• اخر الاخبار

    الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

    البنية السوسيولوجية في شعر الشباب..حسين خليل أنموذجاً ..بقلم : سعد الساعدي



    كثيرون يتصورون أنَّ كتابة الشعر مسلية وجميلة وذات متعة وبريق لامع حين ظهور الأسماء على واجهات الصحف، والكتب، وشاشات التلفاز، أو هي نجومية من نوع خاص، وهي خلاف ذلك بالطبع لأنَّ الصحافة الرصينة تسعى لضخ الجديد والمثير، والذي يحمل المصداقية لأقصى حدّ، لذلك أسموها مهنة المتاعب، أو البحث عن المتاعب حين يكون العمل في الظروف الاستثنائية الخاصة، وما يصاحبها من مخاطر كثيرة، وربما الموت أحياناً، والشواهد اليومية تؤكد ذلك في ظل حروب مستمرة، وصراعات حزبية وطائفية واثنية و سياسية شتى في الكثير من الدول، وأحيانا المتقدمة منها، وليس الشاعر ببعيد عن كل ذلك كونه صاحب رسالة اعلامية أنَّى كانت، ومن أي منبعٍ نبعت.
    هذه العوامل أوجدت خللاً نفسياً تارة، وتارة أخرى زعزعت المجتمع بكثير من الانهيارات والتصدعات المؤثرة، وأخرى غيرها؛ مع عَالمٍ يدعو لعولمة كل شيء، من وسائل اعلام بكل أنواعها، الى القراءة ، والاستماع، والمتابعات الثقافية، اضافة الى أهم الأسباب التي أدت لتسارع (عولمي) وهو السيطرة الاقتصادية والسياسية من قبل الدول العظمى على الدول وفيرة الثروات، قلية القوة، متميزة بالضعف، والتي غالبا ما تبرز منها الطاقات الشعرية والأدبية والعلمية الفذة كما هو حال الواقع العربي اليوم، وتحديداً العراق.
    من يقرأ اليوم القصائد التجديدية في أشعار الكثير من الشباب، ومنهم الشاعر حسين خليل؛ يجد انطلاقة الشاعر من هموم تفرزها قضية؛ وتحديداً مشكلة المجتمع المنتمي اليه؛ بما فيه من تصدعات وتداعيات انسحبت من عامل مهم آخر وهو الاقتصاد المتردي حتى لو جاءت قصيدته تحمل في مضمونها عنوان التغزل بأنثى لا على التعيين؛ كرمز عطاء للمرأة المقهورة مثله، والتي معه تمثل المجتمع بتكامله الوجودي وبنائه الانساني. هنا لا أسعى كمتابع وقارئ لنصوص الشاعر بن خليل للوقوف عندها تحليلياً ودراسة ما فيها بلغة تفسيرية في اشارة لبعض منها كصورة شعرية؛ بل أنَّ التحليل يأتي من مضامينها، وبؤرها التكوينية كاشتغالات وظفها الشاعر لكتابة قصيدة نسميها القصيدة التجديدية بما تحمل من دلالات توظيفية هي في الحقيقة نقدية توثق، وتسجل تاريخ مرحلة فيها الشاعر يلعب دور صاحب الرسالة كمرسل واقعي لمجموعة متلقين؛ سواء نخبويين، أو من متوسطي الثقافة العامة بترميز متعمد، وكنايات منبثقة من اللغة؛ فيها الغزير من المعاني والصور الجمالية، وهذا ما أكدته نظرية التحليل والارتقاء النقدية كمرتكزات إنْ توفرت في النص أو أي انتاج أدبي وفني آخر فأنها تعطي الدليل الصادق على أن رسالة المرسل (الشاعر هنا) صادقة لا تسعى للعبث بمشاعر المتلقي أو تذهب به في شطط بعيد.
    وبصورة عامة اذا تناولنا النص الشعري العربي لدراسته وحده فقط بعيداً عن ما يكتبه الشعراء الغربيون أو من يتبع منهم الايديولوجيات البراكماتية المسايرة لعصر العولمة الجديد، نجد أن الشاعر العربي يتعرض كل يوم لإرهاصات نفسية عميقة يحاول اخارجها من داخله لمجتمعه الذي يعيش فيه، وإنْ وصلت لاحقاً لمجتمعات غريبة عنه؛ لأنَّ النص لا يصبح ملك الشاعر بعد نشره ووصول رسالته للآخرين كما يقال، مع أنَّ واجبه كمُنتِجٍ لعمل يقتضي المتابعة وعدم الاهمال، وعين الحالة يعيشها الشاعر العراقي حسين خليل متأثراً بكل الظروف التي مرّت عليه ومازالت تمرُّ الى اليوم، حتى بتنا نسمع كثيراً مواساة البعض لما يتعرض له بلد الشاعر؛ العراق. فالصراعات الدولية والإقليمية، والحروب الأهلية والاثنية، ومختلف أنواع الاختلافات، اضافة الى الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتردية التي يعاني منها المجتمع العربي اليوم والعراقي بالخصوص، كلها تصب على الشاعر الذي يتفاعل مع تلك المعاناة كونه أحد الأفراد الذين يعيشون مع نفس ذلك المجتمع المعذب الذي يعاني أغلب أفراده النقص والحرمان من أبسط الاحتياجات الفردية ويبقى بحالة حلم (يوتوبي) متمنياً الجنة الأرضية قبل جنة السماء.
    قد تكون هناك تجارب تاريخية أكثر؛ أثرت بشكل ملحوظ على التفاعل بين الشاعر والمتلقي ليولد نص من رحم المجتمع، مع أن جيل الشعراء الشباب الحالي لم يمرّوا بكثير من الانتكاسات، أو المشاركة في حروب خاسرة خاضها نظام لم يعرف تحديداً صنع أهدافه بدقة غير لغة السلاح والبطش بكل معارض عدا ما قرأوه أو سمعوه من الجيل السابق، وهذا دليل استمرارية عملية الاتصال والتواصل بين الأجيال بلا انفصام وتكسير مع وجود ثورة وجدانية شبابية رافضة لكثير من الماضي وأهله؛ فالشباب طاقة خلاقة بحاجة لمن له خبرة عميقة داعمة لهم والارتقاء بهم.
    الشاعر (أي شاعر) اليوم يصف ويرسم ما يراه من احباط وفوض باستثناء الشعراء الحالمين فقط باللون الوردي وكأنهم يعيشون في عالم آخر ليس هو المكان الحالي الذي هم فيه؛ حتى الكبار منهم وبعض المخضرمين، ومنهم من يحاول الهروب من واقعه للخيال الجامح بلغة فوضوية يخاطب فيها جسد المرأة مرة، أو نثر هلوسات عديمة البيان مرة أخرى، ولا يعنيه أي شيء في الدنيا غير ذلك، وكأنَّ اللغة الآيروسية والتغني بالليالي الحمراء هما العماد الأول للحياة ومسيرتها، وبدون تلك الكلمات حسب رأيه، تصبح النصوص الشعرية خاوية وخالية من اللذة الذوقية وليس متعة القراءة لمن يرغب بذلك ويشتهيه أو الغرض الذي أتت من أجله تلك الأشعار كموضوع وليد المرحلة التجديدية؛ في حين يَعُدّ البعض تلك اللغة بانها صورة فنية بجمالية خاصة بعيدة عن الابتذال؛ لذا نقول بصدق أن حسين خليل كتب مثل ذلك بعض نصوصه الشعرية من وجهة نظر خاصة به ربما لقصد وغاية، أو كرسائل مشفرة، أو خوض تجربة سار عليها بعضهم ليتوافق معهم بعيداً عن العبث وغائيته لها ما يبررها منه وليس منَّا، لكنها ليست كل كتاباته ذات الطابع التجديدي المنعش والمفعم بلغة تستحق الوقوف عندها، وحتى بعض طروحاته النقدية الجديدة بعيداً عن مناهج النقد الكلاسيكية التي بدأت ترحل. مع كل هذا نرى هناك من يكتب بتلك اللغة لنفسه فقط أحياناً للاستمتاع بجمالها بعيداً عن كل التحفظات والخطوط الحمراء يضمنها الصور المثيرة رغم عدم نشرها ورقياً أو رقمياً بشكل أكثر عمومية دون الخواص، ومنهم بالعكس تماماً حين يفتخر بما كتب ونشر بما رافق ذلك من اثارة عارمة نرى أنها ليست التجديد مع أنه ينتمي لجيلٍ جديد.
