الانتماء للوطن أساس للإصلاح السياسي، فلا يجوز لنا التحدث عن السياسة أو إصلاحها، أو الديمقراطية أو إصلاحها، دون أن ينتمي هذا المراد إعطاؤه هذه الديمقراطية أو إعطاؤه جرعات في السياسة؛ لذلك كان التحدي الأكبر أمام المواطن والمسؤول على السواء، هو الانتماء الكامل وغير المنقوص لوطن أنت فيه وابنك وابنتك، ومن قبل كان الآباء والأجداد. إن حب الوطن والانتماء إليه من أُسس الدين، وكمال العقيدة، ولوازم الشريعة،
ولا يبتعد ذلك عن تعاليم الإسلام، فلا بد أن يتحول هذا الحب والانتماء والوعي بالمواطنة إلى انفعالٍ، وإلى عاطفة، ويصبح قيمة وطنية تتمثَّل في السلوك السليم، وليكن الانتماء من دوافع الإنتاج والتقدم والابتكار والإبداع، فقد بدأت الاختراعات والإبداعات في العصر الحديث عندما خلق الانتماء للوطن.
إن الشعور بالانتماء للوطن يتزايد من شعور الفرد بالأمان الاقتصادي والسياسي في وطنه، وهذا الشعور يؤدي به إلى زيادة الإنتاج لمحاولة الارتفاع بمستواه الاقتصادي؛ مما يشعره بالانتماء أكثر إلى هذا الوطن، أما إذا ضعف الانتماء، فهذا بلا شك كارثة قوميه؛ فإنه يولد الفتور والسلبية واللامبالاة، وعدم تحمُّل المسؤولية، فعندما يَضعُف الانتماء الوطني يتحول المواطن إلى فريسة سهلة لكل أنواع التعصب البعيدة عن الشأن العام ومصالح الأمة والوطن.
إن ظاهرة ضَعف الانتماء والولاء لدى الأجيال الجديدة على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية بمكان، وذلك لما لهذه الظاهرة السلبية من آثار مباشرة على الوحدة الوطنية والمنظومة الاجتماعية والأمن القومي، فلا بد من التكاتف والتعاون من أجل معالجة هذا الضَّعف؛ حتى لا يودي بثروة الوطن إلى الهاوية، ألا وهم النشء والشباب.
عندما يشعر المواطن بالاعتزاز بالانتماء إليه، وإحساسًا بالمسؤولية تجاه قضاياه الوطنية، والدفاع عن مصالحه وأمنه القومي، والاستعداد للتضحية في سبيله، هذا الوطن الذي منحه جنسيته دون أدنى تعبٍ أو مشقة، فالجنسية ليست وثيقة إدارية قانونية، إنما هي انتماء وولاء للوطن، والجنسية تعني الانتماء لشعبٍ والولاء لوطنٍ، فلأي شعب ينتمي مزدوجو الجنسية؟ ولأي وطن يوالون وينتمون مع جمعهم بين الجنسيات؟
نحن أمام تناقُض واضح، وطن منح الجنسية لمواطنه دون طلب، ومعه كل الحقوق المترتبة على ذلك، ومواطن سعى لطلب جنسية أخرى من دولة أخرى؛ حتى يحصل بموجبها على حقوق وواجبات والتزامات في تلك الدولة.
إن ازدواج الجنسية يتنافى مع متطلبات الانتماء للوطن وما يقتضيه من حبٍّ ومودة، وأُخوَّة وتعاوُن في سبيل إحقاق الحق وحماية الأمن والاستقرار.
إن استطعنا حل أزمة ضَعف الانتماء، فلا بد من التفكير في حل حاسم لخائن الوطن والخيانة للوطن من الجرائم البشعة التي لا تُقرها الشريعة الإسلامية، والتي يترك فيها لولي الأمر أن يعاقب من يرتكبها بالعقوبة الزاجرة التي تردع صاحبها، وتمنع شرَّه عن جماعة المسلمين، وتكفي لزجر غيره.
الانتماء الصادق للوطن من الفطرة ومن الدين، ومن ضَعف انتماؤه، اختلَّت فِطرته، وضَعف دينه؛ فالناس مجبولون على حب أوطانهم، فلا بد من ضرورة التوعية من الدعاة وولاة الأمر.
إنه مهما اختلفنا مع الحاكم أو الحكومات، فلا يكون هذا هو الرد والمقابل، وإنه حتى وإن شعرنا بالظلم من أوطاننا، فلا يوجد عُرف أو دين، أو عقيدة، أو فكر، يُبرر الخيانة للوطن، وبهذا نتجنَّب ضَعف الانتماء للوطن والدخول في متاهات الخيانة التي تلحق بنا وبأوطاننا الضرر والألم، للأمن والاستقرار أهمية بالغة في الانتماء.
إن الشعور بالانتماء للوطن يساعد في تدعيم قاعدة الأمن والاستقرار.
الاستقرار الإيجابي هو الاستقرار المبني على شعور عميق بالرضا والأمن والعدالة، وتكافؤ الفرص، والاستقرار السلبي هو الاستقرار المبني على الخوف والرعب من سلطة غاشمة، أو الخوف والرعب من فتنة عمياء تأكل الأخضر واليابس.
