام، وهو مستلقٍ على سرير العملية، لكم هائل من الحكايات والاحداث، التي تدور في رأسه في تلك اللحظة، ليجعل من بطل هذا النص، مع فريق العمل جمهور، وسيكون مجبراً في لاحق الأحداث، الى متابعة هذه الاحداث والحكايات من مسيرة عمره، وهي تتدفق من دهاليز الخوف الى صالة العمليات، من دهاليز ذاكرته ومحطات حياته أمام مرأى هذا الفريق، وهي عملية إبداعية جديدة ومبتكرة، وغير تقليدية، لأننا تعودنا أن نقل الماضي هي عودة إليه بشكل تام وترك بقية الاحداث، الا أننا نجد في هذا العمل الفني، استحضاراً لهذا الماضي داخل صالة العمليات، ورؤيته من قبل فريق العمل، بل وحتى التفاعل معه، ومتابعته، وجعله جزءًا من عملهم:

    (ارقص.. هيا أرقص.. أرواحنا لك الفدى قائدنا الممجدا.. لا سافل عن ما يطرب الناس ويثير حماستهم.. صفق.. غن.. ارقص.. صفق... غن... ارقص... أحنة مشينه للقبر.. عاشك يدافع عن قهر محبوبته...

    مشت الخطوات دون شعور وعند اختفاء التلويحات والوجوه جرّك البياض إليه، كانت المخدرة تبتسم بلذة عاشقة، وكانت اعماقك تبكي بلذّة من اكتشف الموت فجأة !!) (ص 20 )

    لغة هذا النص السردي، هي مجموعة من التفاعلات الحسية والروحية المتأثرة والمؤثرة بلحظة الاحداث وخطورتها، ووهن وضعف واستسلام بطل هذا النص لرحلة بين الموت والحياة، وعالم من الارجوانية مغلف بعزلة تامة، وهكذا فإنها جمعت بين الشعرية والحسية والاسى والندم والخوف، وهو توظيف جعل هذا النص درامي ساخن.

    لقد أتقن الروائي لعبته السردية، بأن يجعل من عالمين، الحاضر والماضي، برؤية فنية جديدة ومبتكرة على مسرح صالة العملات ليشاهده القارئ، وكذلك شخوص الرواية، فلم يكن الطبيب منشغلاً في إجراء العملية بصورتها المجردة، بل هو منشغل بهذا التدفق الذي يندفع من داخل الروح الى واقع الحياة، لنتابع هذه المحطات، حيث إن الروائي، جعل الفصول أبواب ندخل من خلالها الى خضم الاحداث:

    (عند عيون الانتهاك، عند قافلة القرمز، عند وردة الخرس، عند رحلة الاكتشاف، عند جذور الرماد، عند مجسّات الملكة، عند مسار العتمة)

    وهي محطات مختزلة متضمنة هذه اللغة التي ذكرتها، والتي أضفت الى هذا العمل الفني هالة سحرية تتسرب الى الروح لتهيمن على الحواس، فينتقل الى طفولته، الى حياته في الجيش، الى علاقاته العاطفية، الى صراع الروح والجسد، الى صراع الافكار، الى جده، الى أمه فطيم الوحيلي وغير ذلك من المحطات، التي شكلت حيرة وصعوبة لدى الطبيب في إنجاز مهمته:

    (قال متنهداً- هو يدمر خبرتي، أحتاج الى تأمل لما يحدث، لم ار هذه الفوضى من قبل، العاصفة تدفعنا الى نهاية محتمة لا أرغب بها، لا أريد أن تكون نهاية بين يدي، وعدته أن أعود به حياً. قال الرجل – طرقاته وعره.. عمي تحتاج من أجل اجتيازها دقة وتفحص تلك الأمكنة التي أراها تضج بالعويل، لنحاول تخفيف وجعها.) (ص 90 )

    لقد تدارك الروائي بعض الجوانب الفنية، وهو يدون مسرودته هذه، إذ إن المريض عندما يخضع للعملية ستنتهي مهمته في إدارة دفة الاحداث، لذا فإنه اوكل مهمة إدارة الاحداث من بعده الى الطبيب، التي ستكون مهمته اكتشافية ونقلها للقارئ.

    وهكذا تدور أحداث الرواية، التي تعد واحدة من الروايات النادرة، كون الروائي يقدم لنا أحداث عن إجرائه لعملية خطرة، وينقل كل ما يحيط بهذه العملية من تداعيات.

    من إصدارات دار العراب –سوريا – دمشق ودار الصحيفة العربية –بغداد لعام 2022

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: العالم الارجواني في... نهر الرمان ..دراسة نقدية ..بقلم :يوسف عبود جويعد Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top