    لذا يمكن القول: أن البنية السوسيولوجية هذه هي افراز لتداعيات العولمة في كثير منها، وما هذا التجديد الموهوم إلاّ خرق صارخ للمألوف، وكشف المستور، و أن الخطوط الحمراء التي يسعى المجتمع (الشرقي خصوصاً) للحفاظ عليها ما هي إلاّ وهم محض شكلته العقلية الرجعية المتخلفة حسب من يتبنّى هذا الطرح، ونرى هذا واضحاً جداً في لغة الافلام السينمائية والتلفزيونية الحديثة جداً، المتأثرة بأفلام هوليوود الخليعة المبتذلة.
    أضفى التجديد الحداثوي اليوم على القصيدة صورة أخرى غير ما كتبها المتنبي والسياب والجواهري وأمثالهم، مع الفارق طبعاً بين لغة كل من كتب وفحولته الشعرية، لكن الواقع يوضح ما هو عليه المجتمع، فتارة يتخاذل، وأخرى ينتصب كطود عظيم، مع الأخذ بنظر الاعتبار الازدواجية للشخصية العربية التي عانت كثيراً من ظلم النظم الدكتاتورية، وتعاني اليوم من بعض الديموقراطيات المزيفة، في حين يبقى الشاعر بقصائده هو أكثر من يعاني من كل خلل حاصل بإحساسه المرهف، فيبدأ بأرسال رسائله للجمهور على أمل إحداث تنبيه معين، أو إيقاظ روحية نائمة بين مجتمع متهلهل أصبح همّه وشغله الشاغل لقمة العيش لا غير!
    اذن يجب أن يأتي النص الشعري داعماً للفرد واحتياجاته، ومنيراً طريقه على طول الخط، لأنَّ الجميع بحاجه لمن يقف معهم، فلا ينبغي تلميع صورة المتجبِّر مثلاً في قصيدة شعرية والتقرب اليه، والتزلف لديه، وإهمال المظلوم المسكين والابتعاد عنه وعن واقعه، وهنا تكمن خطورة جديدة اذا عزف المتلقي عن الشعر الذي أمامه نتيجة عدم مصداقية من يقوله انسياقاً وراء احساس داخلي نفسي يلح بقوة عليه أنه يقف أمام لوحة نفاق، وليس أمام ألوان مرسومة بحقيقة جمالية تعبّر عما يجول في داخله، وما يطمح اليه، وما ينتظره من تغيير لعل تلك القصيدة وذلك الشاعر يطلق صوته ويسمعه من بيده الأمر. في الشعر التجديدي نجد ابتعاد الشاعر عن ذلك كثيراً جداً (التزلّف والنفاق) ليختط طريقاً آخر بصورة أكثر نصاعة حفاظاً على اسمه واعتباره. ومن الخير لنا كمتلقين ونقاد، ولشاعرنا بن خليل أننا لم نلحظ ذلك عليه كشاعر شاب ثائر روحياً ووجدانياً وهو يختار له طريقاً ينبئ بمستقبل واعد له حضوره المستقبلي بين الشعراء المجددين الحاملين رسالة تنويرية ترتقي بالفرد والمجتمع، وهذا هو صميم المصداقية في رسالة كل مرسل.
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: البنية السوسيولوجية في شعر الشباب..حسين خليل أنموذجاً ..بقلم : سعد الساعدي Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top