ويمكن أن يُوصَف الاستقرار الوطني بأنه الحالة التي يكون فيها البلد مستقرًّا اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وبيئيًّا واجتماعيًّا، فإذا تحقق الإسلام والإيمان توفرت أسباب الأمن، لكن قد يكون هناك شُذَّاذ لم يتمكن الإسلام والإيمان من قلوبهم، فتحصل منهم نزوات تُخل بالأمن، وهنا وضع الله - سبحانه - زواجر وروادع لهؤلاء، تَكُف عدوانهم، وتصون الأمن من عبَثهم، فلا خلاف في أن تعزيز قِيَم الانتماء للوطن بالضوابط الشرعية للعقيدة الإسلامية، تعود علينا بالأمن على الوطن.
إن الأمن الركيزة الأساس التي يستمد منها المجتمع استقراره وتقدُّمه وحضارته وازدهاره، وكما أن الانتماء إلى الوطن صمام أمان لحماية البلاد من الفتن والأهواء والأفكار المنحرفة والضالة التي تعود بالدمار على البلاد والعباد على حد سواء، فإن الاستقرار مرتبط ارتباطًا كاملاً بالأمن؛ حيث لا استقرار بدون أمن،
فاستقرار المجتمع يعتمد على استقرار الفرد، واستقرار الدولة يعتمد على أمنها واستقرار مجتمعاتها، وأدنى مستوى للاستقرار هو استقرار الفرد ذاته. الانتماء للوطن هو جزء من منظومة الأخلاق المتكاملة، التي يجب أن يتشربها الطفل منذ صغره، ويجب أن يحرص عليها الآباء حرصهم على بقية المكارم والأخلاق.
ومن هنا يجب على البيت والمدرسة ان تنمى عند الطفل قيمة الانتماء بأسلوب غير مباشر من خلال مراعاة عدة أمور :
1- العلم أن ليس هناك سن محدد لترسيخ الانتماء في عقل واحساس حديث السن , فالطفل الصغير يمكنه تعلم تلك القيمة من خلال تعلقه بأمه وبيته والعابه .
2- وفي بداية عمر الطفل قبل أن يعي الطفل معنى الوطن يجب التركيز على تنمية مشاعر الانتماء لديه على نطاق أضيق وأكثر وضوحا فى البيئة المحيطة به مثل العائلة والجيران والأصدقاء والشارع والمدرسة.
3- التأكد أن التعليم الأجنبي لا يفقد الشخص انتماءه الى ثقافة وطنه بل بالعكس تنمى شخصيته وتثقلها وبالتالي يعي قيمة بلده ويرتبط بها ويعمل من أجل النهوض بها .
4- الحرص على الحوار المتواصل والتركيز على الجوانب الايجابية دائما مع الاستماع اليهم بانتباه ومناقشتهم فى كل شىء وعدم التسليم بأن السلبيات أمر واقع وانما أمور يمكن بالعمل على معالجتها .
5- إلقاء الضوء على الايجابيات فى أى مجال أو سلوك من حولنا فالسلبيات يلقى عليها الضوء دائما فى كل مكان.
6- الحرص على عدم المبالغة فى انتقاد المجتمع باستمرار.
7- تقديم القدوة الجيدة لهم من خلال السلوكيات الايجابية التى تنم عن الشعور بالمسئولية تجاه البيت أو الشارع أو العائلة .
8- عدم التخلي عن المسئولية تجاه المجتمع والحرص على ايجاد دور ايجابى فيه.
9- الاستفادة من الفرصة السانحة والسماح لأطفالنا بالمشاركة في خدمة المجتمع وبناءه.
10- التخلي عن الانهزامية واللامبالاة والتحلي بالروح الايجابية والفعالة فى كل ما يحدث من حولنا سواء على نطاق الوطن أو أى نطاق أضيق مهما بدى بسيطا
ومن هنا يجب أن يتشارك الجميع الرؤية والأهداف والوسائل والطرق، حتى يتزايد الانتماء، وهذا يتحقق بالمشاركة والوضوح والمصداقية من جانب فلذلك وجب على الشباب أن يعملوا ما بوسعهم لكي يكون حب الوطن والانتماء له شيئًا ملموسًا في سلوكهم، وهذا يبدأ من مستوى عدم إلقاء القاذورات على الأرض، والحفاظ على سلامة الوطن، وصولًا إلى العمل على بناء الوطن وتنميته، والقيام بأعباء الحفاظ على أمنه، والحفاظ على الانضباط في الشارع، وهكذا.
أن الدين لا ينفك عن الأخلاق بحال من الأحوال، ومن ضمنها الانتماء للوطن, والوسائل في ذلك كثيرة، منها ربط حب الوطن بالدين والتدين، وأنه من الإيمان, وضرب الأمثلة من حياة النبي والصحابة والصالحين عبر التاريخ في حبهم لأوطانهم, وضبط مساحة الوطن في حياة الطفل، وأنه جزء منه, والتعبير الدائم عن الفخر بالانتماء لهذا الوطن,
وتوضيح أسباب منطقية يستوعبها عقل الطفل لهذا الانتماء، مثلًا توضيح تاريخ الوطن، وكفاح أبنائه، وما يتميز به الوطن من خيرات ومآثر ونعم ومزايا, وزيارة المعالم التاريخية والمتاحف الوطنية, والقراءة في سير أبناء الوطن الناجحين عبر التاريخ من علماء وأدباء ومفكرين, وتعريف الطفل ما يتهدد هذا الوطن، ودورنا في حمايته، وأنه مسئول عن ذلك حسب عمره ومكانه.
الانتماء للوطن هو جزء من منظومة الأخلاق المتكاملة، التي يجب أن يتشربها الطفل منذ صغره، ويجب أن يحرص عليها الآباء حرصهم على بقية المكارم والأخلاق.
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق